الصداقة بين كوشنر والأمير محمد مفتاح العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية

عربي بوست
تم النشر: 2019/03/13 الساعة 13:25 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/03/13 الساعة 13:25 بتوقيت غرينتش
صهر الرئيس الأميركي كوشنر والأمير محمد بن سلمان

تكشف الأغلبية الديمقراطية الجديدة في الكونغرس النقاب عن كثير من الجوانب التي أصبحت من خلالها إدارة الرئيس دونالد ترامب مَدِينة بالشكر للمملكة العربية السعودية منذ باكورة عهدها. ففي تقرير صدر الشهر الماضي لم ينتبه إليه الناس في غمرة الأخبار الكثيرة، أوضح النواب الديمقراطيون كيف ضغط كبارُ مسؤولي إدارة ترامب، ومنهم مايكل فلين وجاريد كوشنر، لتزويد الحكومة السعودية بالتكنولوجيا المطلوبة لإنشاء محطات طاقة نووية. وهو ما قد يضع السعودية على طريق تطوير أسلحة نووية، ما ينذر بتهديد استقرار الشرق الأوسط.

 

ويعتبر دور كوشنر الأكثر إثارة للقلق؛ لأنه بصفته صهر الرئيس وكبير مستشاريه هو الذي مهّد الطريق للعلاقة بين ترامب والأمير محمد بن سلمان، ولي عهد السعودية، وعززها. وتعتبر صداقة كوشنر والأمير محمد في الوقت الحالي مفتاح العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية، وهي أيضاً سبب محاولة ترامب لحماية ولي العهد من المسائلة في قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي.

 

وقد تكيّف ترامب وكوشنر، اللذان اعتادا إبرام صفقات عقارية في الخفاء، بسرعة مع أسلوب السعودية في المحسوبية والمحاباة، فقدمت إدارة ترامب دعماً راسخاً للوعود بإبرام صفقات الأسلحة والصفقات التجارية الأخرى.

 

بدأ مشروع بيع محطات الطاقة النووية للسعودية أواخر عام 2016، خلال الفترة الانتقالية للرئاسة، عندما توحدت مجموعة من جنرالات الولايات المتحدة المتقاعدين ومسؤولي الأمن القومي ضد مايكل فلين، وكان حينها مستشار الأمن القومي الأول لترامب. وحتى بعد إقالة فلين في فبراير/شباط 2017، أحيا مسؤولو البيت الأبيض الآخرون الخطة رغم اعتراض المستشارين القانونيين في الحكومة الذين أبدوا مخاوفهم من أن ينتهك هذا المقترح قوانين الولايات المتحدة التي تهدف لمنع الانتشار النووي. ولا تزال الفكرة قائمة: فقد التقى ترامب الشهر الماضي الرؤساء التنفيذيين لعدة شركات خاصة تعمل في مجال الطاقة النووية والذين طلبوا مساعدته لإنشاء محطات طاقة في الشرق الأوسط.

 

بينما يتركز معظم الاهتمام على دور فلين، فكوشنر متورط في الكثير من نزاع المصالح حول المشروع السعودي، وذلك وفقاً لتقرير مكون من 24 صفحة أصدرته لجنة الرقابة والإصلاح الحكومي في مجلس النواب الأمريكي. ومن ضمن المستفيدين المحتملين من الصفقة النووية السعودية شركة Westinghouse Electric المملوكة لفرع من شركة Brookfield Asset Management وهي شركة عقارية أنقذت مؤخراً شركة كوشنر وعائلته من صفقتهم المشؤومة المتمثلة في شراء برج إداري عنوانه 666 بالجادة الخامسة بمقاطعة مانهاتن بقيمة 1.8 مليار دولار أمريكي.     

ألقى التحالف بين كوشنر والأمير محمد بظلاله على السياسة الأمريكية: فقد تجاهل ترامب خلال الشهر الماضي المهلة المقررة لتقديم تقرير إلى الكونغرس حول ما إذا كان ولي العهد السعودي مسؤولاً بصفة شخصية عن مقتل خاشقجي وتقطيع جثته في القنصلية السعودية بإسطنبول، حسبما خلُصت أجهزة المخابرات الأمريكية. لكن كما هو الحال مع المحاولات السابقة لترامب لحماية الأمير من المسائلة بشأن مقتل خاشقجي، ستأتي هذه المرة بنتائج عكسية. فبالدفاع المستميت عن الأمر محمد جعل ترامب الأزمة أسوأ وحفز رد فعل أكثر صرامة في الكونغرس.

 

فبعد انتخاب ترامب بفترة قصيرة، استهدف ولي العهد السعودي ومستشاروه كوشنر كمدخل إلى الدائرة الداخلية لترامب. فقد أدركوا أن كوشنر كان طيعاً بسبب صفقاته التجارية وجهله بشؤون الشرق الأوسط وسعيه للتفاوض بشأن اتفاق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين. إذ كتب أعضاء وفد من المسؤولين السعوديين -أرسلهم الأمير محمد إلى الولايات المتحدة في نوفمبر/تشرين الثاني 2016- في مذكرة نُشرت لاحقاً في جريدة "الأخبار" اللبنانية: "الدائرة الداخلية لترامب هم محترفو إبرام صفقات بالدرجة الأولى ولكنهم لا يعرفون العادات السياسية والمؤسسات العميقة وهم يدعمون جاريد كوشنر".   

 

أوقع السعوديون بكوشنر في هذه الزيارة، وبحلول مارس/آذار 2017، رتب كوشنر عشاءً رسمياً لترامب والأمير محمد في البيت الأبيض، حيث حظي الأمير باستقبال مهيب شبيه باستقبال رؤساء الدول. ثم أقنع كوشنر ترامب بجعل السعودية المحطة الأولى لرحلته الخارجية الرسمية الأولى في مايو/أيار 2017. وفي هذه المرحلة أدرك السعوديون أن ترامب يحب التملق والاحترام، فأسرفوا في الترحيب به مع كثير من المآدب ومظاهر الولاء. فلم يكن من المدهش أن يتفاخر الأمير محمد لاحقاً، وفقاً لموقع "Intercept" الأمريكي، بأن كوشنر كان "في جيبه" وقدم معلومات حول منافسيه في العائلة السعودية المالكة.

 

كان كوشنر بالأخص صيداً سهلاً بسبب صفقة عائلته الخاصة بشراء برج رقم 666 بالجادة الخامسة بمقاطعة مانهاتن عام 2007، في أوج ارتفاع أسعار العقارات التي ما لبثت أن انهارت بعد عام. وخلال العامين الماضيين كانت شركات كوشنر تتفاوض من أجل خطة إنقاذ للعقار مع مستثمرين من الصين وقطر لديهم علاقات قوية بحكومتي البلدين. إلا أن هذه المفاوضات باءت بالفشل إذ خشي المستثمرون من الرقابة الإضافية الناتجة عن دور كوشنر في البيت الأبيض.

 

وفي الربيع الماضي توصلت شركات كوشنر إلى اتفاق مبدئي مع شركة Brookfield Asset Management، التي تعد من أكبر شركات العقارات في العالم، لتأجير البرج الإداري المتعثر لمدة 99 عاماً. وبينما كان ذراع Brookfield العقاري يعقد صفقته مع شركات كوشنر، أعلن فرع آخر لـ Brookfield شراءه شركة Westinghouse Electric بقيمة 4.6 مليار دولار، وهي شركة مفلسة للخدمات النووية كانت جزءاً من مجموعة الشركات التي كانت تتنافس لإنشاء محطات طاقة في السعودية.

 

كانت صفقة الشراء تلك تحتاج إلى موافقة إدارة ترامب: فقد كانت تتوقف على مراجعة لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة التي تتضمن كبار المسؤولين من 9 هيئات حكومية أمريكية. واستلزمت الصفقة موافقة الحكومة الأمريكية لأن شركة Brookfield التي يقع مقرّها في كندا هي شركة أجنبية تسعى لشراء شركة أمريكية تعمل في مجال الصناعة النووية. وفي الماضي أجبرت اللجنة بعض الشركات الأجنبية على ترك أو إجراء تعديلات على صفقاتهم المقترحة. لكن استيلاء Brookfield على Westinghouse Electric قد اعتُمد وأُبرمت الصفقة في الأول من أغسطس/آب 2018.     

 

وفي 3 أغسطس/آب أعلنت الذراع العقارية لشركة Brookfield أنها أبرمت صفقتها مع شركات كوشنر وأنها ستدفع الإيجار مقدماً نظير المدة 99 عاماً كاملة: بمعنى ضخ 1.1 مليار دولار لمساعدة شركات كوشنر على سداد جزء كبير من قيمة الرهون العقارية التي تبلغ 1.4 مليار دولار المستحقة في فبراير/شباط 2019. ودون هذه الصفقة كان من الممكن أن تُجبر أقساط الرهون المستحقة شركات كوشنر على بيع عقار الجادة الخامسة بخسارة فادحة.

 

من غير الواضح ما إذا كانت مصالح كوشنر التجارية لعبت دوراً في موافقة الحكومة الأمريكية على شراء Brookfield للشركة النووية. لكن هذه الصراعات تكشف توجه إدارة ترامب نحو السعودية وحلفائها. فبهذا التأييد الأعمى لولي العهد المتهور أظهر ترامب أن التحالف الأمريكي – السعودي أكثر من مجرد صفقات ترتكز على النفط والسلاح وبعض المصالح الأمنية المشتركة.

 

في 16 أكتوبر/تشرين الأول 2018، في اليوم نفسه الذي وصل فيه وزير الخارجية مايك بومبيو إلى الرياض للقاء كل من ملك السعودية وولي العهد للتباحث بشأن مصير خاشقجى، أودع مسؤولون سعوديون 100 مليون دولار سبق التعهد بها لإدارة ترامب في أغسطس/آب 2018 للإسهام في استقرار مناطق سورية حُررت من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وكان الدبلوماسيون الأمريكيون متشككين في وصول هذه الأموال حتى ظهرت فجأة في حسابات الولايات المتحدة.

 

كان توقيت تحويل الأموال إشارة إلى ترامب بلغة إبرام الصفقات التي يفهمها: بمعنى أن السعودية ستستمر في الوفاء بالتزاماتها المالية والتجارية مع الولايات المتحدة إذا تعاون ترامب في الأزمة التي أثارها مقتل خاشقجي. كما أوضح المسؤولون السعوديون لترامب وكوشنر أنهم يقدرون جداً الولاء للأسرة الحاكمة وأن المصالح المالية فوق أي اعتبار.

 

– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
محمد بازي
أستاذ الصحافة بجامعة نيويورك
تحميل المزيد