ماذا يعني أن تكون لاجئاً؟

عربي بوست
تم النشر: 2019/04/09 الساعة 12:52 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/04/09 الساعة 12:52 بتوقيت غرينتش
أخبرتني جدتي بأن الأطفال عندما يموتون فإنهم يصعدون إلى الجنة! هل تعتقدون بأننا نصعد إليها لاجئين أيضاً!؟

أريد من الجميع أن يغلقوا أعينهم وأن يتخيلوا معي ما سأقوله: "أنت نائم في بيتك، لأن الوقت متأخر، ولأنه عليك أن تذهب في اليوم التالي إلى عملك أو مدرستك، متخيلاً في تلك اللحظة بأنك في أكثر الأماكن أماناً في العالم، حيث لا أحد يستطيع إيذاءك، طالما أن والدك في المنزل، أو لأن أمك كانت قد أوصدت الباب جيداً قبل النوم. فجأةً تستفيق على أصوات الرصاص والقذائف، غير قادر على التفريق بينها، وبماذا سيفيدك تمييز تلك الأصوات عن بعضها، فأنت الآن هارب إلى أبعد ما يمكنك، تنظر خلفك كل عشر ثوانٍ لتتفقد أحد أفراد عائلتك؛ هل هو على قيد الحياة أم لا".. افتحوا عيونكم! هل تخيلتم بأن تلك كانت قصتي! هل تستطيعون أن تخمنوا من أنا الآن؟

أنا الشخص الذي كان نائماً في بيته يوماً ما، واستيقظ في اليوم التالي ليجد نفسه في اللامكان! أذكر أنني بكيت عندما تجاوزنا الحدود، أدركت عندها بأنني لست الطفل ذا الـ ١٣ عاماً بعد الآن، لأنك لا تعود طفلاً في اللحظة التي تهجر فيها منزلك وعائلتك وألعابك! أنا واحد من ملايين المهجرين في كل أنحاء الأرض! أنا وبكل بساطة إحدى مشاكل هذا العالم! وإذا كان هناك واحد وثلاثون مليون طفل لاجئ فأنا الرقم 31 مليوناً وواحد! أليس هكذا يرانا العالم؟

نحن المآسي في نشرات الأخبار! نحن السبب في زيادة الازدحام وأزمات المرور! نحن نساهم في زعزعة الاقتصاد! ونشكل تهديداً لسلامة البلدان التي نلجأ إليها! هذا ما يقوله الناس على شاشات التلفزيون. بينما نحن في الحقيقة؛ عائلة تبحث عن مأوى، أو طالب مدرسة لا يستطيع أن يكمل تعليمه، لأنه لا يمتلك هوية أو أوراقاً ثبوتية! أو أشخاصاً يسعون جاهدين للتأكيد على إنسانيتهم. بشرٌ يشتاقون إلى أسرّتهم ومكتباتهم وجداتهم ورائحة قهوتهن في الصباح الباكر.

أنا مثلاً، أشتاقُ إلى أولاد أعمامي وأخوالي، الذين خلتهم يوماً أصدقاء الأبد. أحدهم توفي منذ فترة ليست ببعيدة، وكم تمنيت لو أنني تمكنت من السفر لوداعه، ولكنني لم أستطع لأنني لا أملك جواز سفر! في أحايين كثيرة تتبادر الأسئلة إلى ذهني، والصور صور نسخة أخرى مني، ليست للاجئ، وإنما مراهق عادي، يخوض حياة تشبه حيوات الآخرين، وكم أتمنى تكراراً لو أنني أعيش حياة مملة مع عائلة ليس فيها مفقود أو غائب! لكنني اليوم مراهق في السابعة عشرة من عمره، دون أدنى إحساس بأنني فعلاً كذلك، لأنني حتى ولو ظننت بأنني تركت الحرب خلفي فهي أي الحرب لم تتركني!

خلال الأسبوع الفائت سمعت وبشكل شبه يومي تعليقات تطال منشئي من صديق أو غريب! في إحدى المرات التي كنت قد دعوت فيها أصدقائي إلى مطعم سوري قال أحدهم بأنه لا يريد أن يسمح لشيء مقرف كأكلنا بأن يدخل إلى معدته! آخر توجه إلي أنا وأصدقائي وتمنى بصوت عالٍ لو أننا متنا هناك في سوريا ولم نأت إلى بلده! وفي وقت سابق أخبرني صديق لي بأن الحي الذي يسكن فيه مزدحم بالسوريين وبأنه يتمنى لو كانت لديه القدرة على دهسهم جميعاً بسيارته.

أذكر حينها بأنني ذهبت إلى البيت أبكيه لأنني لا أريد شفقة أو مساعدة وإنما أنا بحاجة إلى التفهم والتقبل بما لا يتعدى حدود وجودي الضئيل. يخبرني معالجي النفسي كل مرة أذهب بها إليه بأنه علي تجنب التفكير بالقصص الحزينة! وبأنه من الأفضل لي أن أقرأ كتاباً كل أسبوع، لكي أنسى! ولا ينفك يبكي معي وينصحني بأخذ دوائي بانتظام كل جلسة. أعلم تماماً بأنه لم يعد باستطاعته مساعدتي أو إصلاحي! لأنها لم تدرك بعد بأنني (إيلان) ذاك الصبي الذي وجدوه جثة على الشاطئ! وبأنني الصبية المكسيكية الصغيرة المحتجزة داخل زنزانة في (تكساس) وبأنني الطفل (حمزة) مردياً برصاصة أثناء صلاته في أحد مساجد نيوزيلندا. أخبرتني جدتي ذات يوم بأن الأطفال عندما يموتون فإنهم يصعدون إلى الجنة! هل تعتقدون بأننا نصعد إليها لاجئين أيضاً!؟

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
زكوان صيبعه
كاتب ومدون سوري
تحميل المزيد