لماذا قادت النساء الانتفاضة في السودان؟

عدد القراءات
5,034
تم النشر: 2019/04/13 الساعة 13:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/04/13 الساعة 13:55 بتوقيت غرينتش
تعرضت النساء السودانيات لقمع شرس في ظل حكومة البشير

هيمنت النساء على الاحتجاجات التي أدت إلى الإطاحة بالرئيس السوداني عمر البشير. يوماً بعد يوم في شوارع الخرطوم، أصبحت النساء يشكلن ما يصل إلى ثلثي منَ يخرجون في الاحتجاجات. أصبحت صور النساء -الغاضبات والجريئات والمحتفلات الآن– بمثابة شعارات للانتفاضة.

لقد شاركت شرائح ومجموعات مختلفة من المجتمع السوداني في الاحتجاجات وما زالت تتظاهر بدافع القلق من أن الانقلاب العسكري الذي وقع يوم الخميس 11 أبريل/نيسان 2019 لن يسفر عن الحرية أو العدالة أو السلام التي يسعى إليه المحتجون. شارك أشخاص من مختلف الخلفيات السياسية والعرقية والدينية والاجتماعية في الاحتجاجات، وتوجت الاحتجاجات باعتصام تاريخي أمام مقر القوات المسلحة السودانية. لكن النساء شغلن -دائماً- مواقع الصدارة في الاحتجاجات.

هناك سبب شامل ينبع من دور المرأة في المجتمع السوداني. لكن هناك أسباباً خاصة أيضاً: القمع الشرس الذي تعرضت له النساء في ظل حكومة البشير، وكذلك المصاعب التي شعرن بها مع تدهور الاقتصاد.

طوال تاريخ السودان، لعبت المرأة دوراً رئيسياً في المجتمع. في الممالك النوبية السودانية القديمة، كانت النساء ملكات وأمّهات، ويشار إليهن باسم "كنداكة"، أو النساء القويّات. في منطقة دارفور، وفي غرب السودان على نطاق أوسع، لعبت النساء اللواتي يكتبن قصائد لدعم الفضائل والسمات مثل الشجاعة في أوقات الحرب والسخاء في أوقات السلم أدواراً اجتماعية وسياسية هامة. ساعد هذا التقليد في إعطاء القوة للقادة الذين يقودون الانتفاضة الحالية وإلهامهم.

لكن ربما يكون الدافع الأقوى هو القمع الذي تعرضت له النساء، وخاصة الشابات في الخرطوم وغيرها من المدن الكبرى، في ظل حكومة البشير. بموجب أحكام قانون النظام العام (الذي جرى إقراره في عام 1992 وتعديله في عام 1996)، جرى القبض على النساء واحتجازهن وضربهن وسجنهن بسبب ارتدائهن ما يُرى أنه ملابس غير لائقة، مثل البنطلون أو التنانير القصيرة، أو خروجهن مع أصدقاء رجال، أو عدم تغطية شعرهن في الأماكن العامة. ووقعت النساء من المجتمعات الفقيرة ضحية لهذا القانون على وجه الخصوص، حيث يعملن كبائعات للشاي والطعام. فبعد فرارهن من مناطق النزاع، أصبحن أضعف، ونادراً ما يمكنهن دفع الكفالة عند القبض عليهن. وعلى عكس النساء من المجتمعات الغنية، لم تسلط وسائل الإعلام المحلية أو الدولية الضوء على النساء الفقيرات في الاحتجاجات.

في مناطق النزاع خارج الخرطوم، كان قمع حكومة البشير ضد النساء أشد، حيث إن معظم انتهاكات حقوق الإنسان في هذه المناطق ارتكبت ضد النساء وأطفالهن. لقد تعرضت النساء للعنف الجنسي على أيدي القوات الحكومية أو الميليشيات التي تدعمها الحكومة. لقد طُردن من ديارهن ويعشن الآن في ظروف بائسة في مخيمات النازحين داخلياً في دارفور وأماكن أخرى. ولهذا السبب انضم النازحون، ومعظمهم من النساء، إلى المظاهرات لدعم الانتفاضة.

أثناء مشاركتهن في الاحتجاجات، جرى استهداف النساء بشكل خاص من قبل قوات الأمن والميليشيات التابعة لحزب المؤتمر الوطني الحاكم. كانت مشاركة المرأة بحد ذاتها إهانة للقوات الموالية للبشير، وربما جرى تصميم إجراء صارم لإجبار عائلات النساء على الإصرار على بقائهن في المنزل. لكن بدلاً من قبول الإذعان لقوات البشير الأمنية، أصبحت النساء أكثر تحدياً وعزماً على الاستمرار.

قد تدفع المصاعب الاقتصادية النساء إلى لعب دور قيادي في الاحتجاجات لأنهن يتحملن معظم العبء في الحفاظ على الموارد المالية اليومية لعائلاتهن. كما أنهن يعرفن أن الاقتصاد يتعثر تحت وطأة الفساد والمحسوبيات. وسواء بقين في المنزل لرعاية أطفالهن أو ساهمن في الدعم المالي لعائلاتهن، تشعر النساء يومياً، أكثر من الرجال، بمدى صعوبة الحياة في ظل تلك الظروف.

ويمكن لأبنائهن وإخوانهن وأزواجهن مغادرة البلاد للعمل في الخارج؛ والكثير منهم يفعلون ذلك، لأن فرص العمل قليلة في السودان، ومعظم الوظائف تذهب إلى مؤيدي حزب المؤتمر الوطني أو أولئك الذين لديهم أقارب في مناصب قوية في الحكومة. ولكن مع بقاء النساء لرعاية أسرهن، تطور لديهن شعوراً قوياً بالالتزام بتحدي الحكومة التي تسببت في معاناتهن.

إن النساء السودانيات، اللواتي يتحلين بالشجاعة والعزم للمشاركة في الاحتجاجات بأعداد كبيرة، ما زلن في الواقع يضطلعن بأدوار لعبنها تاريخياً في مجتمعاتهن وبلدهن. لقد منحتهم حكومة البشير دوافع إضافية للتوجه إلى الشوارع، ولقيامهن بذلك، عانين من وحشية حكومة البشير. بينما يواصل المحتجون اعتصامهم أمام مقر قيادة الجيش، مطالبين بنقل السلطة إلى حكومة مدنية، ربما تواجه النساء حملة قمعية عنيفة. لكن هناك امرأة، تدعى وفاق القرشي، أخبرت شبكة  BBC عن التعذيب والمعاملة السيئة التي تعرضت لها هي وسيدات أخريات وقالت: "نحن نعرف لماذا خرجنا إلى الشوارع. لن يمنعنا أي شيء سيئ يمكن أن يحدث لنا عن المضي قُدُماً في ما نفعله".

– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Washington Post الأمريكية.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

نصر الدين عبد الباري
باحث دكتوراه في مركز الحقوق بجامعة جورج تاون
باحث دكتوراه في مركز الحقوق بجامعة جورج تاون، عمل محاضرًا في قسم القانون الدولي والمقارن بجامعة الخرطوم، وكذلك باحثًا في Stoffel وزميلًا في كلية الحقوق بجامعة هارفارد.
تحميل المزيد