ربما شكَّلت نتائج الانتخابات البلدية في تركيا مفاجأة للبعض، خاصة نتائج مدينة إسطنبول؛ حيث وفقاً للنتائج الأوَّلية حتى الآن والتي أعلنتها لجنة الانتخابات العليا، فقد تبيَّن تقدُّم مرشح تحالف الأمة وعضو حزب الشعب الجمهوري أكرم إمام أوغلو على مرشح تحالف الجمهور رئيس البرلمان السابق ورئيس الوزراء السابق بن علي يلدريم.
مع بدء ظهور النتائج الأولية أعلن بن علي يلدريم فوزه بشكل غير رسمي وفقاً للعد الذي قام به مراقبو الحزب، ولكن بعد مرور فترة قصيرة أعلن إمام أوغلو أنه الفائز بفارق يزيد على 25 ألف صوت؛ لتبدأ مرحلة الاعتراضات والادعاء بوجود تحايل ومخالفات ووجود أخطاء قد تكون مقصودة أو غير مقصودة أثناء فرز الأصوات قد تكون مؤثرة في نتائج الانتخابات.
لماذا توجد مطالبات بإعادة الانتخابات؟
حتى السابع من أبريل/نيسان وصل الفرق في الأصوات في إسطنبول بين بن علي يلدريم وأكرم إمام أوغلو إلى 16442 صوتاً، ولو أضيف لحزب العدالة الأصوات التي تعتبر ملغاة ويعترض عليها حزب العدالة والتنمية بأنها أُلغيت بشكل غير صحيح، فإن الفرق سوف يصل إلى 4143 صوتاً، ووفقاً للكاتب في صحيفة يني شفق محمد أجيت، فإن ما تمت إعادة عده هو 70% من الأصوات التي قبل إعادة العد فيها بعد اعتراض حزب العدالة، ومطالبته بإعادة العد. وبالتالي فإنه وفقاً لمسار إعادة العد، فإن 30% المتبقية من الأصوات قد تقلب النتيجة.
إن فكرة أن تكون أصوات بعض الناخبين قد سُجلت لحزب غير الذي اختاروه تجعل البعض يجادل بأن النتيجة ليست عادلة، خاصة أن الفرق حوالي 15 في الألف، ولهذا يوجد مطالبات،وخاصة من الحزب الي تراجع مرشحه، وهو حزب العدالة والتنمية.
شكل يوضح فارق الأصوات يومياً بعد عمليات إعادة العد في إسطنبول حتى يوم 6 أبريل/نيسان 2019
هل تم هذا الأمر من قبل؟ ومتى وكيف جرت الأمور؟
في الانتخابات البلدية في عام 2014، فاز مرشح حزب العدالة والتنمية ببلدية يلوا بفارق صوت واحد، واعترض حزب الشعب الجمهوري على النتيجة، وقررت اللجنة إعادة العد، ففاز مرشح حزب الشعب بفارق بسيط هو 6 أصوات. وقررت لجنة الانتخابات إعادة الانتخابات في شهر يونيو/حزيران ليفوز بها حزب الشعب الجمهوري، وقد قبِل حزب العدالة والتنمية هذه النتيجة.
وحتى لا نبتعد زمانياً ففي هذه الانتخابات وتحديداً يوم الأربعاء الماضي 10 أبريل/نيسان 2019 أعلنت اللجنة العليا للانتخابات التركية عن إلغاء نتائج الانتخابات المحلية في مدينة "يوسف إيلي" التابعة لولاية أرتفين شمال شرقي البلاد. وجاء إلغاء نتائج الانتخابات بسبب اعتراض قدَّمه حزب الشعب الجمهوري المعارض، إثر فوز مرشح حزب العدالة والتنمية بفارق صوت واحد، بعد أن كان الفارق 3 أصوات، وقررت اللجنة إعادة الانتخابات في المدينة بتاريخ 2 يونيو/حزيران القادم.
ما هي مواقف الأطراف الداخلية والخارجية؟
إن بلدية إسطنبول من الأهمية بمكان، بحيث تقوم كافة الأحزاب باستنفاد كافة الأوراق القانونية التي لديها للفوز بها وحرمان الحزب المنافس بها، وخاصة مع وجود العديد من الشوائب، فقد بدا أن حزب العدالة لن يسلم بسهولة في ظل هذه الحالة بالفوز الأوَّلي لأكرم إمام أوغلو الذي دعا إلى تسلُّم مضبطة رئاسة البلدية حتى قبل صدور النتائج النهائية، وبدا عليه أنه يطالب بتثبيت النتائج الأولية وتجاهل الاعتراضات؛ حيث ظل يحدِّث على حسابه على تويتر نتائج عمليات إعادة العد؛ ليؤكد أن النتيجة لا تزال لصالحه.
وفي هذا السياق، أكد نائب رئيس حزب العدالة والتنمية التركي، علي إحسان ياووز، أن حزبه سيتقدم بطلب إعادة الانتخابات المحلية في إسطنبول، كما قال زعيم حزب الحركة القومية التركي دولت بهتشلي، إنه يمكن إعادة الانتخابات في إسطنبول لطمأنة الشعب وتجنّب اضطراب المجتمع.
وفيما يرى البعض أن إعادة الانتخابات جاءت بسبب فوز أكرم إمام أوغلو، فقد أكد بهتشلي في تصريح للصحفيين بالعاصمة أنقرة، أن إعادة الانتخابات تعد من مقتضيات الديمقراطية، وأن الاعتراض على نتائج الانتخابات يعد حقاً ديمقراطياً لكافة الأحزاب السياسية المشاركة في الاستحقاق الانتخابي، وأن على الجهات المعنية النظر في الاعتراضات بأسرع وقت ممكن.
أما حزب الشعب الجمهوري، فقد قال مرشحه أكرم إمام أوغلو إن حزب العدالة والتنمية يقيم ما إذا كانت انتخابات جديدة في بلدية بويوك تشيكميجة (وهي بلدية داخلية في إسطنبول يعتقد حزب العدالة أن الجزء الأكبر من التلاعب وقع فيها) يمكن أن تميل التوازن في كل أنحاء إسطنبول. يقول مرشح المعارضة: "دعوني أقول للذين لا يعرفون: لقد فُزنا.. انتهى الأمر وكفى. تفرزون الأصوات منذ عشرة أيام من أسفل لأعلى ومن أعلى لأسفل ومن اليمين لليسار ومن اليسار لليمين". "أقول: تخلّوا عن هذه العملية المصطنعة هنا".
أما الأطراف الخارجية، وخاصة في الغرب، فتنظر إلى الانتخابات الداخلية في تركيا حتى البلدية على أنها فرصة للضغط على الحكومة لتغيير نهج سياستها الخارجية كما تتخذها بعض الحكومات للتحريض على تركيا، وربما يكون فوز المعارضة في بلديات أنقرة وإسطنبول وفق النتائج الحالية دليلاً حياً على وجود الممارسة الديمقراطية.
ماذا سيكون رد لجنة الانتخابات؟
يقر الجميع تقريباً في تركيا بأن لجنة الانتخابات لجنة نزيهة ومستقلة، ولا تأتمر بأمر الحكومة التركية أو الحزب الحاكم، وقد رفضت أكثر من طلب لحزب العدالة والتنمية، وتعد اللجنة الآن في حالة انعقاد دائم، وبالتأكيد أن اتخاذ قرار إعادة الانتخابات في مدينة إسطنبول ليس قراراً سهلاً؛ حيث لا يتقبل البعض أن تتم إعادة الانتخابات بسبب وجود فارق بسيط في نتائج العد، ولكن إذا تبين للجنة الانتخابات وجود عمليات تحايل تؤثر في النتيجة فإنها ستتجه لإعادة الانتخابات في إسطنبول.
ما هي سيناريوهات هذه الحالة؟
توجد عدة سيناريوهات، أولها أن تقر لجنة الانتخابات النتيجة الحالية، وبهذا يفوز حزب الشعب الجمهوري ببلدية إسطنبول، وستبدأ مرحلة من النقاش حول صلاحية رئيس البلدية والمجلس البلدي؛ لأن حزب العدالة والتنمية وحليفه الحركة القومية يشكلان أغلبية المجلس.
أما السيناريو الآخر فهو إعادة الانتخابات جزئياً أو في كامل إسطنبول، وفي حال تم إقرار الإعادة الجزئية فستكون في بلدية بيوك تشكمجة وربما مناطق أخرى، وقد تؤثر على النتيجة الكلية في إسطنبول مما يؤدي لاعتراض حزب الشعب الجمهوري، وبالتالي يطالب بإعادة الانتخابات في كامل إسطنبول، ووفق هذا السيناريو في حال فاز حزب العدالة والتنمية فليس من المعروف حتى الآن ماذا سيكون موقف المعارضة؟ وهل ستنزل للشارع للاعتراض أم لا؟ ولكن لغة الجميع حالياً هي الاحترام لقرار لجنة الانتخابات العليا وبما تقرره.
خاتمة
هناك دعوات حالياً في تركيا لإعادة وضع قوانين لحل الإشكالات والاعتراضات على غرار ما يجري في قانون الولايات المتحدة، ففي حال كان الفارق أقل من 1% بين الأحزاب تتم إعادة عد الأصوات مرة أخرى بدون تقديم أي اعتراضات. كما أن هناك دعوات لانتخاب رئيس البلدية الكبرى، وهو من يحدد بعد ذلك رؤساء البلديات الصغرى داخل المحافظة.
يقتضي أيضاً أن ننوِّه بأن عملية إعادة الانتخابات إن جرت يبدو أنها سيكون لها تأثير سلبي على الاقتصاد، وذلك وفقاً لما يقوله خبراء اقتصاديون.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.