نستطيع أن نقرأ الانقلاب العسكري الذي تم اليوم في السودان باعتباره فيلما من الأفلام المصرية القديمة الجديدة تم إعداد السيناريو الخاص به بالقاهرة وتم تسليم نسخة منه لعوض بن عوف ليلة أمس في زيارته الخاطفة إلى هناك – وهو ما يؤكده- شواهد كثيرة ، منها استقبال السيسي له منذ فترة قليلة أثناء أحداث الثورة السودانية الحالية.
أما كونه سيناريو تم إعداده بعناية وبموافقة البشير ورضاه عن رجله المخلص والمُخَلِص عوض بن عوف وزير دفاعه والرئيس السابق لجهاز المخابرات العسكرية، أنه عينه وزيراً للدفاع بعد بقائه خارج الجيش خمس سنوات أو يزيد، وأنه عينه نائباً أولاً له في الثالث والعشرين من فبراير الماضي مع احتفاظه بمنصب وزير الدفاع.
ثم يتحدث فجأة -كأن روحاً من الثورة سرت فى عروقه فجأة – عن اقتلاع النظام كأنه ليس ركن النظام الركين وسلاحه في قمع الثوار المتين، وسالت على يدي جنوده دماء السودانيين، ويعلن عن اعتقال رأس النظام ووضعه في مكان أمين، لم يتبق إلا أن يقول بشرم الشيخ السودانية ليكون على خطى مبارك، فنحن في الأصل دولة واحدة.
فما الذي يدفع للتصديق بأنها تمثيلية؟
ما الشواهد؟ وما الدلالات؟ ولماذا؟ أو لتحقيق أي نتائج؟
لعدم القدرة على مواجهة الجماهير فلابد من تفريقها وإجهاض ثورتها، ولتحقيق خروج آمن لرأس النظام وزبانيته، ووضع رأس النظام في مكان آمن وليس محاكمته، ثم إحكام السيطرة على الشارع من جديد ثم البطش بالثوار والمعارضين، ولم يستحي إبن عوف من تلاوة بيان انقلاب السيسي نصاً مع بعض الإضافات على عَجَل.
فيبدأ بتعطيل العمل بالدستور والقانون، وفرض حالة الطوارئ وحظر التجول ولا يستحيي من ظهور علامات السذاجة في خَطب وُد الجماهير بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، إذ يعلن عن اعتقال غيرهم.
وينعى على البشير إذ يقول أنه خلعه بسبب أنه حاول مواجهة الثوار بالإجراءات الأمنية فقط!!
فتحت أي مسمى تقع إجراءاتك؟
كأن حل المؤسسات وتعطيل العمل بالدستور وفرض حالة الطوارئ وحظر التجول والسيطرة العسكرية على مفاصل الدولة وتهديد المتظاهرين بالتصريح والتلميح هي من قبيل الإجراءات الاجتماعية أو الطبية!!!
أما الذي قد يعجب منه البعض ولكني لم أتعجب منه بل توقعته وكتبت فيه من قبل مراراً هو هجوم كثير من الثوار والقوى السياسية على الإسلاميين باعتبارهم من ساندوا البشير سراً وعلانية.
وقلت غير مرة إن الطاغية ذا المسحة الإسلامية قد يكون أشد خطراً من غيره إذ يختبئ خلف الإسلام وهو يذري به بتصرفاته ويسيئ إليه بسياساته، والذين يساندونه، ويقولون إنه أخ فاضل زاهد عابد صوام قوام ويعاندون الجماهير هم أقبح منه وسيدفعون ثمن مواقفهم عندما تخلعه الجماهير بثورة أو يحدث عليه انقلاب كما جاء هو بانقلاب.
أما الأمر الأخير فهو أن أحد المخلصين اتصل بي يناقشني فيما غردت به بأن هذا الانقلاب سيناريو معد سلفاً شبيه بسيناريو مصر مع بعض الاختلافات الطفيفة إذ يوافقني في التشخيص ولكن يقول بأن نظام البشير مع وجود عوض بن عوف باعتباره امتداداً له قد يكون أخف الضررين إذ هو نظام هواه مع محور تركيا وقطر في مواجهة محور الشر السعودية والإمارات ومصر وتقوده تل أبيب فقلت بل هو غارق في محور الشر حتى النخاع مع إضافة الخداع.
وأدلتي على ذلك:
1) ألم يقم صلاح قوش مدير الأمن والمخابرات السوداني بزيارة تل أبيب بترتيب من عباس كامل!!!
2 ) ألم يقم عوض بن عوف بزيارة معلنة للقاهرة استقبله فيها السيسي منذ أقل من شهر، وأخرى غير معلنة ليلة أمس!!!
3) ألم يقم البشير نفسه بزيارة بشار الأسد الذي صرحت إسرائيل بأن مصلحتها في بقائه!!!
4) أليس البشير وابن عوف قد أرسلا قوات سودانية ضمن قوات تحالف (محور الشر) الإماراتي السعودي في اليمن ليقتل النساء والأطفال ويدمر الأخضر واليابس.
أي علامة تدل على أنه ضد هذا المحور سبب مصائب المنطقة؟
ثم ماذا جلب هذا البهلوان على الشعب السوداني سوى الفقر والجوع والمرض والتخلف والتقسيم؟
وعلى الجماهير في السودان أن تظل بالشوارع والميادين حتى التطهير الكامل، ولايَدَعون العسكر يضعون لهم خريطة الطريق كما حدث لإخوانهم في حوض وادي النيل من قبل.
فعلى كل الدنيا أن تتعلم مما حدث لأم الدنيا.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.