3 أمور جعلتني أشعر أن مسلسل تشرنوبيل يحكي عن بلد عربي

عربي بوست
تم النشر: 2019/06/11 الساعة 14:00 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/06/11 الساعة 14:01 بتوقيت غرينتش
لقطة من مسلسل مسلسل تشرنوبيل

أثناء بحثي عن مسلسل لأشاهده في الإجازة، أوصاني أحد الأصدقاء بمسلسل تشرنوبيل، وهو مسلسل قصير من خمس حلقات، قد لا تستطيع مفارقة مكانك إلا بعد أن تشاهد جميع حلقاته، مثلما فعل كاتب هذه السطور.

ومسلسل تشرنوبيل يحكي بالتفصيل قصة مأساة انفجار المفاعل النووي الذي يحمل نفس الاسم داخل الاتحاد السوفيتي في العام 1986، والمسلسل رائع جداً على كافة الأصعدة الفنية، وقد جعلني أعيش داخل الأحداث، حتى إنني كنت أحبس أنفاسي بصورة لا إرادية، حتى لا أتأثر بالأبخرة المتصاعدة من المفاعل، وأنا هنا لن أتناول المسلسل من الناحية الفنية، بل سأتحدث عن الخواطر التي اعتملت في نفسي أثناء وبعد مشاهدة المسلسل.

الخاطر الأساسي الذي تفرَّعت منه كل أفكاري أثناء مشاهدة المسلسل هو أننا نعيش في نسخ متكررة من مدينة تشرنوبيل، فأنا أكاد أجزم أن كل مواطن عربي شاهد هذا المسلسل لم يشعر بالغربة أثناء متابعته للمسلسل، ولم يستغرب التصرفات التي فاقمت الكارثة وأدت إلى مقتل كل هؤلاء الأبرياء، ودعوني أحدد أهم النقاط التي شعرت معها أنني في وطني:

سيادة الخوف:

الخوف كان يخنق جوّ شعوب الاتحاد السوفيتي قبل أن تخنقهم الأبخرة الصادرة عن مفاعل تشرنوبيل المنفجر، فالخوف كان يمنع الكل من قول الحقيقة، الخوف كان يمنع الجميع من الإبداع، التهديد هو الأداة الأساسية في أيدي المديرين والمسؤولين، ومن تحت الاستبداد والشمولية التي كان يحكم بها الاتحاد السوفيتي نتجت كل المصائب والبلايا التي أودت به في نهاية المطاف.

الخوف كان هو الشعور الأساسي الذي تدور حوله كل الأحداث داخل الاتحاد السوفيتي، فالرئيس يخاف من ثورة الشعب الذي جاء رغماً عن إرادته، ويخاف من خيانة مساعديه الذين قد يخلّون بينه وبين الشعب في أي وقت، فيلجأ إلى إرهابهم على طول الخطّ، ويقتل أي شخص فيهم على الشُّبهة، الأمر الذي يجعل هؤلاء المسؤولين في حالة مستمرة من الخوف، خوف من الخطأ الذي قد يُفسر على أنه محاولة لإفشال الحاكم أو إظهاره ضعيفاً غير مسيطر على الأمور، مما يجعلهم يحاولون هم أيضاً إخافة وإرهاب مرؤسيهم، إلى أن تصل إلى أدنى درجات السلم الوظيفي.

وفي مثل هذه الأجواء الملوثة بالخوف من الممكن جداً أن تحوّر شكواك من عيب صناعي في أي منشأة إلى ذمّ وتشكيك في الصناعة الوطنية، وسير عكس اتجاه الزعيم المشجع للصناعة الوطنية -الذي يزعم أن بلاده وصلت تحت زعامته إلى الريادة والتفوق في كل مجالات الحياة- مما يدل على انعدام وطنيتك، وقد يمتد الموضوع لاتهامك بالعمالة، الأمر الذي قد تفقد معه عائلتك ووظيفتك وحياتك، وهو عين ما حدث في الاتحاد السوفيتي عندما اتهموا العالم الذي حذَّر من وجود عيب في بنية المفاعلات النووية السوفيتية، قبل وقوع انفجار تشيرنوبيل بسنوات، حيث تم اتهامه بكل التهم المعلبة التي نسمعها كثيراً في أوطاننا الخائفة.

سيادة التطبيل والنفاق:

من أبدع مشاهد المسلسل وأكثرها تجسيداً لواقعنا العربي، ذلك المشهد الذي جسّد اجتماع المجلس المحلي للمدينة بعد نشوب الحريق وقبل الاعتراف الرسمي بحجم الكارثة، عندما تكلم أحد الأعضاء عن ضرورة تهجير السكان من محيط المفاعل ضماناً لسلامتهم، عندها أشار أكبر الحاضرين سناً إلى صورة لينين، قائلاً إننا نسير على خطى هذا الرجل العظيم، وأخذ في مدح بطولة الشعب وتضحيته، وكيف أن التاريخ لن ينسى بطولة الشعب السوفيتي في خطبة حماسية لا علاقة لها بجوهر التهديدات الحقيقية التي تحيط بالسكان، والغريب أن الحضور صفّقوا بحماس للكلام الفارغ الذي خرف به هذا العجوز، وأنهوا الاجتماع من دون أي فائدة.

هذا المشهد بالذات غني بالكثير من المصطلحات التي يستخدمها المنافقون والمطبلون كغطاء على فشل أسيادهم، وإسكاتا لم يجرؤ على اقتراح حلول عملية للخروج من الأزمات التي وقعت بسبب غباء الزعيم المفدى.

الاستهانة بأرواح الناس:

طالما أن الكاميرات لا تصور ولا يوجد من يحصي عدد الضحايا، فالرقم غير مهم بالمرة، فالناس عند حكام تشرنوبيل ومَن على شاكلتهم من حكام نسخ تشرنوبيل، لا تعنى إلا أرقاماً صماء لا تحس ولا تشعر، الكل تراخى عن اتخاذ الإجراءات العاجلة للإجلاء، لمجرد أنها ستعني اعترافاً ضمنياً بوجود كارثة، والجميع يحاول التهرب من الاعتراف بوجود الكارثة هرباً من المسؤولية، وكان الشعار فليمت مَن يمت، المهم أن أهرب من الحساب.

أوجه التشابة بيننا وبين تشرنوبيل يضيق المقام عن ذكرها، ويكفيك أن تشاهد المسلسل أو تقرأ عما حدث في المفاعل، حتى تستخرجها من النظرة الأولى، أسأل الله أن يوفقنا إلى الخروج من هذا التشابه مع المدينة المنكوبة، حتى لا نصل إلى نفس المصير.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علي خيري
كاتب ومحامٍ مصري
كاتب ومحامٍ مصري
تحميل المزيد