الذين عاشوا في الوهم

عدد القراءات
3,121
عربي بوست
تم النشر: 2019/04/30 الساعة 16:28 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/04/30 الساعة 16:28 بتوقيت غرينتش
"الأمل شيء خطير، الأمل قد يقود الإنسان إلى الجنون "

شيء ما يلوح في الأفق يخبرنا بأن حياتنا ستتبدل، كل تلك الطرق التي سعينا فيها يوماً وأُغلقت علينا  ستُمهّد، كل تلك الأبواب الموصدة التي طالما طرقناها بحثاً عن أمل أو رغبة في حلم جديد ستفتح تلقائياً تطلب الدخول وتُنبئ بوصول

معجزة من السماء، حدث عظيم، شيخٌ بلباس غريب يمر على الديار تتغير حياتنا بحكمته، أو ربما حلمٌ في إحدى ليالي الشتاء الباردة يأتيني فتتغير له حياتي، وأعرف معه بُغيتي.

طاقة هائلة وقوة غير متناهية تهبط علّي حين أقف أمام مرآتي أحدثها بصوتٍ عالٍ: أنا أستطيع، أنا أثق في نفسي ومكامن روحي وفي مستقبلي، لن يوقفني شيء مهما كانت قوته ومهما علت سطوته، سأقود العالم يوماً وأوصله لبر الأمان، أنا أستطيع أن أكون الشيء الذي حلمت به، أن أكون الرجل الذي طالما تمنيت وطالما رغبت أن أكونه، يكفي أن أنتظر المعجزة  أو أنتظر الطاقة

تمر سنوات وسنوات وننتظر المعجزة ونأمل الشيخ ونرجو الحدث ويضيع الصوت من الصراخ  لكن شيئاً لم يتغير، كل تلك الأماني التي طالما رجوناها وحلمنا بها تضيع أمام الأعين وكل تلك الكلمات التي خُدعنا بها ما زال أثر منها يعلق في القلب أملاً فيها.

أكذوبة تلي أكذوبة ويوم يلي يوماً وعمر تتساقط أغصانه وما زالت الأماني تتراقص على سقف الغرفة، وحلمٌ يسقط ويصعد للسقف بديله وخدعة تلي خدعة، وما زال الواحد منا ينتظر.

تدري ما المشكلة ؟ أننا صدقنا الوهم وعشنا فيه وتعايشنا معه  وتراقصنا مع أمانيه في أحيان كثيرة، سِرنا وراء الأكاذيب وسعينا وراء اللاشيء، أو قل لم نسع من الأساس بل غدا الواحد منا كل يومٍ يأمل في يوم غيره وينتظر أن تُفتح له السماوات، وكأن الكون كله خُلق لأجله.

هذا الغرور المتناهي ونحن نرى نُظماً تتساقط وحكومات لم نألف وجوهاً غيرها بين ليلة وضحاها يتبدل كل شيء، يثور الناس ويسقط الديكتاتور وتتغير الأوجه ، وتتبدل الأماكن فنرى الصارخ في وجه النظام طوال عمره رأساً لنظام جديد ونرى رؤوس نظام قديم يتحسسون أماكنهم في السجون، أحداث جليلة كثيرة وأشياء لم نكن يوماً نتوقعها تحدث هكذا، وكأنها معجزات سماوية طالما قرأنا عنها في التاريخ قديمه وحديثه.

كل تلك الأيام التي عايشناها في سنوات قليلة وكل تلك الأحداث التي رأيناها بأم أعيننا قادتنا إلى السماء، إلى حيث نرى ما نستحقه ونأمل فيه، فكثرت الطموحات وزادت الندوات عن النفس البشرية ومكنونها وسرها وكيفية تشجيعها فسرنا في غفلة الغافلين وطريق التائهين نتحسس الأرض تحت أرجلنا سعياً وأملاً وحباً وفرحاً.

لم نكن بالخبرة الكافية لندرك أن الطريق طويل عسير، وأن التاريخ الذي طالما قرأناه لم يكن مجرد صفحات سطرها أحدهم تسلية وقصصاً من وحي الخيال، وإنما كفاح سنين ونتاج ليالٍ طويلة من البحث والجهد والمشقة، فزُلزت الأرض من تحتنا لقلة خبرتنا واستغل الكِبار سذاجتنا وأُودعنا بين سجنٍ حقيقي وآخر بين أنفسنا.

"الأمل شيء خطير، الأمل قد يقود الإنسان إلى الجنون" قالها مورغان فريمان في أحد أفلامه ورددناها وراءه ولم نكن ندرك ما يقصده، أي أمل هذا الذي قد يقود الواحد منا إلى الجنون؟ وأي حلم هذا الذي قد يدفع الواحد لليأس والانتحار؟ وأي طريق نسعى به وراء أمنية.. قد يكون طريق موتنا ونحن لا ندري؟

أمل العاجز، وحلم الكسلان، ورغبة الضائع وسبيل الحائر، آمال لم تُبنَ على علم ولم تحظ بكونها آمالاً واقعية، بل هي رغبات مدفونة لا ترقى لأكثر من هذا، ندفنها ونجري ونحيا ويدور كل واحد منا دورة حياته المفصلة له تفصيلاً، ثم نعود نسأل عن هذا الأمل وأين ذهب ومتى وكيف؟.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
أحمد عشري
مدون و كاتب مصري
مدون في عدد من المواقع العربية منها: مدونات الجزيرة وساسة بوست وهافينغتون بوست عربي سابقاً، متابع للشأن العام وخاصة السياسي وأرى أن الوعي هو السلاح الوحيد الذي نمتلكه لتحقيق طموحاتنا وأحلامنا
تحميل المزيد