التقارب بين الأردن وسوريا
اتخذ الأردن في بداية الأزمة السورية موقفاً سياسياً بالتزامن مع الضغط الدولي، ولكن الأمور لم تصل إلى حد القطيعة مع سوريا. خلال هذه السنوات استطاع الأردن الحفاظ على مساحة آمنة مع سوريا. حتّى عندما اعتبر الأردن السفير السوري بهجت سليمان شخصاً غير مرغوب فيه، كانت السفارة السورية تواصل تنفيذ أعمالها بالقائم بالأعمال أيمن علوش وكان الحال ذاته في السفارة الأردنية في دمشق.
في العام الماضي، بدأ التقارب يزداد بين الأردن وسوريا. فكان افتتاح معبر جابر-نصيب خطوةً جيدة في العلاقات التجارية بين البلدين. وبشكلٍ ما، استفاد كلٌّ من البلدين، ففي ظل الأزمة الاقتصادية التي يواجهها الأردن، كان لفتح المعبر أثر اقتصادي عليه. وأمّا لسوريا، فالمعبر يشكل مصلحة كبيرة لها مقارنةً بالحدود المغلقة مع تركيا والحدود غير الآمنة مع العراق.
استمر التقارب بتوجيه غرفة تجارة عمّان دعوةً لبناء شراكاتٍ بين القطاعين الخاصين الأردني والسوري، وتوجه وفد أردني إلى دمشق للبحث في إمكانية إعادة استخدام شركات طيران أردنية في المجال السوري. ووصلت دعوات التقارب بدعوة وزير الزراعة والإصلاح الزراعي السوري أحمد القادري ضرورة إعادة وتطوير العلاقات في التبادل الزراعي.
في المحيط العربي، تلقت سوريا ترحيباً دبلوماسياً في مطلع العام. فقد دعا كلٌّ من العراق ولبنان إلى عودة سوريا إلى الجامعة العربية. وفتحت الإمارات سفارتها في دمشق بعد قطع العلاقات منذ 2012. وأمّا الأردن، فقد رفع تمثيله الدبلوماسي في سفارته بدمشق عند تعيين مستشارٍ قائم بالأعمال بالإنابة في كانون الثاني 2019.
ولعل آخر تقارب تمثل بدعوة رئيس مجلس النواب الأردني البرلمان السوري لمؤتمر اتحاد البرلمان العربي، الذي عُقد في عمّان مؤخراً. وتبع ذلك أثناء المؤتمر، تخصيص الطراونة جزءاً من الافتتاحية لحلٍّ سياسي في سوريا.
إن كلّ ما سبق، يدل على توجيه رسائل تقارب سياسية لسوريا، والجانب السوري يعلم ذلك. فقد أعرب عضو مجلس الشعب السوري نزار سكيف عند دعوته للبرلمان العربي في كون الدعوة رسالةً سياسية تقدرها دمشق. ولكن هل سيستمر التقارب بين البلدين؟
ملف المعتقلين الأردنيين
مؤخراً تمّ اعتقال الصحفي الأردني عمير غرايبة في سوريا، الأمر الذي دعا الأردن إلى استدعاء القائم بالأعمال أيمن علوش ثلاث مرات، بالإضافة إلى توجيه السفارة الأردنية في دمشق مذكرةً رسمية بهذا الشأن مطالبةً بالإفراج عنه، وقد تلقى الأردن تطميناً بأن الغرايبة في حالةٍ صحية جيدة ولا يتعرض لسوء المعاملة. ولكن لم يكن الغرايبة المعتقل الوحيد، فهناك 30 معتقلاً أردنياً، أُفرج منهم عن 7 فقط.
نجد الأردن اليوم يزيد من مطالبته بالإفراج عن مواطنيه، ويُرجح ذلك لسببين:
– في نظريات العلاقات الدولية، تركز النظرية الوظيفية على أن أوجه التقارب بين البلدين تبدأ من مجالاتٍ سياسية دُنيا ثم تديجياً تنتقل إلى مجالاتٍ سياسية عُليا. بدأت العلاقات بالتقارب اقتصادياً ثم وبالتدريج بدأ التقارب البرلماني ثم الدبلوماسي والآن يناقش الأردن ملف السجناء الأردنيين في سوريا (سياسة عُليا). إذ إن الوقت المناسب لطرح هذا الملف هو الآن؛ أي بعد بناء ثقةٍ سابقة.
– السبب الآخر يتمثل في كون الأردن حليفاً لأمريكا. فقد صرحت الولايات المتحدة الأمريكية من عدم إمكانية تحسين العلاقات مع النظام السوري قبل إيجاد حلّ سياسي في سوريا. وربما يمكن القول أن الأردن يبحث عن مخرجٍ للابتعاد من تقاربه مع النظام السوري عن طريق الضغط بملف المعتقلين الأردنيين، خصوصاً بعد التراجع الإماراتي وغياب التوافق العربي.
هل سيستجيب النظام السوري لملف المعتقلين؟
بالرغم من كون عمير غرايبة صحفياً إلّا أنه لا يشكل خطراً على النظام السوري، وبالتالي فإن اعتقاله مجرد ورقةٍ ضاغطةٍ على الأردن. فملف اللاجئين لا يسير كما يريده النظام، والأردن يؤكد على أن عودة اللاجئين إلى سوريا طوعية ولا يمكن إجبار أي لاجئٍ على العودة. إن ما يريده النظام السوري هو الاستقرار السياسي، ولذلك يسعى لعودة اللاجئين إلى سوريا.
وبناءً على ما سبق، لن يستجيب أيٌ من البلدين للآخر بسهولة. فلكلٍّ من البلدين، أسبابه ومنافعه ومصالحه، وهذا سببٌ كافٍ كي لا يستجيب الأردن لهذه الورقة.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.