اتصلت بي تنتحب بشدة، وتطلب مساعدتي، تخلل كلامها شهقات عنيفة وأنفاس متسارعة.. كلمات كثيرة نطقت بها لم أفهم ما ترمي إليه بها، شعرت بها تكاد تهوي من شدة الانفعال والتوتر، حاولت تهدئتها قائلة:
_ خذي نَفَساً عميقاً، وتحدثي ببطء وهدوء، ثم أخبريني بما يزعجك.
_ بينما كنت أنظف أرضية البيت بالماء والصابون قبل أيام، تزحلقت أرضاً، فإذا بساقيَّ تنفتحان وتشكلان خطاً مستقيماً.. تألمت بحدة، وشعرت وكأن منطقة التقاء عظم الساق بالحوض قد كُسرت.. بصعوبة تماسكت ونهضت لأكتشف بعد وقت نزول بضع نقاط حمراء في ملابسي الداخلية.
انفجرت باكية بحرقة مرة أخرى، وهي ترجوني أن أساعدها، فطلبت منها أن تُكمل لأعرف كيف أستطيع أن أساعدها. فعادت تقول:
_ أخبرت أمي بما جرى، فنظرت إليّ شزراً وهي تقول:
_ يبدو أنك قد آذيت غشاء بكارتك.. أقسم إن إخوتك سيقتلونك، أنت الآن مخطوبة وعن قريب ستتزوجين.. إن حدثت أي مشكلة لها علاقة بذلك، اعلمي أنهم لن يترددوا لحظة وسيدفنونك حية، أنت تعلمين "دمهم حامي".
_ منذ تلك الحادثة لم أعد أستطيع النوم، الوساوس تفتك بي، طوال الوقت أبكي نفسي وحظي التعيس، أصبحت أكره نفسي، وأكره كوني أنثى، لدرجة أنني أخذت أفكر بالانتحار.. كيف أثبت لهم بأنني بريئة؟ أمي هي من ربتني وتعلم أنني طاهرة، فكيف تقول لي ذلك؟
ثم أخذت تقسم لي أيماناً مغلظة بأنها شريفة عفيفة، ولم تفعل أي خطأ، وأن ما حدث هو مجرد حادثة، حدثت معها كما روتها لي بالضبط.
قلت لها بلين ورقة:
_ اطمئني يا ابنتي، أنا أصدقك، وأثق بأنك شريفة طاهرة، اهدئي، وسأوضح لك الأمر، ولن أتركك قبل أن تطمئن نفسك وترتاحي.
أولاً: غشاء البكارة غشاء رقيق يغلق الفتحة الخارجية لمهبل الأنثى منذ وجودها جنيناً في بطن أمها، يوجد فيه ثقوب صغيرة تسمح بمرور دم الدورة الشهرية من خلالها بعد البلوغ، ولا يُمزق بشكل كامل إلا بعد الجماع. يحدث أن تقع الفتاة أو تتعرض لحادث فتنزف قليلاً من الدم، وهذا ليس بالضرورة معناه أن هذا الغشاء الرقيق قد تمزق بشكل كامل، وخير خبير يُفتي في هذا الأمر هو طبيب النسائية، وليس أمك أو جدتك أو أي شخص آخر.
ثانياً: هوية العذرية والطهارة ليس هو غشاء البكارة، بل شيء أعمق من ذلك بكثير.. العذرية عذرية الروح والنفس والمبادئ، وإلا فبماذا تفسرين قيام بعض الأطباء بإجراء عمليات رتق لهذا الغشاء لبعض الفتيات برغم انحراف سلوكهن، بحيث تبدو الفتاة المقبلة على الزواج وكأنها عذراء؟
ثالثاً: ليتني أستطيع لقاء والدتك لأتحدث إليها، كان الأجدر بها أن تقف معك، فتدعمك، وتطمئنك، وتدافع عنك إن استلزم الأمر، لا أن تقذف بك للوساوس والقلق والأفكار السلبية دون أدنى شعور منها بالمسؤولية، فتتخلى عنك في وقت أنت فيه بأمسّ الحاجة إليها. يتضح من كلامك يا صغيرتي أن الجهل هو رفيق درب أمك الذي تتمسك به وتأنس له، وإلا لما كنت ستصابين بالهلع بهذه الطريقة من حادثة مررت بها فقط بسبب بضع نقاط من الدم تناثرت بين ساقيك.
أنا لا أستهين بالأمر، ولا أقلل من أهميته، فمن حقك أن تطمئني على نفسك وتتأكدي بأنك لم تصابي بأذى، ولكن الأمر أخذ أكبر من حجمه بكثير بسبب سوء تصرف أمك.. فلو أنها ببساطة شديدة وببعض الكتمان، صحبتك إلى طبيبة نسائية، فشرحتما لها ما حدث، لقامت بإجراء الكشف الطبي اللازم لك، وطمأنتك أنك بخير.. لانتهى الأمر بعد حدوثه مباشرة دون أن يسبب لك أي مخاوف تقلقك وتوردك موارد الهلاك.
أؤكد لك يا صغيرتي أنك بخير، ولكن اذهبي للطبيبة، وأريحي نفسك من هذه القصة.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.