الزبّيرة قدس الواقعة في ريف تعز، عزلتي التي وُلدت فيها أضحت محاصرة من قِبل الحوثيين، مساحة تقدر بـ12 كيلومتراً مربعاً يقطنها نحو عشرة آلاف إنسان، أصبحت وأصبحوا كلهم تحت سوط العصابة. من المؤكد أن لا أحد سمع بهذه المأساة حتى اللحظة في ظل زحمة الأخبار ومآسيها التي لا تتوقف.
تتعرض الزبيرة لحصار خانق بعد إغلاق الحوثيين للسوق المركزية، التي يؤمّن الأهالي منها احتياجاتهم الأساسية من الغذاء والدواء، ومنعوا أيضاً تشغيل مضخة مياه الشرب التي تصل إلى منازل المواطنين، ألا تستحق هذه المأساة أن تُروى؟
هل تعرف لماذا حدثت هذه المأساة عزيزي القارئ؟ دعني أخبرك، في مساء السبت 23 فبراير/شباط الماضي، زعم الحوثيين أن مواطناً اعتدى على أحد عناصرهم داخل السوق وجرده من سلاحه الرشاش، ويزعمون أن المواطن اعترف لهم بذلك بعد اعتقاله، لكن الغريب أن الرشاش لم يظهر بعد!
هذه القصة البائسة تطلبت من عصابة عبدالملك الحوثي رداً همجياً على آلاف المدنيين العزّل، اعتداء مزعوم على فرد حوثي يقابله عقاب جماعي بالحصار والتجويع والخوف والإرهاب لعشرة آلاف إنسان، غالبيتهم من الأطفال والنساء، وتلك القيمة الحقيقية التي يكنّها الحوثيون للمواطن عندما يتعلق الأمر بالمساس بذواتهم الشيطانية.
العقاب الحوثي لم يتوقف عند هذا الحد، لقد اعتقلوا العشرات من الأبرياء ممن يعملون في تجارة السوق، وتسللوا إلى القرى بحثاً عن آخرين يتهمونهم بالتعاون مع الجيش الوطني، بل الأسوأ من ذلك أنهم استخدموا متفجرات لإرهاب المواطنين، وما زلت أتذكر حجم الهلع الذي أصاب المواطنين بعد تفجير حوثي مدوّ أصاب أسماع الجميع عند العاشرة ليلاً.
لم أنسَ أيضاً الفاجعة التي أصابت أمي عند سماعها للانفجار؛ ظنّت المسكينة أن الانفجار وقع في المنزل، فانهارت لتوّها، وغابت عن الوعي لدقائق، هذه حالة رعب واحدة لأم من بين مئات الأمهات في المنطقة أصابهن الحوثيون بالخوف والجزع، فأصبنهم بسهام الدعاء والشكوى إلى الله.
لم تنعم قريتي بالحرية مذ جاء هؤلاء المعتدين قبل عامين ونصف، وسيطروا على الطريق الرئيسي الذي يربطنا ببقية المناطق، وحشرونا في الزاوية، لكنني أصبحت اليوم أكثر إلماماً اليوم بقيمة الحرية القابعة في قميص متعفن لمقاتل حوثي.
هل اكتفى الحوثيون بالأوجاع والمتاعب التي أحدثوها في نفوس المواطنين؟ كلا، إنهم يطلبون مبلغاً ثقيلاً من المال من تجار السوق والمواطنين، مقابل إعادة فتح السوق، وتلك عملية ابتزاز قذرة يستخدمها الحوثيون كلما وجدوا أنفسهم في ضائقة مالية.
عزلتي المحاصرة: أعرف جيداً أن بعض الألسنة طالت أبناءك العزّل، ونعتتهم بالجبن والخوف. إنني أتساءل لماذا يعاب الإنسان عندما يكون ضحية، ولا يعاب على الجلاد غطرسته؟ إننا ضحايا أيتها الألسن.. قد نخاف مما سيصيبنا، ونتألم لما أصابنا كوننا بشراً، لكننا لسنا جبناء ولسنا ضعافاً؛ الجبان لديه إمكانية لأن يكون شجاعاً لكنه يرفض، والضعيف لديه إمكانية لأن يكون قوياً فيرفض، أما نحن فلا إمكانية لدينا لهذه أو تلك.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.