قبل كتابتي هذا المقال، أعدتُ قراءة كتابات جمال خاشقجي المنشورة بقسم الرأي العالمي بصحيفة The Washington Post. ركَّز خاشقجي بالأساس على الإصلاحات، وسياسة المشاركة، وتفشِّي إساءة استغلال السلطة في السعودية. لكن في مكنونها كانت مقالاته دعواتٍ يائسة لاستعادة كرامة المواطنين السعوديين.
كتب خاشقجي 20 مقالاً لا أكثر، كلنا يعرف كيف عوقِب ووُصِم بالخيانة بعدها.
توقَّع الشعب السعودي أن ينتهي اضطهاد نشطاء المجتمع المدني السعودي، بعد أن اعترفت الدولة بجريمة قتله الوحشية، لكن بدلاً من ذلك ازدادت الدولة تعسُّفاً بمواصلتها اضطهاد مجموعةٍ من الناشطات المتهمات بتهديد أمن المملكة السعودية. وفي يوم الأربعاء 13 مارس/آذار 2019، بدأت محاكمتهن الصورية، بعد نحو عامٍ من الاحتجاز.
تعرَّضت الناشطات لتعذيبٍ وتحرُّش جنسي مروِّع تحت الاحتجاز، ذلك فيما زعمت الحكومة السعودية في بيانٍ أصدرته، أنَّ المتهمات يتمتَّعن بحقوقهن كاملة. وفي الوقت ذاته، أدانت حساباتٌ تابعة للدولة على الشبكات الاجتماعية الناشطات بالفعل، وتطالب الآن بتوقيع أقصى العقوبات عليهن. ونشر فردٌ مفرط الحماس من العائلة الحاكمة استطلاعاً أُجري على موقع تويتر يقيس تأييد المتابعين لعقوبة الإعدام. إنَّ هذا الحد من القسوة مشين.
وفيما يحدث كل هذا في الخلفية، قرَّرت السعودية تعيين أوَّل سفيرةٍ لها لدى الولايات المتحدة، وهي الأميرة ريما بنت بندر. تلك فُرصةٌ أخرى تنتهزها السعودية لترويج خطابٍ إصلاحي اعتذاري مقابل الضغط والتمحيص الواقع عليها من قبل الكونغرس الأميركي. سوف ينخدع الكثيرون أمام مثل هذه البوادر، مثلما انخدعوا من قبل عندما اعتلى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مقاليد السلطة.
في وعينا الجمعي كأُمَّة، كان لتِلك الناشطات الماثلات أمام المحكمة، والرجال الذين يدعمونهن، دورٌ أساسي في تحريك عجلة الإصلاح.
لا يُمكِن التحدُّث عن الآثار التعجيزية لنظام وصاية الرجل دون أن نذكر كيف قدَّمت عزيزة اليوسف، وهي أستاذة جامعية متقاعدة، 15 ألف توقيع على عريضةٍ موجَّهة للديوان الملكي. ولم يكن حظر قيادة المرأة في السعودية ليُرفَع لولا أن قادت لجين الهذلول سيارتها من الإمارات المتحدة العربية إلى الحدود السعودية، مطالبةً باستخدام رخصة قيادتها السارية بدول مجلس التعاون الخليجي على الأراضي السعودية، مثل غيرها من المواطنين الرجال.
وتشهد قُدرة النساء السعوديات على الحشد في مجتمعاتهن على قوَّة قائدتهن إيمان النجفان، وهي مدونة وأستاذة بعلم اللغويات، في ترويجهنّ لحملة القيادة للنساء. كذلك يرجع الفضل في ظاهرة حشد طاقات النساء للمشاركة في الانتخابات البلدية لهتون الفاسي، وهي أستاذةٌ شهيرة بتاريخ المرأة. واعتُقِلت أيضاً نوف عبدالعزيز، وهي منتجة تلفزيونية ومدافعة صريحة عن سجناء الرأي لتضامنها مع المضطهدات.
عملت هذه النساء ككيانٍ واحد لجذب دعم مجتمعهن وتخفيف القيود المشدَّدة المفروضة على حرية التعبير، والتجمُّع، وحقوق المرأة. جريمتهن الوحيدة كانت مبالاتهنّ بالبلاد، رغم جميع المخاطر والترهيب الذي واجهنه.
حاربت هذه النساء الشجاعات ضد العنف والقوانين المُجحفة لأعوامٍ عدة، وانتهى بهن الأمر يواجهن العنف وغياب القانون داخل السجون. ومع أنَّ تصعيد درجة إساءة استخدام السلطة لا يقتصر على الناشطات فحسب، إلَّا أنَّ طبيعته كانت مكثَّفة بشكلٍ خاص في قضيتهن. تعكس مُعاملة الناشطات وحشيةً السجَّان ونزعته الانتقامية. وتخالف كل التزامٍ قانوني أو أخلاقي تأخذه الدولة على نفسها.
لا يمكنني أبداً قبول حُجَّة الكِفاح في سبيل الإصلاح "من داخل النظام" فيما يُضطهَد الإصلاحيون بعدوانٍ غاشم. ولا يسعني إدراك كيف يُمكن التغاضي عن الاغتيال، والاحتجاز التعسفي، والتعذيب بأفظع الطرق، في مقابل تعييناتٍ ملكية للنساء أو إعادة توزيع الامتيازات بين أفراد النخبة.
حماية المواطنين شرطٌ مسبق للاستقرار والشرعية السياسيين. واحترام حقوقنا وإنسانيتنا يفتح الطريق للتشاوُر السلمي حول المطالب الشعبية، والقضاء على الآراء المتطرِّفة، والتوصُّل لحلولٍ إبداعية للتحديات التي تواجه المجتمع.
إذا كانت السعودية تحترم وتقدِّر مواطنيها، يتوجَّب عليها إذن إطلاق سراح الناشطات فوراً. ستكون تِلك خطوة هامةً في سبيل استعادة ثقة الشعب في قيادتها.
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Washington Post الأمريكية.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.