بعد تراجع سطوة "جاريد كوشنير" في إدارة عمه ترامب، وبعد قضية مقتل الصحفي العالمي "جمال خاشقجي" التي فجرت القنبلة الموقوتة قبل أوانها والتي زُرعت هناك في الخليج، وبعد تضييق الخناق حول عنق الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" وتزايد إمكانية عزله، ها هو النائب العام في دولة الاحتلال اليهودي الصهيونية يوجه اتهامات مؤكدة إلى رئيس وزراء الأخيرة "بنيامين نتنياهو" تنوعت بين الفساد والرشاوي وخيانة الأمانة والاحتيال، متزامنة في ذلك مع قرب الحملات الانتخابية التشريعية لدولة الاحتلال، لتكون بمثابة الضربة القاضية والقاتلة لترامب ونتنياهو والعرب الذين يتّبعونهم في مسألة ما سمي بصفقة القرن، وانهيار آخر آمالهم عندما تقضي تلك الاتهامات على الحياة السياسية لنتنياهو إلى الأبد وقريباً.
التهم التي يواجهها نتنياهو لا تقارن حقيقة بتهمة واحدة من تلك التهم التي نحلم بأن يواجه بها يوماً أصغر مسؤول عربي، لكن للأسف فدولة الاحتلال تبقى دولة مؤسسات مقارنة بدولنا نحن العرب، لكن أيضاً ما حقيقة دفاع ترامب المستميت عن صديقه بنيامين نتنياهو في تهمة تتعلق بهدايا فاخرة من السوجار الكوبي والبِدل الباهظة والشامبانيا المعتقة تلقاها كهدايا من رجل الأعمال والملياردير اليهودي "أرنون ميلتشين" في مقابل تسهيل صفقات تجارية للأخير وتأشيرة دخول إلى الولايات المتحدة الأمريكية لعشر سنوات؟.
الحقيقة أن دونالد ترامب يصارع الزمن الآن، على الأقل من أجل بقاء أحدهما في السلطة، هو أو نتنياهو، وكل ذلك للحفاظ على صفقة القرن التي بدأت تتلاشى شيئاً فشيئاً أمام ناظريهما فيما يواجهان دول المؤسسات في الولايات المتحدة وإسرائيل، تلك المؤسساتية التي باتت نقمة الآن عليهما وباقي العرب المطبّعين الذين رهنوا بقاء أنظمتهم ببقاء دولة الكيان الصهيوني والقضاء على القضية الفلسطينية، كيف لا وقد تسلم نتنياهو للتو مفاتيح القدس في وارسو من العرب المطبعين في سبيل تلك الحماية؟!.
أنا شخصياً لا أعتقد أن صفقة القرن بات لها وجود أصلاً، أما مسألة انتهاء الحياة السياسية لنتنياهو فإنني أشك في ذلك على الأقل في الوقت القريب لسبب وجيه، هو أن معظم السياسيين الإسرائيليين الذي سُجنوا نتيجة تهم فساد كأولمرت وغيره الكثير، هم جميعاً من حزب العمال الأكثر انفتاحاً تجاه السلام والفلسطينيين وحل الدولتين مقارنة بحزب الليكود المتطرف، بينما نتنياهو ينتمي للأخير الذي لا يمكن أن يترأسه سوى المتطرفين المجرمين المتعنتين تجاه الفلسطينيين والعرب بشكل عام، فنتنياهو يعتبر الفلسطينيين والعرب حشرات مقرفة يجب القضاء عليها وسحقها لطالما ردد ذلك في خطاباته أمام الكنيست الإسرائيلي، وهذا يستهوي الشعب اليهودي هناك داخل الكيان، وهذا أحد أهم أسباب غياب الزخم الشعبي الذي عادة ما يدفع تجاه تحريك قضايا الفساد وإثارتها وخاصة تلك التي تتعلق بالسياسيين الصهاينة.
لكن أيضاً رغم ذلك، من أين يستمد نتنياهو كل هذه الثقة وكل هذا التبجح وكل هذا التطرف والتعنت والوقاحة والإجرام؟ يستمد كل ذلك يا أخوة من الشعب اليهودي المتطرف بغالبيته كما تعلمون، ومن الزعماء العرب ومن دونالد ترامب الذي وجد مكاناً ليمتدح منهُ نتنياهو حتى هناك في هانوي عاصمة فيتنام خلال القمة الفاشلة التي عُقدت مؤخراً بينه وبين زعيم كوريا الشمالية "كم جونغ أون" حين قال إن نتنياهو "قوي وصلب وذكي" ربما نسي ترامب أن كل تلك الصفات اكتسبها نتنياهو بفضل الزعماء العرب، ونسيَ أيضاً أن نتنياهو القوي الصلب لم يستطع إرسال جندي واحد إلى عمق غزة، بينما تعرَّض لهزائم متتالية في حروبه على غزة، وآخر تلك الحروب لم تستغرق سوى يومين اثنين ثم ذهب بعدها باكياً إلى نظام السيسي طالباً منه التوسط له عند حماس لوقف إطلاق الصواريخ التي جعلت ثلاثة ملايين يهودي يعيشون كالجرذان تحت الأرض، الأمر الذي أدى إلى شلل تام في الحياة هناك، وبعدها ذهب لاهثاً مرة أخرى إلى مخابرات السيسي كمحاولة أخيرة منه وفاشلة من أجل التوسط له عند حماس لوقف مسيرات العودة الغزية التي عرَّت دولة الاحتلال تماماً أمام الرأي العام العالمي مُسقِطة بذلك آخر ورقة توت عن عورتها حين تصدى جيش الاحتلال بوحشية لتلك المسيرات السلمية وقتل 189 شهيداً وخلّف 6100 جريحاً وكان بين الشهداء 35 طفلاً ومسعفون وصحافيون ومعاقون.
اليوم كافأ العالم نتنياهو وترامب بأن أصدر مجلس حقوق الإنسان الدولي في 1 آذار/مارس الجاري تقريراً يؤكد ارتكاب نتنياهو وحكومته وجيشه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية فيما يخص تعاملهم مع مسيرات العودة الغزية التي كان أضخم أسلحتها الطائرات الورقية المشتعلة.
أعزائي، تمعنوا معي إجابة هذا السؤال الذي يحمل جرعة هائلة من الشماتة الواجبة في حق الأعداء، كيف سيتصرف العرب الذين سعوا منذ خمسين سنة إلى التخلص من القضية الفلسطينية وتصفيتها حين يرون زعيمهم الذي نُصِّبَ عليهم بالأمس في وارسو وهو يقبع خلف القضبان، وكيف سيتصرف ترامب؟ وماذا سيفعل التلميذ المدلل جاريد كوشنير مهندس صفقة القرن والمتحمس لها وهو يرى أستاذه في السجن؟ لقد قلناها من قبل، صفقة القرن فشلت، وها نحن نقولها اليوم، صفقة القرن لم تعد في عالمنا بعد اليوم.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.