لنجرب أن نكون ضد النظام!

عربي بوست
تم النشر: 2019/03/07 الساعة 16:27 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/03/07 الساعة 16:27 بتوقيت غرينتش
White jigsaw puzzle pieces on blue background. Horizontal composition with copy space. Great use for puzzle concepts.

أعلنت غير ما مرة أني ضد النظام (système )، ضد الذين قيدوا حياتنا وصمموها حسب مقاسات تخدم مصالحهم، ضد كل قاعدة وُضعت دون أن أشارك في وضعها أو أُسأل عن رأيي فيها، ضد كل من يسيّر شؤوني دون أن أفوضه أو أطلب منه ذلك، وجدتني في إحدى المرات أقرأ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومكتوب فيه بالبند العريض "كل شعب له حق تقرير المصير"، كررت قراءته، محاولة استيعاب ما يرمي إليه كاتبو هذا الإعلان والتدقيق في معانيه.

 

ربما "المصير" يقصدون به الحياة، لكن ماذا يمكن أن يقول شخص يعيش في بلد من بلدان العالم الثالث، في حق حياته المسلوبة ومصيره الذي لا يعلم لحدود الساعة من أعدمه، غير أن هذه الإعلانات والاتفاقيات تكمن عالميتها فقط في كتابتها وقراءتها، أما في تطبيقها فهي تخص واضعيها والشعوب التي حالفها الحظ ووجدت نفسها تتموقع في الشمال.

 

جُل تفاصيل حياتنا مفروضة علينا قسراً،  قد يبدو في الظاهر أن لنا حرية الاختيار، إلا أن الحقيقة شيء آخر، فنحن مثل الدمى المتحركة يتحكم فيها شخص "مجهول" يأخذها ذات اليمين وذات الشمال، وأبسط مثال على ذلك نموذج الحياة السعيدة  الذي تم وضعه لتشييئنا، لنصبح مثل تلك الأشياء التي نسعى اليها من دون روح، من دون رؤية أو حتى خصوصية آدمية، لدرجة أنهم رسخوا لدينا قناعة بأن الحياة الهنية وراحة البال تتحققان فقط عندما  تدع شأنك العام وشأنه "وتدخل سوق راسك".

 

حين تجد نفسك في نظام سياسي واقتصادي واجتماعي يتحكم فيه أشخاص بعينهم وأنت تدور في حلقة مفرغة، صوتك مخنوق داخلك، ولو نطقت يتهمونك بالثورة على ما وجدت عليه آباءك وأجدادك، حين تكتشف أنك  مجرد رقم يستعان به عند الحاجة، تارة باسم الديمقراطية، وتارة باسم التطور الاقتصادي، وتارة أخرى باسم الثقافة، وأضعف الإيمان  لاستجداء الدعم الدولي والمساعدات الإنسانية، فلا يسعك إلا أن تصرخ بصوت عالٍ: "أنا  ضد النظام".

 

عندما تتأمل وضع المجتمع وتصنيفنا من بين دول العالم الثالث وأن بيننا وبين الحياة عالمَين، لو تجاوزنا  الثاني فسنتعثر في طريقنا إلى الأول، حين تمعن النظر في وضعية الإنسان الذي كان سبباً في وصول الآخرين للقمة وبقائنا في القاع والظروف اللاإنسانية وترتيب المواطنين إلى مواطن من الدرجة الأولى والمواطن من الدرجة الثانية ومواطن نؤثث به المشهد، سيخطر ببالك  أن المشي على النظام الذي نتجت عنه هذه الصورة السوداء والواقع المر هو نفسه يدفع بك لخوض تجربة "ضد النظام"، ربما نغير شيئاً، وحتى لو فشلنا فلن تكون حياتنا أكثر سواداً مما نعيش فيه.

 

أكثر ما يُحزن في هذا المشهد التراجيدي  الذي وُضعنا في كممثلين "كونباركس"، أن المخرج يخنق أنفاسنا كلما حاولنا إقناعه بأننا بحاجة لاستنشاق الحرية يأخذ بيدنا نحوها، نطل عليها، تلامسها أناملنا، نجالسها، نحكي لها عن متاعب السفر إليها، وفجأة يعيدنا إلى نقطة البداية، مبرراً ذلك بمقولة "إذا أردت شيئاً بقوة فأطلِق سراحه، واترك باب القفص مفتوحاً، فإن عاد إليك فقد كان دائماً لك، وإن لم يعد.. فإنه لم يكن لك من البداية". لكن للأسف لا تعود فيمسح دموعنا ويقول: "الحرية لم تكن لكم من البداية"، وينتهي المشهد وننتهي معه.

 

بعد كل هذه المشاهد وهذه الخيبات والنكسات  ألا يحق لنا أن نجرب، ولو لمرة واحدة، أن نكون أنفسنا ونثور في وجه النظام، وفي وجه كل القوى الاقتصادية والسياسية  التي  اختصرت  آداميتنا في "رقم وسيولة"، أن نصنع عالماً يستحقنا ونستحقه، فإذا فشلنا والفشل وارد في كل تجربة جديدة، فمن بين حقوق الإنسان المشروعة الحق في الفشل.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
هاجر الريسوني
صحفية مغربية
تحميل المزيد