هكذا يقف وبكل فخر يضرب بيده على كرشه قائلاً "هذا عز" يتكرر الموقف كثيراً في الأفلام والحياة اليومية، ولكن صاحبنا أخذ الموضوع على محمل الجد واعتقد أن العز أو الغنى يعطي الإنسان شيئاً مميزاً وثميناً ليخزنه في بطنه، ليكون علامة مسجلة للعز أو الثراء، ولكن مع الوقت اكتشف صاحبنا أن الطبقات المتوسطة وحتى الفقراء لديهم كروش. ثم تعمد صاحبنا أن يسأل كل من يحمل كرشاً عن سبب هذا الانتفاخ! منهم من قال إنه ماء؛ أشرب كثيراً من الماء فيتراكم في بطني ولا يخرج. أحدهم وضح أنه في حاجة شديدة له لأن طبيعة عمله تحتم عليه ارتداء بدلة ويكون الكرش مناسباً مع لبسها؛ يبدو أكثر جمالاً وجذباً. وعندما تحدّث صاحبَنا عن إحدى المشاكل التي قد يسببها الكرش يرد بثقة "الراجل اللي معندوش كرش مايساويش قرش"، أو يبين لك أنه لا يكثر من الأكل ولكن هذا طبيعي لأن طبيعة عملي لا تجعلني قادراً على ممارسة الرياضة.
الكرش لن يظهر في بطنك فجأة ولكنه يأخذ سنوات تحضير وتجهيز طويلة حتى تستطيع الحصول على كرش محترم، لذلك تحلَّ بشيء من الصبر وكثير من المثابرة لتفوز بكرش يليق بك.
وأي شخص ينعم بكرش الآن لابد أن يكون قد مر بواحدة أو أكثر من الخطوات التالية، حيث كان يأكل كميات كبيرة من الأكل تفوق حاجته اليومية وبالتالي يهضم الأكل ويُمتص ويرتفع السكر في الدم ويخرج الأنسولين للسيطرة على الموقف، وبالفعل ينجح في إدخال السكر "الغلوكوز" داخل الخلية ليحترق وينتج الطاقة لتؤدي كل مهامك اليومية، ولكن صاحبنا في حالة ركود لا يتحرك كثيراً ولا يمارس الرياضة فيقوم الجسم بتخزين الفائض في أماكن عديدة مثل تحت الجلد والأرداف والكرش، وتمر الأيام والسنوات وصاحبنا لا يتحرك بقدر كاف فيكبر كرشه تدريجياً حتى يصل بعد مجهود شاق إلى كرش محترم!
وأيضاً كان يفرط صاحبنا في تناول السكر الأبيض والحلويات والنشويات البسيطة كالأرز والخبز الأبيض والمكرونة والبيتزا والوجبات السريعة والأطعمة فائقة المعالجة الغنية بالدهون المشبعة والسكر والملح، ومع الوقت يصاب صاحبنا بمقاومة الأنسولين، السبب الأساسي في ظهور الكرش والسمنة، حيث بعد الأكل والامتصاص يرتفع السكر في الدم ويخرج الأنسولين للسيطرة على الموقف ولكنه لا يقدر بسبب مقاومة الأنسولين، لأنه عانى كثيراً من النظام العذائي السيئ فيقوم البنكرياس بإفراز مزيد من الأنسولين حتى يسيطر على الوضع وبالفعل ينجح، ولكن الأنسولين يكون مرتفعاً في الدم وهو هرمون بناء حيث يقوم بتخزين الفائض في صورة دهون.
أعتقد أن الأمر أصبح أكثر وضوحاً، فالحكاية تتلخص في الإفراط في تناول السكر والنشويات البسيطة وسعرات حرارية زائدة ترفع السكر ويخرج الأنسولين ليقوم بمهمته الأساسية وهي تخزين الفائض ويبدء كرشك في الانتفاخ.
أنت في رحلة بناء الكرش أصبحت معرضاً للإصابة بالسكر والسمنة، وصديقتنا السمنة مصدر للعديد من الأمراض كالضغط وأمراض القلب والأوعية الدموية وبعض أنواع السرطان وصعوبة التنفس خصوصاً أثناء النوم. وبعد النجاح في بناء الكرش وتراكم الدهون تبدأ في التراكم على أعضاء جسمك مثل البنكرياس والكبد والقلب، وتدريجياً تدمر الدهون جسمك وأنت لا تشعر بشيء، ولا يقف الأمر عند ذلك بل تنتج الدهون مواد مثل il-6 و TNF تقوم بإحداث التهابات وتكسير في خلايا جسمك فتعزز الإصابة بالسكر ومقاومة الأنسولين وزيادة الوزن وأنواع محددة من السرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية.
هنا لابد أن نعترف أن المثل القائل "الراجل اللي معندوش كرش مايساويش قرش" خطأ ويجب تصحيحه ليصبح "الراجل اللي عنده كرش مش هيساوي قرش". نعم لن يساوي قرشاً فالسكر والضغط وأمراض القلب والأوعية الدموية والسرطان سوف تدمر حياتك، وتجلس مريضاً لا حول لك ولا قوة منتظراً الموت. لذلك انسف كرشك قبل أن ينسفك، وهذا ما سأوضحه في المقال القادم إن شاء الله.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.