مسلسل «أبو العروسة».. ماذا يجب أن تتعلم الأسر المصرية من عائلة عبدالحميد؟

عدد القراءات
968
عربي بوست
تم النشر: 2019/04/13 الساعة 06:40 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/04/13 الساعة 06:40 بتوقيت غرينتش
أصبح من النادر العثور على مسلسل هادف يناقش قضايا مجتمعية باحترام

أصبح من النادر العثور على مسلسل هادف ومحترم يناقش قضايا مجتمعية باحترام، ويكون التمثيل فيه غاية في الأدب والاحترام، ويحصل على مشاهدات عالية، لأنه يتحدث عن قيم بات المجتمع يفتقدها ومتعطشاً إليها.

* أسرة عبدالحميد أسرة بسيطة تتصرف بالفطرة الطيبة.. هم ليسوا تربويين يتعاملون مع أولادهم بدراسات من الكتب، بل بفطرتهم النقية الأقرب إلى الصواب، وتعامل به طيبة ورحمة.

* أسرة طبيعية جداً عندها قيم وليست أسرة مثالية.. فهم ليسوا بلا أخطاء، بل لهم ما لهم من مميزات وحسنات، وعليهم ما عليهم من ذنوب وأخطاء.. فأفراد تلك الأسرة بشر بالطبيعة البشرية، وليسوا بشراً بصفات ملائكية عندهم نزوات وهفوات، لكن الجميل في الموضوع هو أسلوب معالجتهم للمواقف.

* السيدة عايدة، زوجة عبدالحميد، سيدة ذكية في التعامل مع زوجها الذي يقدّرها جيداً ويعرف قيمتها، وذكية أيضاً في التعامل مع أولادها وتعلم مفاتيحهم جيداً.

* الأب عرف كيف يكسب أولاده ويصاحبهم، وعندما علم الأب أن ابنه "أكرم" يسير في طريق ملتوٍ وغير أخلاقي ويستخدم طرقاً ملتوية للحصول على أهدافه ويحسب مصالحه دون النظر إلى من حوله، رفض الأب هذا الأسلوب، ورفض أن يقبل منه هداياه لهم، وأعاد إليه مبلغ الأشياء التي أخذوها، لأنه لا يقبل ما جاء بطريق رشوة أو حرام، ورفض أن يكون ابنه في بيته بمثل هذه الأخلاق، وأمره أن يرى طريقه بعيداً عنهم إذا استمر في هذا الطريق. والأم بقلبها الرحيم قالت له رسالة ذهبية مفيدة وتركته يفكر، وكانت واثقة بأنه سيصل إلى الصواب حتى وإن طالت المدة، لأنها زرعت فيهم الخير، ولأنها تركت له باباً مفتوحاً للعودة إليها.

وقالت له: "الست اللي انت شغال معاها دي عاملة زي السرطان بعيد عنك، لو دخل جسم البني آدم ومأخدش باله هينهشه؛ علشان خبيث.. ومش هيسيبه إلا وهو ميت.. سرطان كده زي اللي عندي.. بس الحمد لله، ربنا قوَّاني وقطعته من جسمي.. فاهم كلامي يا أكرم.. خلي بالك من نفسك، وأنا قلتلك كل حاجة واعمل اللي انت عايزه.. بس أنا مش عايزه أشوفك إلا لما تخف".

* الأم والأب يتقبلان أولادهم على عِلّاتهم ويقفان بجانبهم ويساعدانهم ليتخطوا مشاكلهم بهدوء، ليس بالضرورة أن تُحَل المشكلة وقتياً، لكن يكفي الإحساس بالدعم، والإحساس بالآخر يقلل من وجع المشكلة. في بعض المشكلات، هناك أوقات يلجأون إلى الهدوء حتى يسكن الغضب، وتُرى المشكلة بحجمها الطبيعي لا بحجم مبالَغ فيه، وبذلك يأتي الحل الأصح.. التربية عندهم ليست باللوم والتقطيم والجَلد، بل تربية بالمصاحبة والدعم.

* العائلة لديهم ذات قيمة ووزن، ويؤكدون أن وجود العائلة في حياة الإنسان دعم.. فحينما يحدث خلل لأحد أفراد العائلة تجد بقية أفرادها يساندونه ويقفون في ظهره، ويسدّون ضعفه حتى يقوى من جديد ويقف على أرض صلبة.

* هم ليسوا ملائكة، هم بشر.. والمسلسل تناول مشاكل كثيرة موجودة في هذا الزمن بكل باحترام ورقي. فهناك مَن تعاطى، وهناك من أحب بصدق، وهناك لعب بمشاعر آخرين، وهناك من يحسب مصالحه دون أخلاقيات.. وهناك من تزوجوا ثم رأوا أنهم على غير وفاق وحصل بينهم طلاق، لكن ظل بينهم الاحترام وعدم الإهانة والشهامة في المواقف التي تظهر معدن الشخص.

* الأسرة ليست بالضرورة أن تكون في أحلى صورة أمام الجميع، فالأسرة بها عيوب، لكن الجميل في الموضوع أن أفرادها مترابطون، ومشاعر الود والرحمة موجودة فيما بينهم.

* على الرغم من أنهم أسرة بسيطة، فإن أهلهم زرعوا فيهم أن الغنى غنى النفس، ولذلك لديهم عزة نفس وكرامة، وهم فخورون بأنفسهم كما هم، وليس لديهم عقد نقص، ولا يرون أنفسهم بعيون المجتمع المادي الذي يقيّمهم بالمادية، بل يرون أنفسهم بعيون أبوَيهم.

*حينما يلجأ أحد إلى الطلاق لم يكن الحل من وجهة نظرهم هو استخدام أسلوب التلصيم، ولم تكن النصيحة بمزيد من التحمُّل أو بأن المجتمع سوف يقول عنكم كذا وكذا.. ولم يظل المجتمع يرمم في مشكلة لا تُحل من جذورها، من أجل الحفاظ على الصورة الخارجية التي تظهر للناس حتى تظل في عيون الآخرين مثالية من الخارج فقط، أما من بالداخل فيرى كيف هو حال البيت وكم هو مهزوز ولا ينصلح حاله.. لكنه قرر أن يعيش كذلك من أجل الناس فقط.

بالعكس كان أسلوب من هم خارج الموضوع النصيحة فقط، أما البقية فهذا قرار الطرفين.. وأحياناً يكون في الطلاق ميزة، حيث إنه يجعل الطرفين يقومان بمراجعة أنفسهما وهما في حالة بُعد بعضهما عن بعض، فيرون قصورهما ويقومان بالعمل عليه لو أحسَّا بأن أحدهما خسر الآخر في البُعد.

* ليس بالضرورة أن نكون مثاليين في كل المواقف، وليس بالضرورة دائماً أن نتحلى بالتسامح والعفو.. من حقنا ألا نسامح أحداً في حقوقنا إن شعرنا بأوجاع ولا نقدر على الصلح.. بعض الأوقات يكون الأنسب أن تأخد موقفاً قوياً ممن أوجعك، ولو أن هذا الطرف شعر بأن في خسارتنا خسارة له وأنه يريد وجودنا معه، فسيراجع نفسه وسيُصلح حتى يُعيد المفقود وتطيب النفوس.

* حينما أَحبَّ عبدالحميد أن يحتفل بيوم"عيد للعائلة" التي يقدّرها ويعلم مدى أهميتها ويريد أن يوصل إلى الناس مدى هذه الأهمية.. قرر أنه في هذا اليوم ستُمنع الهواتف المحمولة، لأنها تعيق التواصل الحقيقي الذي له حلاوته وجماله، ولأنها تجعل حياتنا مزيفة وتمنعنا من أن نعيش لحظات سعيدة بصدق، فقد أدخلتنا في عالم وهمي.

* الكل يعرف قيمة مَن حوله وقت الجد، ويعترف لهم بأفضالهم عليه.. وهذا الشيء يصنع فَرقاً مع أصحاب الفضل علينا حينما نخبرهم بأن لهم في حياتنا بصمة فارقة.. فهذا يجعلهم يشعرون بأنهم يريدون إعطاءنا المزيد.

* كل أسرة من الأُسر في المسلسل تعاملت مع الخيانة بطرق وردود فعل مختلفة، وكل واحد منهم رد فعله في موقفه وبشخصيته كان صحيحاً.. فلا نستطيع أن نعمم رد فعل واحداً عليهم كلهم ونقول إنه الأصح وأنه الأمثل، لأنه لا حل أمثل في كل موقف وإن تشابه واتفق له: "طرفان مختلفان عن الطرفين الآخرين في الموقف نفسه".. ولو عممنا الحل فإن النتائج تأتي مختلفة.. كل واحد له طريقته الخاصة، فليس بالشرط نصح الآخرين بأن يقوموا بحلولنا نفسها حينما تعرضنا للمشكلة نفسها.. كل واحد له حلٌ أفضل من الآخر.

* مَن زرع الطيبة في أولاده بالصغر، الأصل أنه لو تاه أحدهم أو ضاع في وسط الطريق أو داس بالطين فإنه سيرجع في وقت ما إلى ما زُرِع فيه، ويرجع ليصلح لنفسه الخلل الذي جعل بداخله عدم راحة إلى ما هو فيه، وسيعود إلى جذوره ليصلحها كما أفسدها، ويرممها لتعود قوية راسخة مرة أخرى، ليُعيد إلى نفسه التوازن المريح الذي فقده.. ما دامت النبتة في الأصل كانت طيبة ومسقيّة بحُب وحنان.

* وبالفعل، أكرم أفاق مما هو فيه، واعترف أمام جميع عائلته من غير مكابرة، بأنه كان على خطأ.. حينما شعر بعدم راحة واسترجع كلام والديه وشعر بأنه يريد أن يعود ويعالج جذوره حتى تعود صلبة كما زرعوها ورعوها له في الصغر.. وطلب من خطيبته التي كان يحبها وخسرها أن تسامحه، واعترف بأنه كان تائهاً.

لم يسمِّها أو يُبررها تحت مسمى "طيش وطبيعي"، بالعكس كان عنده الشجاعة في مواجهة ما فعله، واعترف بذنبه وهو يعلم أنه وهو متعرٍ أمام عائلته متغطي، لأنهم ستره ولأن أفراد عائلته يتقبل بعضهم بعضاً على علّاتهم، ويتمنون صلاح كل فرد فيها وسعادته.

* الأصدقاء الحقيقيون قد يتشاجرون وقد يتخاصمون، وقد يطول الخصام، لكنهم لا يخسر بعضهم بعضاً، وتجدهم وقت الأزمات.

* حين اجتمعت العائلة وكلٌّ منهم باح بما يجول داخله، واعترف بفضل أناس ممن هم حوله عليه، رغم ما آلت إليه الدنيا بينهم ورغم الحزن الذي جعلهم ينفصلون عن بعض.. هذه الحركة وهذه الكلمات الطيبة في مثل هذه المواقف لها أثر السحر، فبها تُهَد الأسوار القاسية التي بُنيت، وبها يذوب الجليد الذي عزل الناس بعضهم عن بعض.

* حين خان داود زوجته وفاء وانتشرت فضيحته على مواقع التواصل الاجتماعي، في بداية الأمر لم يكن يعرف كيف يواجه فعلته وخسر كل شيء.. وحينما واجهه أُناس بأنه ظلم قبل ذلك وأضاع سمعة فتاة باستهتاره، قال إنه راضٍ بعدل ربنا، وأنه يقبل ويحب أن يخلّص الله ذنبه في الدنيا، وأن ذلك أفضل، وأنه متقبل نتيجة أفعاله. وهذه قيمة أخرى.

* الجانب المضيء الذي جعل داود لا يفقد الأمل ويحاول أن يُصلح من نفسه ولم ييأس، أنَّ أصدقاءه وأقاربه لم يتركوه في أزمته، ولم يجلدوه، ولم يلفظوه أو ينظروا إليه نظرة استحقار.. حتى وهو سيئ السمعة لم يقولوا إننا يجب أن نبتعد عنه لأنه سيَشيننا "عمل الشخص لا يشين إلا صاحبه فقط وليس طول العمر، فإن انتهى من هذه الفعلة وعاد إلى سابق عهده فعلينا أن نعامله بالحسنى".

بل كانوا يستمعون إليه، وكانت أبوابهم مفتوحة له في أزمته وزلَّته، وكانوا بمنزلة حائط الدفاع عنه، وكانوا يبذلون الجهد في علاج الموضوع.. فكانوا يساعدونه على أن يخرج من القاع الذي رمي نفسه فيه، وهم يعلمون بحق القرابة والصداقة أنه حينما يقع فرد تحاول المجموعة إيقافه من جديد.. وأنه يجب أن يجد أبواباً مفتوحه له وهو مُذنب، حتى يرجع ويعود عن خطئه، لأنه لو لفظه كل الناس فسيتحول إلى شخص أسوأ، ولن يكون لديه دافع يصلح ما أفسده، لأن الناس قد وصمته وحكمت عليه، فماذا تبقى؟! لن يَفرق بعد ذلك شيء معه.

وحينما راجع داود نفسه، قال كلمة حق: "إحنا بقينا نخاف من الكاميرات أكتر من خوفنا من ربنا، بس الحمد لله طردت الإحساس ده وبقيت بعمل حساب لربنا في كل تعاملاتي".

* الكل مُجمع ويؤكد أنه في أزماته كانت عائلته الظهر والسند.

* العائلة التي فيها أب وأم يحب بعضهم بعضهاً بحق، ويحترمون بعضهم بعضاً أمام أولادهم ويعلمونهم ذلك الاحترام.. فهذه أغلى هدية ممكن أن يقدموها لأولادهم.. فهذا يجعل الأباء مستقوين بهم وفخورين بهم وبأنفسهم، وهم بذلك يقدمون للمجتمع هدية حلوة وأفراداً مسؤولين محترمين.

* وانتهى المسلسل بـ:

"حياتك وأمانك في عيلتك مش بس في عيلتك.. في كل الناس اللي بتحبهم وبيحبوك.. متقفش أدّام اختلافاتهم… حِبهم زي ما همَّا بحلوهم ومُرهم.

لو عرفت تعمل كده هتلاقيهم كلهم حواليك.

يللا نعدّي ونفوّت الفرصة اللي ممكن يدخل الزعل منها لينا.. ده ربنا خلقنا بني آدمين علشان بنتكلم مع بعض، بنسمع بعض، بنحط عنينا في عيون بعض، بنحس ببعض، بنحضن بعض.

أنا محظوظ بناسنا دول وبالحب ده".

في النهاية، لو أن هناك أعمالاً هادفة كثيرة مثل هذا المسلسل لأدرك الناس القيم الجميلة التي بداخلهم، وتعامَلوا بها، وبهذه الأخلاق ستتغير أشياء كثيرة في حياتنا إلى الأفضل.

ولو عاد الناس كما كنا في زمان إلى العائلة وتجمعاتها التي دُمِّرت لأسباب كثيرة.. ولو أصبحنا يشعر بعضنا ببعض وأكثر قرباً وسماحة، ونستطيع أن يتقبل بعضنا بعضاً على علّاتنا، ويحاول الناس مساعدة بعضهم بعضاً في تخطي الأزمات برحمة، حتماً ستتغير الدنيا كثيراً، وستفرق مع كثير من اليائسين الذين باتوا يملأون العالم حولنا.


مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مريم صلاح
كاتبة قصص أطفال
حاصلة على بكالوريوس ودبلومة متقدمة في تربية الأطفال وكاتبة قصص أطفال
تحميل المزيد