تعلَّموا الحقيقة من الأطفال ومن الطبيعة، فالأطفال هم المعلمون الروحيون الأوائل، بالنسبة لي، بعد الشجرة.
هم أحباب الله على الأرض، لم يكونوا يوماً أحبابه فقط، بل رسل الله وأحبَّاؤنا جميعاً.
عندما أسأل نفسي عما يمكن أن يعلمنا إياه طفل صغير، تجربتُه لا تتعدى عمره في الحياة، أجد أنه يستطيع تعليمنا كثيراً مما فقدناه بسبب تجربة الحياة نفسها التي يفتقدها.
لم أُصبح أُماً بعدُ، لكن أكثر الإجابات التي أعرفها أن أطفالنا رسل، يعلموننا قيماً روحية عميقة على بساطتها، فهم يعيشون الحياة كما خُلقت لتُعاش حتى وإن لم يكونوا يدركون ذلك. لا حُجُب، لا صدمات إلا بعد سن معينة، ولا تعلُّق! أشدد على مفهوم عدم تعلُّق الأطفال بما هو مادي أو ثانوي في الحياة.
يمكننا بسهولة أن نعرف تلك القيم التي نشاهدها عند الأطفال، بمجرد مراقبتهم.. العفوية والبراءة؛ الحب والتسامح، عيش اللحظة؛ الفكاهة والتلقائية، الإبداع والخلق. كل تلك السمات رسائل روحية مهمة لإعادة الاتصال بالروح والجسد.. ونكون محظوظين إن تخطّينا مرحلة المراقبة وامتصصنا الشعور بتلك القيم وعشناها معهم فقط، لأن الشعور بتلك القيم مفيد للصحة العقلية والنفسية والعاطفية، لأنه يعيد اتصالنا بشكل لا إرادي بعالمنا الداخلي، البعض يسميه طفلنا الداخلي، فنتفاعل تماماً مع العالم الخارجي كما يتفاعل طفلٌ يمتلك فقط حجماً كبيراً!
إن أنشطة التلوين مع الأطفال، ومراقبة الفراشات والتقاطها، والركض خلف كرة، والمبالغة في رد فعلنا إن ربحنا أو خسرنا، هي على بساطتها، تعيد تفريغ وتشكيل شيء ما بداخلنا، حقيقي لا يمكن إنكاره وإن لم ندركه بالعلم والكمّ.
كل تلك القيم على أهميتها، أعتبرها ثانوية.
أبرز ما يعلمني إياه الأطفال الإيمان، الإيمان بالذات والفكرة.
الأطفال كائنات مؤمنة بالفطرة، مؤمنون جداً، يؤمنون بالعالم، بأنفسهم، بخيالهم، يؤمنون بما يرونه في العالم الخارجي، ويؤمنون بما يتصوّرونه في داخلهم عن هذا العالم.. ويؤمنون بفكرتهم، وبتخلِّيهم عنها إن لم تخدمهم، يؤمنون بمكانهم، والأهم من هذا أنهم واثقون بأنه ليس بإمكان شيء أن يسلبهم إياه، إذاً هم مؤمنون، واثقون، وثابتون.
يتجسّد إيمان الأطفال تلقائياً، لأنهم لا يملكون هواجس تُشكِّكهم فيما يريدون، لا يملكون هواجس ضد الإيمان نفسه.
أينما وجدتم طفلاً التصِقوا به، حتى لو كنا لا نستطيع أو لا نملك الوقت للانخراط في عالَمهم.. راقِبهم، باركِهم، أو أقله لا تقصص أجنحة الملائكية فيهم، هل يمكننا تخيُّل فكرة أن يرسل الله إلينا ملائكة فنطاردهم لقصِّ أجنحتهم؟! حتى أولئك الأكثر شقاء، عالَمهم لا تغيب عنه قيم رائعة أبسطها الخيال، وهم قادرون على ترتيب كثير من الفوضى داخلنا، فقط راقِب بوعيٍ، بفهم، أو بدهشة.
أذكر مقولة لكاتب سوري يقول ما معناه إن أبرز طموحاته أن يكبر ويصل إلى مرتبة طفل!
إيمان الأطفال يعلّمني، ويعيد إليَّ إيماني..
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.