هجمات مسجد نيوزيلندا وكارثة سيادة العرق الأبيض

عربي بوست
تم النشر: 2019/03/18 الساعة 12:51 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/03/18 الساعة 12:51 بتوقيت غرينتش
برينتون تارانت، الإرهابي الأسترالي المُتَّهم بتنفيذ هجوم مسجد كرايست تشيرش(Photo by Diederik van Heyningen/Anadolu Agency/Getty Images)

تعتبر عملية إطلاق النار في مسجد نيوزيلندا، والتي قُتل فيها ما لا يقل عن 49 شخصاً، ونُفذت ظاهرياً على أيدي مناصرين لسيادة العرق الأبيض، هي الأحدث فقط من قائمة طويلة من هجمات إرهاب سيادة العرق الأبيض. وعلى الرغم من التهديد المتزايد والمستمر، فشلت الحكومات الغربية في معالجة خطر سيادة البيض كما يجب.

 

تتضمن قائمة مختصرة من أحدث عمليات إرهاب سيادة العرق الأبيض؛ قتل روبرت غريغوري باويرز لـ 12 من المصلين اليهود في كنيس في بيتسبرغ بولاية بنسلفانيا الأمريكية عام 2018، والمذبحة التي ارتكبها أليكساندر بيسونيت التي أودت بحياة ستة من المسلمين في مسجد مدينة كيبيك الكندية عام 2017، وديلان روف الذي قتل تسعة مسيحيين من سود أبرشية في كنيسة تشارلستون بولاية ساوث كارولينا عام 2015، وأندرس بهرنغ بريفيك الذي قتل 77 شخصاً في النرويج عام 2011.

 

وفقاً لمركز قانون الفقر الجنوبي، أحبطت السلطات الأمريكية العديد من مؤامرات المتشددين البيض، بما فيها تخطيط البعض لقتل ما يزيد عن 30 ألف شخص. خلال الشهر الماضي، فبراير/شباط، ألقى مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي القبض على كريستوفر بول هاسون، من المتشددين البيض، وملازم في خفر السواحل الأمريكي، بتهمة التخطيط لهجمات إرهابية ضد السياسيين السود والليبراليين، وشخصيات إعلامية.

 

كل هذا لا يعني شيئاً أمام تاريخ عنصرية البيض؛ كأعمال العنف المعادية للسود التي ارتكبتها منظمة كو كلوكس كلان الأمريكية، وآلاف القتلى في القرنين التاسع عشر والعشرين من الأمريكيين السود بيد الغوغاء من المتشددين البيض، وقتل الملايين من السود أثناء تجارة العبيد الأفارقة، أو ملايين القتلى من الرجال ذوي البشرة السوداء خلال فترات ذروة الاستعمار الغربي. جادل العلماء والمحللون مراراً بأن كلاً من تجارة الرقيق الأفارقة والاستعمار الغربي نُفِّذَت غالباً لخدمة سيادة البيض.

 

وعلى الرغم من قضاء وسائل الإعلام الأمريكية والنخب السياسية وقتاً طويلاً في مناقشة "الإرهاب الإسلامي"، إلا أن إرهاب المتشددين البيض أكثر شيوعاً. أظهرت دراسة حديثة أن ثلثي الهجمات الإرهابية في الولايات المتحدة نفذت من أفراد وجماعات يمينية متطرفة. وفي الوقت نفسه، أظهرت أبحاث أجراها مركز قانون الفقر الجنوبي، أن معظم أعمال العنف في اليمين المتطرف مرتبطة  بشكل واضح بالتفوق الأبيض. وعلى الرغم من التهديد الواضح المستمر من إرهاب المتشددين البيض، إلا أنه يمكن القول إن المجتمعات الغربية لا تزال لا تأخذ الخطر على محمل الجد كما يجب. أظهر تقرير حديث لصحيفة نيويورك تايمز تجاهل "الاستراتيجية المحلية لمكافحة الإرهاب في الولايات المتحدة الخطر المتزايد لليمين المتطرف" لعقود، وأشار التقرير أيضاً إلى ارتباطه الصريح بسيادة البيض.

 

دعم سيادة العرق الأبيض

ربما ساعدت الحركات السياسية في فهم السبب وراء عدم أخذ العديد من المجتمعات الغربية تهديد خطر التفوق الأبيض على محمل الجد كما يجب، حيث الكثير من قادتها مرتبطون بهذا الفكر.

 

ضربت القومية البيضاء بجذورها في كل من التيار السياسي الأوروبي والأمريكي. ففي أوروبا، اكتسب القوميون البيض جاذبية سياسية، وأثروا على الانتخابات والاستفتاءات، كما ظهر في تصويت البريكست في المملكة المتحدة عام 2016. بينما في الولايات المتحدة، جرى الربط بين الرئيس دونالد ترامب مع عدد من السياسيين الجمهوريين، وسيادة البيض.

 

أوضح المتشدد الأبيض ديفيد دوك، والذي كان قائداً سابقاً لحركة كو كلوكس كلان، أن المتشددين البيض صوتوا لترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016، وتصدر ترامب عناوين الأخبار في العام نفسه لرفضه التنصل من دعم دوك. وفي 2017، تقاعس صراحةً عن التحقيق في تنظيم كو كلوكس كلان، وسمّى المتشددين البيض المتظاهرين في شارلوتسفيل في فيرجينيا بـ "الأناس الطيبين جداً". بداية هذا العقد، تزعم ترامب حملات تطعن في معدلات ذكاء ومكانة ومواطنة أول رئيس أسود للولايات المتحدة، باراك أوباما.

 

والتفوق الأبيض ليس دائماً عنيفاً، على الأقل ليس على المستوى الفردي. بعض تأثيرات التفوق الأبيض أكثر خبثاً، لكنها أيضاً أكثر انتشاراً وشيوعاً. تظهر الدراسات العلمية عن التحيزات الدفينة أن البيض يرون السود أقل ذكاءً منهم، وأكثر تهديداً، من بين أمور أخرى.

 

تساعد التحيزات الضمنية في توضيح السبب، فمثلاً، يواجه الأمريكيون السود صعوبة أكثر في الحصول على القروض والوظائف، حتى بعد السيطرة على جميع المتغيرات العرقية. ربما الأكثر صلة بالمجازر ضد المسلمين اليوم في نيوزيلندا، تلك الأبحاث التي تظهر أن نسباً كبيرة من البيض في المجتمعات الغربية يميلون إلى اعتبار المسلمين وغيرهم من المهاجرين ذوي البشرة السوداء دون البشر.

 

هناك مشكلة أخرى تتعلَّق مباشرةً بمذابح نيوزيلندا، هي التغطية الإعلامية. تميل التغطية الإعلامية الغربية للمسلمين إلى أن السلبية والنمطية المفرطة، إذ تسلط الضوء على جرائم العنف المرتكبة من مسلمين في التقارير الصحفية، بينما تخفي جرائم العنف المرتكبة بحق المسلمين أو تتجاهلها. أظهر أحد التحليلات الكمية أن جرائم الإرهاب التي يرتكبها المسلمون تحظى باهتمام إخباري أكثر بنسبة 375% من تلك التي يرتكبها غير المسلمين. بالإضافة إلى أنه غالباً ما يجري تجاهل كلمة "الإرهاب" في سياق العنف غير الإسلامي، وتستخدم حصرياً في التقارير الإخبارية التي تصف جرائم المسلمين.

 

إذاً، النخب السياسية والتغطية الإعلامية هما عاملان أساسيان يساعدان على شرح التصورات السلبية عن المسلمين والسود والمهاجرين والأقليات الأخرى في المجتمعات الغربية المعاصرة. لم يولد مطلقو النار اليوم في نيوزيلندا وهم يكرهون المسلمين أو أي أقلية أخرى، بل جرى تلقينهم، كما لُقِّنَ كل الإرهابيين من المتشددين البيض، من خلال الخطابات المتعصبة التي وصلت إلى حد الهيمنة على المجتمعات الغربية.

 

– هذا الموضوع مترجم عن شبكة Aljazeera القطرية.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمد المصري
أستاذ الإعلام والدراسات الثقافية المساعد بمعهد الدوحة للدراسات العليا
تحميل المزيد