"فعل نفس الشيء مرَّتين بنفس الأسلوب ونفس الخطوات وانتظار نتائج مختلفة قد يكون من الغباء" – أينشتاين.
الجملة المناسبة لوصف فيلم "جواب اعتقال"، الذي شاهدته مصادفة مؤخراً، الفيلم يعد استنساخاً لتجربة أفلام وحيد حامد في فترة التسعينيات والتي كانت تهدف مقاومة الإرهاب باستخدام الفن، ولكنه في "جواب اعتقال" كان استنساخاً بلا طعم أو رائحة أو لون.
يحاول الفيلم تقديم رسائل مختلفة، بعضها واضح وصريح والآخر مستتر، ولكن رسالته الأهم هو أن مصر مستهدفة من جماعة الإخوان المسلمين، وهي جماعة لا يهمها شيء سوى الوصول إلى الحكم بأي شكل حتى لو كان الوسيلة هي تدمير مصر، وأن معظم المشكلات التي تعاني منها مصر حالياً سببها تلك الجماعة.
يبدأ الفيلم بمجموعة من تفجيرات ضد أقسام شرطة وكمين على الطريق الصحراوي، نكتشف أن بطلها هو الشاب خالد الدجوي المهندس بإحدى المصالح الحكومية، ولكنه في نفس التوقيت رئيس الجناح العسكري في جماعة الإخوان المسلمين، وهو لم ينضم للجماعة إيماناً بالجهاد الديني، أو بحثاً عن تطبيق للشريعة، ولكنه يفعل ذلك بحثاً عن المال والسلطة وسط الجماعة، وللقضاء على إحساس بالنقص لديه؛ بسبب أن والده كان مجرد خادم لرئيس الإخوة، كما يظهر في حكاية الضابط عنه، تمضي الأحداث سريعاً، وينتهي الفيلم بمقتل خالد بعد أن قتل رئيس الجماعة الشيخ عبدالله!
حبكة تقليدية كُتبت على عَجَل!
حبكة الفيلم تبدو تقليدية لا جديد فيها، لمن يتابع الأخبار اليومية ويعلم جيداً أن عناصر الإثارة والتشويق في العمليات الإرهابية تفوق ما تم عرضه في فيلم لا تتجاوز مدته ساعة و39 دقيقة، فالقصة تفتقد الكثير من العناصر التشويقية، بالإضافة إلى التأصيل لشخصياته مما يجعله مناسباً أكثر للعرض كمسلسل تليفزيوني من ثلاثين حلقة أو حتى فيلم وثائقي على حلقات وليس فيلماً سينمائياً.
كما أن القصة تبدو وكأنها كُتبت على عَجَل، وهي من تأليف "محمد سامي" مخرج الفيلم أيضاً، مما يضع الكثير من علامات الاستفهام أمام قيام مخرج اشتهر بإخراج الكليبات المصورة، ومازال يضع أولى بصماته في السينما كمخرج، يقوم بتأليف قصة فيلم له أبعاد سياسية ومعقدة بحجم "جواب اعتقال".
وعناصر فنية ضعيفة..
من الناحية الفنية يبدو الفيلم ضعيفاً، فلم يبهرنا بالديكورات أو أماكن التصوير الجديدة، كما هو معروف عن محمد سامي، مقارنة بديكورات أفلام ومسلسلات أخرى من أخراجه مثل "أهواك"، "آدم" و"حصل خير" بل استخدم أماكن سياحية دينية معروفة للتصوير مثل "بيت الكريتلية" على أنها أماكن خاصة وليست مفتوحة للجميع.
وحتى عندما انتقل التصوير إلى لبنان لم يستفِد المخرج من الطبيعة الخاصة لبلد عربي معروف عنه تنوع البيئة وثرائها بالعديد من اللوحات الفنية، بل اكتفى بالتصوير في كوخ صغير غير واضح المعالم وممكن أن يوجد مثله في مصر.
ومشاهد العنف الموجودة بالفيلم كانت من أسوأ المشاهد على الإطلاق فتميزت بالركاكة والضعف، وكأنَّ طفلاً صغيراً هو مَن صنعها.
ويعتبر التمثيل هو أفضل عناصر الفيلم والذي تفوق فيه أبطاله، بل إن سر نجاح الفيلم قد يكون بفضلهم، حتى لو كان هذا النجاح متواضعاً بحسب الإيرادات -16 مليوناً و500 ألف خلال أول 50 يوماً من عرضه- التي أكدت أن محمد رمضان ليس نجم شباك أول أو ثانٍ كما يدعي، بل حلَّ في المركز الثالث.
محاولة غير ناجحة لتقليد لمدرسة وحيد حامد الفنية..
يمثل الفيلم امتداداً لمدرسة وحيد حامد، وهي المدرسة التي تعتمد على مقاومة الإرهاب بالفكر، وتقديم الجانب الآخر -الإنساني- من حياة الإرهابي، وبالتالي يفقد أي تعاطف شعبي معه خصوصاً من الفئة المطحونة التي ترى في بعض الأحيان أن الإرهاب له ما يبرره بسبب بعض القرارات الحكومية ، ولكن هل نجح في ذلك؟! للأسف لم ينجح فكانت الرسائل التي يحملها فجَّة ومباشرة.
فالكاتب -الذي نتحفظ على وصفه بالكاتب- لم يستطِع إجادة الحبكة التي قدمها "وحيد حامد" و"عادل إمام" في أفلامهما، والتي كانت تخاطب مصرية المواطن، وتقدمها قبل سوء أحواله، مع التأكيد الكامل على التعاطف مع ظروفه السيئة والاعتراف بحقه في حياة كريمة، ولكن ما حدث في "جواب اعتقال" كان عكس ذلك تماماً، فكان هناك جفاف شديد في الفيلم جعله كأنه خطاب يلقيه الممثلون على المشاهد، أو درس يقدم لطالب في الصف الأول الإعدادي وليس فيلماً سينمائياً يداعب خيال المشاهد الفني والحسي.
ظهر ذلك في مشهد مميز بين "أبو مصعب" و"خالد الدجوي" في لبنان -أهم مشهد في الفيلم- عندما حدَّثه عن ضرورة إسقاط مصر من خلال عدة وسائل هي "السوشيال ميديا"، و"شراء الدولارات"، و"نشر أخبار كاذبة لكي تتوتر العلاقة بين الشعب والنظام"، و"الوضع الاقتصادي الخانق"، والتركيز على "بلاغات الاختفاء القسري"؛ لأن ذلك يعرض مصر "لعقوبات دولية"، وكل ذلك لأن "العمليات الإرهابية في مصر أقل من بقية الدول العربية، ولأن مصر دولة قوية"!
في النهاية.. فيلم "جواب اعتقال" ليس مجرد عمل فني بل هو انعكاس للواقع الفني والسياسي في مصر في الفترة الحالية، وهو التشابه الوحيد بينه وبين أفلام وحيد حامد، حيث تمثل تلك الأفلام دوماً وثائق يمكن الرجوع لها عن كيفية تعامل الدولة مع الإرهاب ومدى ذكائها في التغلب على الأمر، لكنها ليست وثائق مكتوبة بل وثائق مرئية من "لحم ودم".
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.