الاستقلال، العمل، الجمال، الزواج، الأمومة.. تفاصيل الضغط النفسي الذي تعيشه المرأة العربية يومياً

عربي بوست
تم النشر: 2019/03/08 الساعة 16:34 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/06/12 الساعة 13:18 بتوقيت غرينتش
Muslim businesswoman working at her office.

في السنوات القليلة الماضية تربعت الـstrong independent woman على عرش خيال المرأة العربية، مصحوبة بصورة مثالية لمرأة حديدية مستقلة: تجيد التحكم في حياتها، تتقلد مناصب قيادية في شركات أو مؤسسات مهمة، تترأس كيانات كبرى لتحل محل أميرات ديزني حلم الطفولة، اللاتي لا يفعلن شيئاً سوى الغناء والرقص والحب، وينقذهن أميرهن من كل المتاعب (في النسخ القديمة طبعاً، فلقد تفطنت ديزني إلى ذلك وأصبحن strong independent princessses في النسخ الحديثة المعاد إنتاجها).

لكن على أرض الواقع تنتهي كل الأحلام، فرفاهية اختيار الحياة الوردية المصاحبة لأحد هذين النقيضين والعيش بهناء معه غير متاحين إلا لفئة قليلة من النساء، أما البقية فتقبع تماماً في المنتصف، مذبذبين لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، للإنصاف، هذا ليس بسبب تدني حقوق المرأة، فعلى الرغم من أن النسوية العربية قطعت شوطاً كبيراً لا يستهان به وأصبحت المرأة تتمتع بحقوق كثيرة، عوضاً عن أسلافها، فإنها ليست أكثر رضا من ذي قبل، فما السبب؟

إنها قوة اللوم الناعمة بلا شك

حرية المرأة التي تنعم بها الآن يكبلها اللوم والتأنيب المستمر، فحق التعليم والعمل والأمومة حقوق يكفلها القانون، ويستهجنها قطاع كبير من الأفراد، ينغصون فرحة المرأة بكل اختيار تقوم به، فهناك أتباع روسو مؤيدو مبدأ الميادين المنفصلة separate spheres، المؤمنون بأن اختلاف المرأة بيولوجياً جعلها غير مؤهلة للعمل العام puplic sphere (رغم أن هذه الفرضية المزعومة تم دحضها بأكثر من دراسة حديثة)؛ من ثم لا يدخرن جهداً في مهاجمة المرأة العاملة، بداية بالتشكيك في قدراتها وكفاءتها مقابل الرجال في المهنة نفسها، مروراً باتهامها بمخالفة الطبيعه الأنثوية، والتقصير في مهامها التي جُبلت من أجلها، وتارة بالإنانية والعقوق لأطفالها، بل ذهب البعض إلى تحليلات بعيدة، منها أنها سبب ارتفاع نسبة البطالة بين الذكور، وارتفاع نسبة العنوسة بين الفتيات، وتفكك الأسر العربية، لينتهي الأمر بوصفها بانها سبب شرور القرن الـ21، كأن المرأة منعدمة الاحتياجات المادية والنفسية، تذهب إلى العمل، وتشقى لتحقيق موازنة تكاد تكون مستحيلة؛ فقط إغاظة للرجال ونكاية بالمجتمع.

أما المرأة غير العاملة الملازمة لدائرتها Domestic Sphere؛ ظناً منها أنها بمنأى من الهجوم، فتتلقفها سياط المعسكر الآخر ذي الفكر النسوي المتطرف، متهمين إياها بالتخلي عن مكتسبات ناضلن لأجلها دهراً، مبالغين في تصوير العمل كأنه امتياز لا اختيار، مع نظرة دونية إليها كشخصية اتِّكالية غير مستقلة، وتخويف مستمر بأنها ستصبح ظلاً لإنجاز الآخرين، وسيفوتها المجد الذي تصنعه الأخريات، كأنَّ تنشئة أسرة سوية في مجتمع مختلّ المعايير والأخلاق أمر هيّن لا نصَب فيه.

أستطيع أن أتفهم تولي الرجال لهذا الهجوم أو ذاك؛ ظناً أن المرأة تنازعهم سطوتهم أو تقلل من قيمتهم، لكن معركة women versus women غير مسوغة تماماً، وأن تعادي المرأة كل امرأة تختلف عنها شكلاً أو مضموناً فهذا أمر مخزٍ.

الكمال يليق بك

ربما تبدو عبارةً تحفيزيةً في ظاهرها، لكنها أصبحت اليوم تنطوي على ضغط نفسي هائل، ترزح المرأة تحت وطأته، إذ تتضافر كل الجهود لتدفعها نحو جنون الكمال وحافة المثالية، في إشارة واضحة إلى أن النسخة الفطرية منكِ -يا سيدتي- غير كافية، وغير مرضية، وغير مجدية، وبحاجة إلى تعديلات على أيدي الخبراء.

فأنتِ لستِ جميلة كفاية، لذا إليك آلاف المنتجات صُممت خصوصاً لتصبحي مثل دمى باربي، وإن لم تفلح فمارد الفوتوشوب يتكفل بالمهمة. أنت أيضاً أُمٌّ فاشلة وسيصبح أولادك مشوَّهين نفسياً لا محالة، فلِم لا تطبقين الطريقة البهلوانية للتربية الإيجابية وزوجة غبية، فكل هذه النصائح والكتب الأكثر مبيعاً والحيل الرائعة لمستشاري العلاقات الزوجية ولم تتعلمي اللعبة بعدُ!

أما إهمالكِ بشأن صحتك وصحة من تحبينهم، فلن يمر مرور الكرام، وستصابين بسلسلة من الأمراض المعلومة التي لم تُكتشف بعدُ، فلتفرغي محتويات برادك الآن في أقرب سلة قمامة، وتبدأي بزراعة طعامك عضوياً وفقاً لأحدث التوصيات، ثم يأتي خبراء التنمية البشرية بالضربة القاضية يتساءلون في إشفاق بادٍ: أين أنتِ من إنجاز مَن هُم بنصف عمرك؟! لينتهي بها الأمر عالِقة مع هاجس مقيت بالذنب والتقصير وسط مهام لم ولن تُنجز.

لولا قوة الكلمات ما كانت الكلمة الطيبة صدقة

على الأرجح، أنت تعتقد أن الكلام عن قوة اللوم ما هو إلا ترهات نسائية، ولكن الحقيقة أن لجَلد المجتمع والذات اللذين تتعرض لهما المرأة قوةً هائلةً، فالكلمات السلبية تسلب الإنسان طاقته وقدرته على الإمساك بزمام الأمور، ففي كتابهما words can change your brain لعالِم الأعصاب أندرو نيوبورغ وخبير علوم التواصل مارك روبرت والدمان، ذكرا كيف أن الكلمات السلبية كفيلة بأن تُخل بعمل جينات مسؤولة عن إنتاج المُركبات الكيميائية العصبية التي تحمينا من التوتر وتحفز Amygdala، أو ما يُعرف بمركز الخوف في المخ، مطلقة العديد من الهرمونات المسبِّبة للتوتر، معطلةً وظائف المخ الأخرى، ومسببة لاضطرابات عقلية ونفسية.

دعونا نتنفس

لقد أصبح الأمر مختلفاً فيما يخص حقوق المرأة، ليس الأهم المساواة في العمل، الأهم هو المساواة في التقدير لكل اختيار حر تختاره المرأة. كل امرأة هي حالة فريدة من قوة التحمل وقدرة العطاء، مختلفة الفكر والاهتمامات والرغبات، فلندعها تتلمس طريق سعادتها بتوجيه من قلبها وعقلها، ليس بخطة مسبقه للوضع الأمثل، والمحاولات المستمرة لتلميع صورة بعينها أو إطفاء أخرى لا تزيد النساء إلا بؤساً، فكلٌّ مُيَسَّر لما خُلق له. ماذا يفيد إقحامنا في سباقات مصطنعة لا تنتهي، ولا تجعلنا نتقدم إلى الأفضل، بل تنهكنا وتستنفد مخزون طاقتنا قبل حتى أن نبدأ!

 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أميرة مفيد
طبيبة أسنان مصرية
تحميل المزيد