دائما ما نقول لماذا نهضت بلادٌ كان مصيرها الخراب والفناء واستطاعت بفضل أفرادها أن تتحول من شعوب محاطة بالجهل والفقر والتخلف الحضاري والعمراني إلى بلاد ترتقي من جديد وتواكب العالم وتكون ما هي عليه اليوم، ولماذا تأخرت أُمم أخرى وبقيت تعاني وتصارع ما بين الحروب والقمع والديكتاتورية.
يذكرنا التاسع من نيسان كل عام بحدث مؤسف قد حصل منذ ١٦ عاماً، إنه اليوم الذي لم تسقط فيه بغداد ولن تَسقط فقد شهدنا مرحلة احتلال أمريكي ثم تحول نظام الحكم في العراق من شمولي يسيطر عليه الحزب الواحد إلى نظام التعددية الحزبية، استبدلنا طموحات صدام حسين الكَبِيرَة التي تتلخص في خُطب وشعارات رنانة بائت جميعها بالفشل والخيبة. إلى مرحلة العراق الجديد الذي يحكمهُ اليوم عشرون ألف طامع يمارسون ذات الأساليب في اجتذاب عواطف الناس وتَجهيل العقول بشتى الطرق. سوف أتطرق في هذا المقال لجانبين كلاهما يعتبر نقلة تحول كبرى في تاريخنا العربي:
بغداد شمس الحضارة الإسلامية
بالعودة إلى التاريخ وما أؤرخ وكتب عن سقوط بغداد أو الاجتياح المغولي لبغداد عند دخول الجيوش الوحشية بقيادة هولاكو خان الى مدينة حضارة الدولة العباسية وعاصمة الخلافة الإسلامية، شكل سقوط بغداد ضربة للحضارة، والثقافة حيث كانت المدينة مركزاً هاماً للعلوم والآداب والفنون، كانت بغداد نابضة بعلمائها وأدباءها وفلاسفتها وشعرائها. وحينما حلت بها تلك النكبة على أيدي المغول قتل آلافٌ من هؤلاء الذي كانوا يشكلون الطبقة الأكثر من سكان المدنية.
ما فعلهُ المغول لا عقلٌ يصدقهُ أو يتخيلهُ وما شهدتهُ بغداد من تدمير للمعالم وقتل الأهالي كارثة وحشية، كانت كارثة الكوارث في زمانها. وهي بمثابة "بداية غروب شمس الحضارة الإسلامية" فسقوط الخلافة العباسية شكل صدمة مريعة وتحدياً مخيفاً كان لهُ أثر سيء في نفوس المسلمين فكان نهاية العصر الذهبي الإسلامي فبكى بغداد الكثير من المُؤرخين والباحثين والعُلماء، منهم ابن الأثير الذي قال: "لَقَد بَقِيتُ عِدَّة سِنِينَ مُعرِضًا عَن ذِكرِ هَذِه الحَادِثَة اسْتِعْظَامًا لَهَا، كَارِهًا لِذِكرِهَا، فَأَنَا أُقَدِّمُ إِلَيهِ رِجلًا وَأُؤَخّّرُ أُخرى، فَمَن الذِي يَسهُلُ عَلَيهِ أَن يَكتُبَ نَعيَ الإِسْلَامَ وَالمُسْلِمِينَ؟ وَمَن الذِي يَهُونُ عَلَيهِ ذِكرُ ذلِكَ؟ فَيَا لَيْتَ أُمِّي لَم تَلِدُنِي، وَيَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبلَ حُدُوثَهَا وَكُنتُ نَسيًا مَنسيًّا". دام تأثير سقوط بغداد وترك طابعاً قوياً وحزين على المجتمع الإسلامي آنذاك.
العراق بعد عام ٢٠٠٣
تُشكل مرحلة ما بعد دخول القوات الامريكية المُحتلة كما يراها البعض، والمُحررة كما يراها البعض الآخر ليست مهمة التسميات هي بالتأكيد ليست بأهمية ما حصل في العاشر من نيسان عام ٢٠٠٣م. مئات الصور التي تؤرخ النَهب والسَلب والحَرق المتعمد الذي اشتعلت شرارتهُ من البنوك مروراً بالمتاحف والمؤسسات الحكومية انتهاء بقصور صدام حسين التي كانت تُحف معمارية فنية بحد ذاتها، سُرقت البنوك بما تحويه من اموال ونهبت الدوائر وأخذت قوات الاحتلال الوثائق الَتِي تحتاج إليها، ثم حرق كل شيء تقريباً باستثناء القصور التي اعتبروها مقرات آمنة لهم؛ فلكلاً جحرهُ ومخبأه الخاص إن كان فوق الأرض أو تحتها المهم إن بإمكانهم الهروب إليها والاحتماء.
كان العراقيون مازالوا يعيشون في حالة ذهول وصدمة، لكن مع مرور الوقت والسنوات أصبحنا ندرك حجم المرارة التي كان يشعر بها العرب أجمع ونحن العراقيون بالخصوص، المسألة لم تكن صدام حسين بل كانت لها أبعاد اجتماعية وسياسية على المنطقة والشرق الأوسط. فيما تم نهب الوطن على أيدي أهلهُ لأسباب لا يسعنا ذكرها فالجوع، والفقر، والعوز لا تنتج سوى مجتمع يجهل أن المال العام ليس حقاً من حقوقه كمواطن عراقي!
لو كان نظام صدام حسين بهيمنته على افكار الناس وأساليب عيشهم استطاع غرس بذور الانتماء للعراق بدل الترهيب والتخويف والقمع وتمجيد ديكتاتور واحد بفكر وأيديولوجيا ورؤية ضيقة على مدار ٣٠ عاماً، لشهدنا في عام ٢٠٠٣ شعباً مُهمته ومسؤوليتهُ الدفاع عن العراق وحماية ممتلكاتهُ، والتضحية بالغالي والنفيس في سبيل بقاؤه!! مازلت أتساءل كيف شاركنا الغريب جريمتهُ كيف ساعدناه ليصوب أسلحتهُ على حُرمة عراقنا؟!
"إن الذين لا يستطيعون تذكر التاريخ سيكونون هم الذين يكررونه"
-إبراهيم عبد الطالب
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.