مسلسل «سمرقند».. عندما تروي الدراما علاقة الإنسان العربي بالدين

عدد القراءات
850
عربي بوست
تم النشر: 2019/04/28 الساعة 14:14 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/05/12 الساعة 13:13 بتوقيت غرينتش
المسلسل استطاع الجمعَ بين محاور مختلفة لجذب المشاهد، أهمها منافسة المسلسلات التركية، ولكن بنكهةٍ عربية.

هل يمكن تقديم مسلسل تاريخي يناقش الفلسفة اليونانية وعلاقة الإنسان بالله، بل وتدور فكرته حول حكم دولة إسلامية غير عربية للعالم العربي، ويحظى بالقبول من الجمهور والنقاد في آنٍ واحد؟ تبدو الإجابة: بالطبع لا.

ولكن يعد مسلسل "سمرقند" خارج هذا السياق، فالمسلسل استطاع الجمعَ بين محاور مختلفة لجذب المشاهد، أهمها منافسة المسلسلات التركية، ولكن بنكهةٍ عربية.

المسلسل الذي يُعد إسقاطاً على ما يحدث في العالم العربي الآن، ولكن بشكل تاريخي، يُقدِّم الجانب الرومانسي في قصص العشق بين أبطاله، والجانب السياسي في دهاء الملوك وسياساتهم وحروبهم، والجانب الفلسفي في علاقة الإنسان بالله، والجانب الإنساني والأدبي في الشعر والغناء والمناقشات التي تتم حول معنى الحياة، كل ذلك في شكلٍ تشويقي في أحداث لأول مرة يتم تجسيدها على الشاشة، بعد أن كانت حبيسة الكُتب.

يدور المسلسل -الذي حصل على المركز السابع ضمن أفضل مسلسلات رمضان عام 2016 بحسب جمعية نقاد الإذاعة والتلفزيون في مصر- في القرن الحادي عشر الميلادي، في الوقت الذي كانت فيه الدولة الإسلامية تعاني ضعفاً كبيراً تحت قيادة الحكم العباسي، ولكن المسلسل لا يدور بشكل تقليدي، فلا يقدم تاريخ الدولة الإسلامية، بل تاريخ الدولة "السلجوقية" (مقرها تركيا وإيران حالياً) التي سيطرت على العالم الإسلامي في ذلك الوقت، من خلال أشهر ملوكها "ملك شاه"، والصراع بينه وبين العرب، خصوصاً أن ملك شاه كان يدين بالإسلام.

ميزة المسلسل أنه يعد محاولة لتقديم نموذج كالمسلسل التركي "حريم السلطان" الذي حظي بإعجاب الكثير من المشاهدين العرب، ولكن بنكهة عربية، وبقصة مأخوذة من التاريخ الإسلامي، وفي ذلك ردٌّ على أنه لا يوجد لدى العرب ما يمكن تقديمه مثل ما قدم الأتراك في مجال التاريخ والفن، وبالفعل ينجح المخرج "إياد الخزوز" في ذلك من خلال الأغاني والرقصات، بل ومشاهد الطبيعة المفتوحة، بعيداً عن الدراما العربية والمصرية، التي حصرت مشاهدها بين مشاهد الأكشن والإثارة.

أما الميزة الأخرى فهي وجود فنانين من مختلف الدول العربية، فالمخرج والمؤلف أردنيان، أما بقية الأبطال فهم يتوزعون ما بين تونس، والمغرب، ولبنان، وسوريا، والأردن، وكلهم حاولوا تقديم شيء مختلف للمشاهد العربي.

يَظهر تفرُّد المسلسل في أنه ولأول مرةٍ منذ فترة طويلة تعرض المناقشات الفلسفية بين أرسطو وأفلاطون بشكل صريح، من خلال حسن الصباح وعمر الخيام.

فتبدو أهم شخصيات المسلسل من خلال حسن الصباح، وهو زعيم طائفة الإسماعيلية النزارية، المعروفة بـ "الحشاشين"، والشاعر العربي المعروف عمر الخيام، وهما يمثلان ثنائية لَطالما وُجدت في التاريخ العربي، وهي ثنائية: الثورة من خلال الفكر، أو الثورة من خلال السيف، من خلال الحوارات الفكرية بين عمر الخيام وحسن الصباح، وتبدو حجة عمر ضعيفة، ولكنه لا يعلم أن التاريخ سوف يخلده بفنه وعلمه، بينما حسن الصباح لن يذكره التاريخ سوى بالقتل والدماء.

أما بقية شخصيات المسلسل فلا رابط يجمعها سوى الخادمة "نيرمين"، التي تقرر الهرب من سوق النخاسة، وهي التي يبدأ بها المسلسل في أولى حلقاته، وبها أيضاً ينتهي، لتبدو دموعها وكأنها رمز على انهيار إحدى الممالك الإسلامية الكبرى، التي استطاعت أن تصدَّ أوروبا لسنوات عن احتلال الدول العربية.

وكما ظهرت السياسة تظهر قصص العشق، وعلى غرار قيس وليلى، تبدو قصة عمر الخيام والوصيفة نيرمين، ولكنها قصة مختلفة، ففي النهاية يقرر "الخيام" هجر "نيرمين"، والسبب هو أنها لم تؤمن بقضية السلام كما آمن بها هو في لحظات.

كما لم يغفل المسلسل دورَ المرأة، فعمل على إظهارها بقوة، في حجم موازٍ للرجل؛ بل أحياناً أكثر، فهي المسؤولة عن تحريك الأحداث، سواء في الملكة الساعية للسلطة، أو في الجارية التي تربطها صلات بكل الشخصيات في مدينة سمرقند.

في النهاية يبقى الوصف الأمثل لمسلسل "سمرقند" بـ "غير العادي"، فهو يتسلَّل إلى ثنايا الروح ببساطة، سواء من خلال جمال الموسيقى أو الحبكة أو مشاهد الطبيعة الساحرة أو أداء الممثلين، أو أكثر من ذلك في حوارات "عمر الخيام" الإنسانية مع الله، التي تبدو وكأنها أسئلة أي أنسان خلقه الله على مرِّ الزمان والمكان، عربياً كان أو غير عربي.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

إنجي الطوخي
صحفية مصرية
كاتبة صحفية، تعمل حالياً بجريدة الوطن المصرية، وسابقاً في الشروق المصرية، حاصلة على بكالوريوس الإعلام من جامعة القاهرة. درست في الجامعة اللبنانية الأمريكية (دراسات إعلامية)، حصلت على العديد من الدورات التدريبية في رويترز، ومعهد جوته الألماني، والجامعة الأمريكية بالقاهرة. عملت في مؤسسة سمير قصير لحرية الصحافة خلال عام 2015، متخصصة في كتابة القصص الإنسانية، أؤمن بأن لبعض الكلمات تأثيراً يفوق الرصاص.
تحميل المزيد