في هذا المقال أحببت التأكيد على مبادئ أساسية منسية لدى أبناء مصر وأبناء الثورة، هذه الثورة التي قامت بأبناء مصر المخلصين الحالمين بمستقبل أفضل لوطنهم، أبناء تلك الثورة ومؤيدوها من جميع التيارات أدعوكم للعودة مجدداً والاتحاد من أجل بلدكم وثورتكم وشعبكم الذي يعاني.
أعرض هنا أبرز العقبات التي أدت بنا لهذا الوضع بشكل موجز مع طرح لمبادرة قد تعيننا على استعادة ثورتنا مرة أخرى.
"تذكروا دائماً أن لنا انتماءً واحداً سيبقى للأبد ولن يتغير وهو انتماؤنا لمصر ولثورة يناير".
"إذا استقام التصور استقام السلوك"
أعتقد أن لدينا خطأً في التصور، وهو ما أدى بنا إلى أخطاء جسيمة في تعاملنا أثناء المحطات التي مرّت بها ثورتنا وحتى كتابة هذه السطور..
ولذلك يجب إعادة التفكير في تصورنا عن الوطن والثورة ليكون تصوراً صحيحاً وبالتالي يكون حكمنا على الأمور في محلها.
كيف نتصور الوطن؟
مكونات الوطن هي أرض وشعب وحكومة، ونحن هنا بصدد الحديث عن الشعب وهو نسيج هذا الوطن، وهو السيد على هذه الأرض، والمواطنون في مصر مختلفون في اللون والشكل واللهجة، ومن الطبيعي جداً أن يكون هناك اختلاف في الأفكار، ولأننا في القرن الواحد والعشرين وتطورت الطبيعة البشرية بشكل كبير فقد تعارف البشر على ما ينظمون به أمورهم بشكل سلمي، ليعرف كل شخص ما هي حقوقه وما هي واجباته، ونحن كمواطنين مصريين يجمعنا انتماؤنا لهذا الوطن العزيز، وهو انتماء غالٍ ومحل تقدير واحترام، لا يجب أن يقصيه خلافاً في الرأي أو التوجّه، ولا يمكن إجبار الجميع على العيش بنمط واحد، وعلى ذلك فنحن أخوة في هذا الوطن ونسعى جميعاً صادقين مخلصين لنهضة هذا البلد وضمان مستقبل أفضل للأجيال القادمة، وشعارنا استيعاب الخلاف بيننا في وجهات النظر واحترامنا لجميع الآراء المخلصة التي تصدر من الاتجاهات المختلفة دون عصبية أو تطرف أو تخوين أو تسفيه للرأي أو لصاحبه أياً كان انتماؤه أو جنسه أو دينه.
ثم التصور عن الثورة المصرية الحالمة المنكسرة تحت وطأة العسكر وأصحابها المتشاكسين.
"هذه الثورة ليست ثورة إسلامية ولا ثورة علمانية، هي ليست ثورة هوية، فلم نهتف بها إسلامية أو علمانية"
هذا ليست ثورة تيارك ولم تقم بها أنت وحدك هذه ثورة جميع المصريين وليس من حقك أن تقودها أو تضع لها هوية أو تتحدث وحدك باسمها
إنما هي ثورة اجتماعية استعاد فيها المصريون بلدهم للحظات قبل أن يسرق منهم مرة أخرى في لحظة غدر وشتات من أصحابها الذين سرعان ما انشغلوا ببعضهم عن أعداء ثورتهم حتى خسروا جميعاً!
دعوا الشعب يختار هُويته بعد تحقيق مطالب الثورة من عيش كريم وحرية وعدالة اجتماعية. ولا تفرضوا عليه شيئاً، فنحن نعلم الطريق الصحيح لمعرفة خيار الشعب، ولكن كل فصيل سارع لمنافسة الآخر وتحديد مسار الأمة بشكل سريع، وكانت النتائج ما نحن فيه الآن من حالٍ بائس.
أرى أن التصور الصحيح للثورة أنها ثورة الحرية والكرامة والحب! نعم الحب للوطن وللأخوة المواطنين. ثورة العمل على تحقيق مطالب الثورة "عيش، حرية، عدالة اجتماعية" .
ثورة العمل والبذل من أجل هذا الوطن العزيز وإتقان العمل لرفعة الاقتصاد وتوفير العيش الكريم لهذا الشعب الكريم، الحرية التي من دونها نفقد إنسانيتنا ولا يكون للعيش قيمة ولا تتقدم دولة أو أمة تحترم نفسها بلا حرية، وإذا توافرت الحرية والعيش الكريم تولد العدالة الاجتماعية -التي لا تقصي أحداً- لتكون الضامنة الحقيقية لترابط الحرية والعيش الكريم لتكون أسس تقدم الأمة وعنوان تقدمها واستقرار مستقبلها.
"الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية"
إذا تصورنا الوطن بهذه الطريقة المعتدلة فسيسهل علينا تجاوز المعضلة الأكبر، وهي معضلة الخلاف وما نتج عنه من كوارث بحق هذا الوطن ولازالت مستمرة، وستستمر إذا لم يتدخل العقل حالاً لوقف هذه الحالة الشيطانية من الكره والعداء لأخوة الوطن الواحد، حتى أصبح البعض يرقص على الدماء، والبعض لا يغضب لتعذيب أخيه في سجون جلادين الثورة؛ لأنه مختلف معه في الرأي، وآخر يشمت في غلاء الأسعار على فقراء الوطن؛ لأنه يعتقد أنهم مختلفون معه في الرأي وهلمّ جرا!
لابد من وقف كل هذا الكُره الشيطاني، وأن نقف وقفة جادة يجتمع فيها العقل مع القلب على تصور حقيقي للوطن وحب لإخواننا المواطنين من كل الاتجاهات، وسيُبنى على ذلك احترام للخلاف -أياً كان نوعه- فهناك دوماً طريقة لاختيار الدرب الذي سنسلكه سوياً للوصول ببلدنا إلى وضع أفضل، وهذا الأمر يحدث فقط بالاتفاق والاحترام المتبادل، ولا يمكن أن يحدث بالإكراه والكره والصراع.
لا شك أن شركاء الثورة مختلفين فكرياً وينقسمون بشكل رئيسي إلى (إسلاميين، غير إسلاميين)، وكل قسم منهم ينقسم إلى أقسام كثيرة أخرى، فهلّا يقتنعون بأنه على مدار 5 سنوات من هزيمة الثورة أن هذا يرجع إلى صراعاتهم وعدم توحدهم في مواجهة قوى الشر المنقلبة على الثورة؟! وهل يفهمون أن كُرههم إلى بعضهم لن يبني وطناً أبداً؟! وأن أعداء الثورة يشعرون بارتياح كبير حيال هذا الصراع ويعملون على تغذيته؟!
أَيَا أبناء مصر ألم يَحِن الوقت أن نوقف كل هذا العبث ونرتب أولويتنا ونعلم أننا شركاء في الثورة وشركاء في الوطن ولسنا أعداء؟
هل يمكننا أن نجعل هذا الشعار قاعدة لعملنا المستقبلي في استعادة ثورتنا؟ "نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه" .
علينا جميعاً أن نبدأ حالاً في إنهاء حالة التخوين، ومرادفها التكفير، من قاموس عملنا لاستعادة ثورتنا.
فليس من اختلف معك في الرأي لأي سبب خائن أو كافر، وليس من الحكمة إطلاق هذه الاتهامات الخطيرة دون دليل أوضح من الشمس قبل أن تنطق بها وتشق صف الأمة المصرية وتخدم أعداءها.
هنا أطرح مبادرة لجميع المخلصين من أبناء ثورة يناير المجيدة علّها تلقى قبولاً وتحرك شيئاً من الماء الراكد.
ينبغي وجود مؤسسة قوية ومتحدة تحتوي الجميع وتتألف من جميع المصريين المؤمنين بالثورة، يشارك بها جميع الأطياف السياسية والفكرية، ولتبدأ من خارج مصر حالياً بسبب الأوضاع الأمنية المرعبة التي يعيشها الوطن حالياً.
لتكون هذه المؤسسة هي المعبرة عن صوت الثورة في الخارج لتضع خارطة طريق وتعمل على جميع الملفات، بداية من استعادة ثورتنا وتخليص الوطن من العصابة التي تختطفه، حتى رعاية شؤون المطاردين في الخارج، مروراً بإدارة ملفات حقوق الإنسان والتواصل مع دول العالم والتعريف بقضيتنا التي قصرنا كثيراً في حقها.
ويتم انتخاب إدارة لهذه المؤسسة من أولي النُّهى والمتخصصين لمدة لا تتعدى العام. مع تفعيل مبدأ المحاسبة.
على ألا يُسمح بوجود أغلبية لاتجاه واحد بهذه المؤسسة ولا أغلبية مطلقة لتيار واحد، بل يتم تشكيلها بنسب متقاربة من جميع التيارات مع وجود مستقلين غير محسوبين على أي تيار لضمان أن تكون هذه القرارات صوتاً حقيقياً للمصريين، وجميعهم شركاء فيها لا يلوم أحدهم الآخر على نتائجها في هذا الوقت الحرج من تاريخنا، لنكون جميعاً شركاء في القرارات الصادرة عن هذه المؤسسة والمعبر الحقيقي عن صوت الثورة المصرية.
أهم ما يميز هذه البادرة عن غيرها أنها تتميز بالتجرد التام والإخلاص للثورة ولشركائها، والإيمان بمبدأ الشراكة الحقيقية، وأننا جميعاً سنقرر مصير ثورتنا معاً، دون تغوّل من فريق ضد آخر، وسنستفيد من أخطاء الماضي بلا تصفية حسابات، كما أن الشعب الثائر إذا رأى تجمّع الرموز حول مؤسسة واحدة سيعلم جدية الأمر ويعود له الأمل في التغيير واستعادة مجد الثورة، وسيؤيد هذا التجمع ويسير خلفه، فهذه هي القيادة التي يحتاجها الشعب المصري للمرور من أزمته التاريخية.
لديّ تصور شامل لهذه المؤسسة لا يتسع المجال هنا لذكرها، كما أحب أن نتشارك في التفكير فيها سوياً كشركاء متعاونين، وأتمنى أن تلقى الفكرة قبولاً لدى الجميع "فقوتنا في وحدتنا ".
أنا كأحد أبناء هذه الثورة وكمحب لمصر وطني وكمطارد الآن من قبل أعداء الثورة وأحد المحكوم عليهم عسكرياً، وأعز أصدقائي يقبعون في سجون العسكر وبعضهم تم تصفيته جسدياً، أريد بصدق أنا وآلاف الشباب المصري من نفس ظروفي أن ينتهي هذا الكابوس، وأن تعود ثورة يناير للميدان مرة أخرى، لننهي معاناة المصريين تحت وطأة الجلاد العسكري، وننهي آلام الشباب في السجون، ونعود لنبني وطننا بصدق وإخلاص.
أرجو أن نتحول من شركاء متشاكسين إلى شركاء متحابين متعاونين منصورين بإذن الله.
نحن أخوة الوطن، أخوة الكفاح والنضال من أجل الحرية والكرامة، نحن أبناء الثورة المصرية المجيدة دائماً وأبداً.
"الاتحاد قوة"
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.