هل الإبداع صفة مُكتسبة أم موهبة تولد مع صاحبها؟

عدد القراءات
873
عربي بوست
تم النشر: 2019/04/29 الساعة 13:17 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/04/29 الساعة 13:17 بتوقيت غرينتش
Creative thinking ideas brain innovation concept. Light bulb on yellow background

لطالما كان الإبداع حلاً للمشاكل البشرية منذ الأزل، إذ إن الإنسان الأول ما كان ليستمر لو لم يلبِّ حاجاته الملحة والتي اضطرته إلى البحث على سبل للعيش كان للإبداع حصة عظيمة فيها، وللمتمعن في تاريخ الحضارات المختلفة دليل على هذا الكلام، فالهيروغليفية بحد ذاتها كانت توليفة مبدعة للرموز لتحكي حكاية الفراعنة وحضارتهم العظيمة، كذلك النقوش والرسوم والتماثيل والمباني في مختلف الحضارات الأخرى عبر المكان والزمان كبقايا القصور العظيمة للإمبراطورية الرومانية في كل العالم وطريقة هندستها وعظمة تشييدها، وبقايا حضارة بابل في العراق، ألغاز الإنكا والمايا في أمريكا اللاتينية كلها إن دلَّت عن شيء فهي تدلُّنا إلى إلقاء الضوء على العقل البشري وإبداعاته التي جعلت من العديد من الأسماء حتى في عصرنا الحاضر تضيء لتصبح منابر إبداعية يمتثل بها.

التطور التاريخي لمفهوم الإبداع

يذكر تاريخ التطور الاجتماعي أن الإنسان بادئ الأمر، بدأ باكتساب ميول نحو امتلاك بعض الأصول، ومن ثم تطورت رغبته في امتلاك المزيد، ورغبته في امتلاك ما يجعل حياته أكثر سهولة، وحين أصبحت تلك الرغبات قوية إلى درجة كبيرة، تحولت إلى الشعور بالحاجة، وكما يقول المثل القديم "الحاجة أم الاختراع"، في حين كانت المعرفة في الماضي تخصُّ فئة قليلة من البشر فقط. ومع التطور التاريخي زاد الاهتمام بالمعرفة وصولاً إلى العصر الحالي الذي أصبح يُعرف بعصر المعرفة، حيث يتشارك الجميع فيها على نطاق واسع، فالإبداع أصبح ينجم عن اكتشافات فردية وجماعية بمعدل سريع التزايد، وتظهر الدراسات أن الإبداع يقوم أساساً على كل من المعرفة السابقة والتجريب الدؤوب، ويتطور من خلال عملية مخططة، إذ إنه منظومة يمكن التنبؤ بها فضلاً عن كونه عملية عشوائية قد تؤدي إلى نتائج مجهولة.

ويعرف الإبداع في اللغة العربية بأنه مصدر الفعل أبدع بمعنى اخترع أو ابتكر على غير مثال سابق، ويعرفه Hervé et al 2004 أيضاً بأنه "تقديم شيء جديد ليحل محل شيء قديم في مجال ما"، وجاء في الموسوعة الفلسفية تعريف الإبداع على أنه إنتاج شيء جديد أو صياغة عناصر موجودة بصورة جديدة في أحد المجالات كالعلوم والفنون والآداب، أما الموسوعة البريطانية الجديدة فتعرف الإبداع على أنه القدرة على إيجاد شيء جديد كحل لمشكلة ما أو أداة جديدة أو أثر فني أو أسلوب جديد (جروان، 2002).

وينسب مصطلح الإبداع إلى النمساوي Joseph Schumpeter منذ 1912 الذي يعد المنظر الأول للإبداع، حيث يعرفه بأنه: "النتيجة الناجمة من إنشاء طريقة أو أسلوب جديد في الإنتاج، وكذا التغيير في جميع مكونات المنتج أو كيفية تصميمه".

العلاقة بين الإبداع ومفاهيم أخرى

  علاقة الإبداع بالموهبة

الموهبة هي قدرة خاصة تجعل الإنسان يتقن عمله في مجال ما بكل سهولة. حيث إن الاختلاف بين مصطلحي الإبداع والموهبة يكمن في كون الإبداع مقدرة عامة مستقلة ضمن عدة مجالات للموهبة وليس مكوناً من مكونات الموهبة، وأن المكون الرئيسي للإبداع بيئي، بينما المكون الرئيسي للموهبة وراثي، فالموهبة طاقة كامنة ونشاط، وعملية الإبداع قد تكون نتاجاً لهذا النشاط وتلك الطاقة. إذا فالإبداع ينطوي على وجود موهبة وليس العكس، فالمبدع لا بد أن يكون موهوباً وليس كل موهوب مبدع (أبوجامع، 2008).

  علاقة الإبداع بالذكاء

الذكاء هو سرعة الفهم وحدته، فهناك اختلاف بين مفهومي الذكاء والإبداع، فالذكاء مقدرات عقلية متعددة تتفاوت من فرد لآخر، بخلاف الإبداع الذي يعد سلوكاً يمكن أن يتبناه الفرد أم لا، حيث أجمع الكُتّاب والباحثون على أنه ليس بالضرورة أن يكون الفرد الذي يتمتع بالذكاء مبدعاً، أو أن يكون الفرد المبدع متمتعاً بالذكاء (أبو جامع، 2008).

يعود الفضل للباحث جيلفورد  Guilford 1950 في الخروج على النظرية التقليدية للذكاء ومساواته بالإبداع، وتقديم نظريته في التكوين العقلي والتفريق بين التفكير المتقارب (التجميعي) الذي تقيسه اختبارات الذكاء وبين التفكير المتباعد أو المتشعب الذي تقيسه اختبارات الإبداع التي وضعها، حيث عرف جيلفورد الإبداع بأنه: "سمات استعدادية تضم الطلاقة في التفكير والمرونة والأصالة والحساسية للمشكلات وإعادة تعريف المشكلة وإيضاحها بالتفصيلات أو بالإسهاب".

وفي دراسة Dearborn كشف عن تقارير شخصية لعدد من أفراد عينته فائقة الذكاء إلا أنها تفتقر تماماً للإبداع، كما أعاد كولفين وماير التجربة نفسها مرة أخرى وأكدا أنه لا يوجد أي ارتباط بين القدرات المنطقية وبين التخيل وقد وجدت لورا كاسل Laura Chassal في دراسة لها أن الارتباط ضعيف للغاية بين اختبارات الذكاء وبين الاختبارات التي تقيس الاستجابات غير المعتادة، والاستجابات التي تتميز بالأصالة، وقد توصلت بعض الدراسات إلى نتائج مماثلة، ومنها دراسة Welch الذي أجرى بحثه على عينة مكونة من 48 طالباً من طلبة الكليات وكان المطلوب من المفحوصين إعادة تكوين أفكار تتميز بالجدية والأصالة، ثم حسب الارتباط بين درجة الأصالة والذكاء وكان الارتباط ضعيفاً.

وقد ذكر أندرسون Anderson أنه قد يكون هناك ارتباط بين الإبداع والذكاء عند حد معين للذكاء، لكننا حالما نصل إلى نقطة حرجة في مستوى الذكاء فإننا نجد أن المتغيرين يتباعدان.

علاقة الإبداع بالابتكار

تباينت وجهات النظر لدى الباحثين حول علاقة الإبداع Creativity بالابتكار Innovation، فمنهم من ميّز بين مفهوم الإبداع والابتكار ومنهم من اعتبرها مفاهيم مترادفة.

حيث ذكر (القريوتي) أن مفاهيم الإبداع والابتكار تستعمل كمترادفات وتعني جميعاً الإتيان بشيء جديد غير مألوف، حيث اعتبر أنهما يشيران إلى الشيء ذاته، ويؤيد كذلك السويدان والعدلوني  (2009) أن الابتكار له نفس معنى الإبداع.

ومنهم من يرى أن هناك علاقة تربط بين المفهومين، حيث إن الإبداع يتناول الجانب النظري والابتكار الجانب التطبيقي، فيرى (Cumming) بأن الإبداع يأتي بأشياء جديدة لم تكن موجودة من قبل، بينما الابتكار هو الذي يعمل على قولبة أو تشكيل تلك الأشياء لتصبح ملموسة كالسلع والخدمات وغيرها (الخصاونة، 2011).

يمكننا القول إن الإبداع يتعلق بتوليد الأفكار وتأليفها، بينما الابتكار يتعلق بتطبيق هذه الأفكار وتحويلها إلى واقع عملي ملموس، حيث يعتبران كمرحلتين متعاقبتين.

علاقة الإبداع بالبحث والتطوير

يقول أوكيل (1992) إن البحث والتطوير هو عبارة عن كل المجهودات المتضمنة تحويل المعارف المصادق عليها إلى حلول فنية، في صورة أساليب أو طرق إنتاج ومنتجات مادية واستهلاكية أو استثمارية، تباشر مثل هذه النشاطات إما في مخابر الجامعات أو مراكز البحث التطبيقي أو في المؤسسات الصناعية دون اعتبار خاص لحجمها.

الإبداع يعتبر ثمرة البحث والتطوير، وهذا الأخير مفهومه أوسع وليس بالضرورة أن يؤدي إلى الإبداع، أو بمعنى آخر يعتبر الإبداع هدفاً من أهدافه، فالبحث والتطوير يؤدي إلى إيجاد معرفة جديدة تشكل إبداعاً، لذلك فالدراسات التي يقوم بها الباحثون في المؤسسات تعتمد على البحث والتطوير الذي يعتبر أحد المعايير المعبرة عن الإبداع والتي تسمح ببناء الميزة التنافسية لدى الأفراد والمؤسسات والمجتمعات والدول.

بالنظر إلى المفاهيم السابقة يتضح أن هناك علاقة قوية بين الإبداع والابتكار، كما يتضح أن هناك اختلافاً بين مصطلحي الإبداع والموهبة والذكاء وأن هناك علاقة تربط الإبداع بالبحث والتطوير تجعل منه هدفاً لهذا الأخير.

إن الإبداع من أكثر المجالات البحثية التي تستقطب اهتمام الأكاديميين والممارسين على حد سواء، باعتباره مطلباً أساسياً من متطلبات مواكبة التغيير والنجاح سواء كان ذلك على مستوى الأفراد أو المنظمات أو الدولة. يختلف مفهوم الإبداع باختلاف وجهات النظر وباختلاف المداخل التي ينظر منها إلى الإبداع، فمنهم من ينظر له على أنه يرتكز على الإنتاج الإبداعي وحل المشاكل وتبني التغيير، ومنهم من يعتبره عملية ينتج عنها شيء ثوري، ومنهم من ركز على السمات والصفات التي تتميز بها شخصيات المبدعين، لكن حقيقة الإبداع هو كل ما سبق فهو أحد أهم السلوكيات البشرية التي يحركها دافع تحقيق الذات والذي ينبثق في كافة مجالات الحياة، فالإبداع يتطلب القدرة على الإحساس بوجود مشكلة تتطلب المعالجة ومن ثم القدرة على التفكير بشكل مختلف، وأصلي، وثوري ومن ثم إيجاد الحل المناسب.

يمكن للمؤسسات أن تلعب دوراً كبيراً في تشجيع الإبداع لدى الأفراد العاملين فيها أو في المجتمع ككل، وقد تكون هي المعيق لتحقيق ذلك الإبداع، من خلال وجود الأنظمة والإجراءات المحددة تحديداً دقيقاً وإلزام العاملين على إتباع تلك الإجراءات وتنفيذ الأعمال بطريقة معينة. لذا يجب إلقاء الضوء من طرف الهيئات الإدارية على معوقات الإبداع ومحاولة التخلص منها، وكذا اعتماد أساليب تنمية الإبداع الأكثر إجداءً من خلال إيجاد المناخ النفسي والعلمي الملائم والمشجع للإبداع، وتوفير البيئة المثالية لذلك.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
أحمد سالمي
مهتم بكرة القدم وريادة الأعمال
تحميل المزيد