كنت أقرأ في كتاب يتحدث عن علاقة الرجل بالمرأة، ولماذا يحب الرجل شخصية المرأة القوية "القادرة"، التي نسميها نحن في لهجتنا "المرأة الجبروت"؟ وفي نفس الوقت لماذا تتعرض المرأة الطيبة واللطيفة التي تراعي الجميع إلى المعاملة القاسية واللامبالاة وعدم الاهتمام؟
الكتاب تحدث عن العلاقة بين الرجل والمرأة، لكن تعالوا نتحدث عن نقطة بعينها ونقيّمها من خلال تعاملاتنا الإنسانية عموماً.
فكرة العطاء، هي أن تظل تعطي من أمامك أكثر من حقه حتى اعتقد في النهاية أن هذا العطاء حق له وواجب عليك، وعندما تتعب في وسط هذا العطاء وتعطيه حقه فقط أو أزيد قليلاً، لكن أقل من المستوى الذي اعتاد عليه، حينها تكون في نظره مُقصراً في واجباتك وفي حقوقه.
الكاتبة بدأت كلامها بمثال عن امرأة دعت رجلاً للعشاء عندها للمرة الأولى
المرأة اللطيفة: طبخت وأعدت من الطعام تقريباً كل ما يمكن إعداده وتقديمه وتألقت حتى تبهره، هذا الشخص انبهر بالفعل وشكرها كثيراً… في المرة الثانية وبدلاً من أن يقوم بدعوتها هذه المرة للعشاء في الخارج مثلاً اتصل بها وطلب منها الأصناف التي يود أكلها لتقوم بإعدادها له!
على الصعيد الثاني نأتي للمرأة صاحبة الشخصية القوية "القادرة"، كما نقول: أعدت له بعضاً من "الفيشار" واشترت له كيسَين من "الشيبسي" ورقائق البطاطس ومعها علبتان من العصير، وجهزت له فيلماً ليشاهداه معاً بعد العشاء…. الاثنان شعرا بالسعادة وبأن الحياة لطيفة، في المرة الثانية اتصل بها لدعوتها على العشاء بالخارج… وبعد عدة شهور عندما دعته للعشاء مرة ثانية، أعدت له "المكرونة" وبعضاً من قطع الفراخ وشكراً.
طبعاً الرجل كان في حالة انبهار أنها تعبت وطبخت له خصيصاً هذا الطعام، وبدأ يشعر أنها قد بذلت مجهوداً خرافياً لأجل إسعاده بالتحديد، وشعر أنه بالنسبة لها شخص مميز ويجب أن يُقدر هذا المعروف لها.
السؤال: لو كان لدينا مقياس من ١ إلى 10، لماذا العشر نقاط التي قدمتها المرأة الأولى اللطيفة لم يكن لها نفس تأثير الـ3 نقاط التي قدمتها المرأة القوية في المستقبل؟
هذا يرجع إلى 3 أسباب:
1- الشخص في بداية علاقته بالناس عندما يبالغ في الاهتمام بهم وإرضائهم، يظهر أنه desperate؛ لأن الرغبة الزيادة في إرضاء الآخرين يراها الناس على أن هذا الشخص يحاول أن يُخفي أو يستر عيباً معيناً فيه، ويوصّل رسالة بأنه لا يكفي لمن أمامه ويحتاج أن يبذل مجهوداً أكبر حتى يُعجب الآخرين به.
"Being too eager to please is a sign of overcompensating".
(الرغبة والمبالغة في إرضاء الآخرين علامة على الإفراط فى التعويض عن عيوب شخصية)
2- الناس (والرجال خصوصاً) لا يعرفون كيف يُقدرون أمراً امتلكوه بالساهل، ولم يتعبوا في الوصول إليه… بالعكس مع الوقت يرونه حقاً مكتسباً ويشعرون بالغضب عندما يحرمون منه.
الكاتبة تقول إن المرأة اللطيفة قدمت أعلى قدراتها في بداية العلاقة، وأعطت كل ما لديها من العطاء… فأصبح هذا الوضع هو الطبيعي والمتوقع منها في كل وقت ولو في يوم قدمت العادي، سيظهر أنها مقصّرة؛ لذلك نصحت الكاتبة الفتيات والنساء بأن لا يبدأن العلاقة من أعلى درجة حتى لا تخرب فوق رؤوسهن؛ لذلك المرأة الثانية عندما تدرجت في العطاء، ظهر الفرق بين الحق العادي والعطاء، ومَن أمامها شعر أنه بذل مجهوداً حتى "يخطب ودّها" كما يقولون…
"The only difference is the amount of time and effort he had to invest, first. He didn't get it all right up front so he appreciated it more".
(نفس التصرف، لكن الفرق هو الوقت والجهد الذي استثمره الرجل الأول، وأنه لم يصل إلى ما وصل إليه بجهد بسيط فقدّرها وشعر بقيمتها أكثر).
3- "أبو بلاش كتّر منه"… الناس عموماً عندما يتعاملون مع بعض على أنهم أرنب بطاريات "الإنرجايزر"… فإلى متى سنظل نضيء؟
كيف سيصلون إلى نهايتنا؟ لذلك طالما أنت تُشعر من أمامك وتعطيه شعور الأمان أنك لا تستطيع الاستغناء، سيؤذيك ويُهملك وهو مطمئن!
"If you let him know from day one that you are willing to bend over backward, he'd want to see just how far you'd be willing to bend! It is human nature!"
(كذلك لو شعر الشخص الذي تتعامل معه أنك ستضحي بكل ما تستطيع حتى تُرضيه، فإن أول تصرّف منه هو أن يعرف أين هي نهايتك هذه، هي الطبيعة البشرية).
العامل المشترك في الثلاث نقاط التي ذكرتها أن الإنسان يحتاج إلى أن "يحترم نفسه"، يحترمها ويحبها ويقدرها…
احترم نفسك بأن تستغني عن العلاقات التي تؤذيك مهما كانت أهميتها… احترمها بأن تعرف كيف تُقدر نفسك بشكل حقيقي؛ لأنك طالما لم تُقدر وتشعر بقيمة بنفسك فلن يُقدرك أحد… احترم نفسك بألا تكون الطرف الذي يحرق نفسه دائماً من أجل الآخرين… احترمها بأن تعرف العطاء كيف ومتى يكون ومع مَن؟!… احترمها بأن تصدّق أنها تستحق أن تُحبها بدون أي رسوم مقدمة!
"If you want to be respected, place a high value of yourself".
(لو أردت احترام الناس لك، فاجعل لنفسك قيمة عالية).
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.