يبدو أن الحادث الذي عبرت عنه رئيسة الوزراء النيوزيلندية جاسيندا أرديرن بأنه "أسوأ يوم شهدته نيوزيلندا" وكتبت عنه صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" أن عنصرية الجنس الأبيض تطل برأسها البغيض في نيوزيلندا، وأدانه العنصري الأول في العالم دونالد ترامب المدعوم من قبل منفذ الجريمة "كرمز للهوية البيضاء المتجددة والهدف المشترك" ليس مجرد حادث عابر راح ضحيته 49 شخصاً وأصيب العشرات في اعتداء على مسجدين في مدينة كرايستشرش من قبل شخص "عنصري" معاد للمهاجرين والمسلمين، إنما يطرح العديد من التساؤلات عن أسباب الكراهية الحادة للمسلمين في أوروبا وما هي أسباب تصاعد هذه الظاهرة مؤخراً، وبالطبع ما هي سبل المواجهة؟.
لم تمر سوى دقائق قليلة على الحادث حتى أصبح شعار الإسلاموفوبيا الأكثر تداولاً في محركات البحث ومواقع التواصل الاجتماعي، وهو مفهوم غير دقيق مطلقاً، ومن بين الآراء التي تدفع صوب هذا الاتجاه كريس آلن عالم اجتماع بريطاني أكد بأن المصطلح يفتقر تعريفاً دقيقاً وبأن الادعاءات والادعاءات المضادة للإسلاموفوبيا قادمة من أقطاب متطرفة، من أولئك الذين يشجبون أي نقد للإسلام والمسلمين ويصنفونه بالإسلاموفوبيا إلى أولئك الذين يتبنون كراهية شديدة وعلنية للمسلمين. بين هذين القطبين، مجال متنوع القضايا وأوسع من ذلك بكثير.
وإن كان مصطلح الإسلاموفوبيا يعبر اختصاراً عن حالة الكراهية هذه في تعريف معنى كلمة "فوبيا" في دراسات علم النفس الإكلينيكي يرمز إلى "الخوف غير المسبب" من أشياء ليست بطبيعتها مخيفة لغالبية الناس ولكن.. هل وجود خوف من "الإسلام" هو شيء غير مسبب بالقطع لا في حالة الخوف والكراهية الموجهة للإسلام والمسلمين مسببة فماذا تنتظر من المجتمع الأوروبي وهو يشاهد ويستمع يومياً لجرائم العنف اللاإنسانية التي ترتكب من قبل الجماعات الإسلامية المتطرفة.
في بحث لمحمد شتوان – باحث مغربي- نشر تحت مسمى "الإسلاموفوبيا.. أسباب البروز وإمكانات التجاوز"، فيما يتعلق بالأسباب خلص الباحث الذي استعان ببحث آخر لمؤسسة بريطانية تدعى (The Runnymede Trust) تعنى بأمور حقوق الإنسان والأقليات والعرقيات في المجتمع البريطاني بعنوان: "الإسلاموفوبيا: تحد لنا جميعاً" إلى أن الظاهرة تعود إلى: النظر إلى الإسلام على أنه كتلة متجانسة أحادية جامدة لا تستجيب للتغيير.
2- النظر إلى الإسلام على أنه كائن مستقل ليس له قيم مشتركة مع الثقافات الأخرى وهو لا يتأثر بها أو يؤثر فيها.
3- النظر إلى الإسلام على أنه دوني بالنسبة للغرب.. بربري وغير عقلاني، بدائي وجنسي النزعة.
4- اعتبار الإسلام عنيفاً وعدوانياً ومصدر خطر مفطوراً على الإرهاب والصدام بين الحضارات.
5- اعتبار الإسلام إيديولوجية سياسية لتحقيق مصالح سياسية وعسكرية.
6- الرفض التام لأي نقد يقدم من طرف إسلامي للغرب.
7- استعمال العداء تجاه الإسلام لتبرير ممارسات تمييزية تجاه المسلمين وإبعادهم عن المجتمع المهيمن.
8- اعتبار العداء تجاه المسلمين أمراً عادياً وطبيعياً ومبرراً.
إن تصاعد الظاهرة العدائية لهذا الحد لم يعد يهدد المسلمين الأوروبين فحسب إنما بات يشكل تهديداً لأوروبا بأكملها. فوفقاً لمؤشر التسامح الأوروبي عام 2013، يرفض 70 % من المواطنين الأوروبيين التسامح مع الممارسات الإسلامية والتي تشمل الصلاة، والصوم، وعدم أكل لحم الخنزير، وعدم شرب الخمر، والحجاب، وذلك بسبب الجرائم التي ترتكب باسم الدين في دول العالم وخاصة الدول الأوروبية.
وفي استطلاع رأي لمؤسسة بريطانية، أكد نصف الشعب الألماني وجود صراع أصولي بين تعاليم الدين الإسلامي وقيمهم المجتمعية، فيما عبر 45% من المواطنين الفرنسيين عن تصاعد الشعور، فيما عبر 36% من المواطنين الأمريكيين عن وجود صراع بين تعاليم الدين الإسلامي.
وفي تقرير أصدره مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية أشار المرصد إلى أن ظاهرة الإسلاموفوبيا أصبحت أشد سوءاً في أوروبا؛ حيث سُجل في بريطانيا وحدها خلال 6 أشهر فقط (608) حوادث مرتبطة بظاهرة "الإسلاموفوبيا" من أصل (685) حادثة مرتبطة بالعنصرية عموماً في البلاد، وقال تقرير لمؤسسة Tell Mama الحقوقية إنها رصدت في الفترة بين يناير ويونيو الماضيين وقوع 608 حوادث مرتبطة بالإسلاموفوبيا ببريطانيا، مضيفة أن غالبيتها وقعت في شوارع المملكة المتحدة، مشيرة إلى أن 58% من حوادث الإسلاموفوبيا استهدفت النساء.
وأكد المرصد أن ظاهرة الإسلاموفوبيا تتزايد في المجال العام الواقعي والافتراضي؛ حيث أوضح التقرير البريطاني أن 45.3% من الحوادث التي جرى الإبلاغ عنها خلال فترة الرصد، تمت بشكل مباشر بين "الضحية ومرتكب الجريمة، أو أدت إلى تمييز فعلي أو إضرار بالممتلكات". كما وجد التقرير أن 207 من حوادث الإسلاموفوبيا المذكورة، ارتكبت عبر الإنترنت، أي بنسبة 34% من إجمالي هذه الحوادث. وبحسب التقرير، مثلت حوادث الإسلاموفوبيا المرتكبة عبر تويتر 59% من إجمالي الحوادث عبر مواقع الإنترنت، بينما انقسمت النسبة المتبقية بين فيسبوك ومنصات التواصل الاجتماعي الأخرى.
وكان للإعلام الغربي نصيب كبير في ارتفاع وتيرة الإسلاموفوبيا، وعنه يقول الباحث المغربي -مذكور أعلى المقال- "تمكن الإعلام الغربي بتقنياته الهائلة وتأثيره الواسع من نحت صورة نمطية غاية في السلبية عن الإسلام والمسلمين، صورة تحمل كل صفات القبح والإرهاب والتخلف.. وما شئت من النعوت القدحية".
في دراسة وضعها باحثون بجامعة جورجيا فيما يطلق عليه "قاعدة بيانات الإرهاب" إلى أنه من بين العمليات الإرهابية التي تعرضت لها الولايات المتحدة الأمريكية بين عامي 2006 و2015، شن أشخاص مسلمون 12.5% من هذه الهجمات، لكن حصلت هذه الهجمات على نصف التغطية الإخبارية لجميع الحوادث الإرهابية كما تكشف الدراسة، أكثر بنسبة 357% من التغطية العادية لأي حادث إرهابي آخر، أي أكثر من ثلاثة أمثال ونصف وهو ما عبر عنه مرصد الإسلاموفوبيا "أن تكثيف التغطية الإعلامية للهجمات الإرهابية التي شنها مسلمون تعمل على إبراز هذا النوع من العمليات، وتصور للمواطنين الأوروبيين والأمريكيين أنهم لا يواجهون سوى الإرهاب الذي يقوم به مسلمون".
وفي عام 2008 صدر كتاب لمؤلفه جاك شاهين بعنوان: "Reel Bad Arabs العرب السيئون.. كيف تشوه هوليوود شعباً"، اشتغل عليه صاحبه زهاء عشرين عاماً، واستقصى فيه نحو ألف شريط سينمائي ووثائقي.. الكتاب أحدث صدمة في الأوساط الثقافية الأمريكية لأنه خرج بنتيجة مفادها أن هوليوود كانت تمارس تشويهاً منظماً ومقنناً لصورة المسلمين على امتداد قرن من الزمان.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.