ما بين التضحية بقطر وتخريب المتظاهرين.. قصة خال البشير ورسائله الغريبة

عدد القراءات
507
عربي بوست
تم النشر: 2019/03/05 الساعة 15:54 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/03/05 الساعة 15:54 بتوقيت غرينتش
الرئيس السوداني وخاله الطيب مصطفى

الطيب مصطفى عبدالرحمن أو "الخال الرئاسي" كما يناديه بعض السودانيين، شخص مثير للجدل متقلب الأهواء والآراء، فمنذ بداية تنفيذ اتفاقية السلام الشامل بين حكومة السودان والحركة الشعبية عام 2005 أخذ يصدح من صحيفته السابقة "الانتباهة" بآراء أقل ما توصف به بأنها مثيرة للجدل، إذ اعتبر عدد من الناس كتابات مصطفى على أنها تؤجج نار العنصرية والكراهية، بينما كان البعض يرون أنه يدافع عن السودان الشمالي في مقابل عنصرية بعض القادة الجنوبيين مثل باقان أموم ودينق ألور وغيرهما.

انقضت فترة تنفيذ اتفاقية السلام وكان الطيب على عكس معظم الشعب السوداني، حيث احتفل الأول بالانفصال وذهاب ثلث مساحة البلاد، زاعماً أن الجنوب لم يكن في يوم من الأيام جزءاً من السودان! بينما عمّ الحزن أرجاء الوطن، وهذا هو الطبيعي، فخسارة جزء من الأرض والسكان ليست سهلة بأي حال من الأحوال مهما كانت المرارات والخلافات السياسية والإثنية.

الطيب مصطفى أخذ في العامين الأخيرين يهاجم الحكومة التي يترأسها ابن أخته البشير، وتحدّث عدة مرات عن استفحال الفساد في مؤسسات الدولة، لكنه ظلّ يوجه كتاباته بعيداً عن البشير؛ فتارّة يهاجم رئيس الوزراء الأسبق بكري حسن صالح، والسابق معتز موسى والوزراء بالطبع، لكنه لم يقترب أبداً من مهاجمة الرئيس عمر البشير، الذي ظلّ يحكم السودان منذ 30 عاماً، وكل مرة يعد الناس بانفراج الأوضاع الاقتصادية وبالحريات السياسية، ثم تذهب وعوده أدراج الرياح ويزداد الحال سوءاً عما عليه.

نعم، جرّب البشير تدوير كل الوجوه التي تحيط به طيلة 30 عاماً ولم يحدث أي تحسن، بل كان الثَمَن في فترة حكمه الطويل ضياع الجنوب واستيلاء مصر على مثلث حلايب بعد تورط نظام الإنقاذ في محاولة اغتيال حسني مبارك  في أديس أبابا عام 1995، وتدمير مشروعات البنية التحتية الكبرى كمشروع الجزيرة والسكة الحديد، لذلك انطلقت المظاهرات التي تطالب برحيل البشير ونظامه في 19 ديسمبر/كانون الأول الماضي ولا تزال مستمرة حتى اليوم لم توقفها القبضة الأمنية الشرسة والقمع ولا وعود البشير ومناوراته وحله للحكومة السابقة، فالمطلب الأساسي لها كان ولا يزال هو رحيل عمر البشير شخصياً وكل النظام الحاكم.

ومع أن الطيب مصطفى كان من المناهضين  لترشح ابن أخته في انتخابات 2020، فإنه سرعان ما أخذ يردد المزاعم التي يقولها قادة الحزب الحاكم بأن المظاهرات يحركها الحزب الشيوعي السوداني، وأن المتظاهرين يريدون استئصال الدين الإسلامي من السودان!

ففي مقاله بصحيفة الانتباهة التي عاد إليها مجدداً بعد أن باع صحيفته "الصحية" إلى جهاز الأمن ممثلاً في شخص رئيس اتحاد الصحفيين الصادق الرزيقي، كما تقول التسريبات، كتب الطيب مصطفى بتاريخ 25 فبراير/شباط الماضي يقول: "صحيح أن أداء المؤتمر الوطني البائس كان محل انتقاد الرئيس البشير المستمر خلال السنتين أو الثلاث الأخيرة، خاصة أمام مجلس الشورى، ولكن التقصير الشنيع الذي حدث خلال الأزمة الأخيرة خاصة في الجانب السياسي والإعلامي الذي سيطرت فيه المعارضة الإسفيرية بالكامل على المشهد، أظهر الحكومة أو الرئيس بمظهر العاري تماماً من أي سند جماهيري، الأمر الذي منح الرئيس مبرراً كافياً للانفكاك من ذلك القيد العاجز ذي الكلفة الباهظة على الأقل خارجياً".

في أولى وقفاتنا مع مقالة الطيب مصطفى نجد أنه يصف ما يحدث منذ الـ19 من ديسمبر/كانون الأول الماضي بأنها "أزمة"، متجاهلاً المظاهرات والوقفات الاحتجاجية التي عمّت كل أنحاء البلاد، والتي قابلتها السلطات وميليشيات النظام بالرصاص الحي والعنف المفرط، مما أدى إلى مقتل أكثر من 50 شخصاً اعترفت الحكومة فقط بـ31 منهم فقط، ويتجاهل تضرر قطاع الاستثمار جراء المظاهرات فمن يأتي ليستثمر في بلدٍ قال رئيس مخابراته  إن هناك 5 جيوش جاهزة للانقضاض عليه! في مسعى منه لتخويف المواطنين وإخماد الثورة، وينسى خال البشير كذلك، إغلاق كل الجامعات الحكومية  وغالبية الجامعات الخاصة بسبب مخاوف النظام من قيادة الطلاب للمظاهرات، ويتجاهل كذلك المد الثوري الذي وصل حتى إلى صالات الأفراح والمناسبات الاجتماعية ومدارس الصغار.

ليست أزمة يا مصطفى بل هي ثورة كاملة ضد نظام قمعي ديكتاتوري فاسد، دمّر البلاد وهجّر أكثر من ثلث أهلها بينما يتشدق البشير بأنه لا يريد أن يتحول السودانيون إلى لائجين متناسيا أن أكثر من 8 ملايين سوداني أُجبروا على الهجرة إلى دول الخليج وأوروبا وأمريكا، كما يتوزع أكثر من 3 ملايين بين دول الجوار مصر وإثيوبيا وتشاد وإفريقيا الوسطى، بل إن الآلاف من الشباب ضاقت بهم سبل اكتساب المعيشة فوصلوا إلى أقصى غرب إفريقيا، موريتانيا والسنغال والنيجر، كما هناك الآلاف الذين غرقت بهم البواخر المتهالكة في البحر المتوسط وهم يحاولون النفاذ بجلدهم إلى أوروبا تهريباً بالطرق غير الشرعية.

وهذا ما قد يفسر حالة الغُبن والتصميم الشديد لدى السودانيين هذه المرة على الإطاحة بالبشير وحزبه، فالرئيس المغيب تماماً عن عملية النزوح والتهجير الضخمة التي شهدها السودان في عهده يؤكد من جديد أنه لا يصلح للاستمرار في الحكم بوعوده وتمنياته التي لم يعد يصدقها أحد، بل أصبحت مادة للتندر والسخرية.

الطيب مصطفى يقول في مقاله: "سيطرت المعارضة الإسفيرية بالكامل على المشهد، وأظهرت الحكومة أو الرئيس بمظهر العاري تماماً من أي سند جماهيري".

نقول له: مَن قال لك إنها المعارضة يا خال الرئيس؟ ومنذ متى لدى المعارضة قواعد كبيرة مثل هذه؟!

هؤلاء هم أبناء السودان الذين شرّدهم نظام البشير، ودمّر طفولتهم وحاضرهم ومستقبلهم.. بلد لا يوجد به أبسط مقومات الحياة من صحة وتعليم وحقوق إنسان وحياة كريمة، ناهيك عن الرفاهية التي يتحدث عنها البشير في خطاب الطوارئ الأخير، هؤلاء الشباب وحتى العديد من كبار السن يريدون أن يروا سوداناً آخر غير الذي يسيطر عليه البشير وحزبه بالقبضة الحديدية، فهُم يأملون في أن تنعم البلاد بالحرية والديمقراطية وحكم المؤسسة لا الفرد، ويريدون أن يعود السودان منتجاً ومُصدّراً للغذاء لا متسولاً يستجدي مساعدات الدول الشقيقة حفنةً من الدولارات أو شحنات القمح التي من العار أن ترسلها بلدان قاحلة مهما كانت ثرية لبلدٍ به 200 مليون فدان صالحة للزراعة وبه أكثر من 9 أنهار وروافد مائية عذبة كان قبل مجيء حكومة البشير المحسوبة على الإخوان المسلمين يُصدّر أجود أنواع القطن والصمغ العربي والمنتجات الزراعية.

والشباب الذين خرجوا ويخرجون منذ 19 من ديسمبر/كانون الأول سئموا من خطابات البشير ونظرية المؤامرة والشعارات الدينية التي يكررها منذ 30 عاماً؛ لذا هم يتطلعون إلى أن يقود بلادهم رئيس شاب مستنير يفتخرون به ويخاطبهم بذات اللغة التي يفهمونها، لا بلغة العنتريات والوعيد ولا بالمنِّ عليهم بقليلٍ من الإنجازات الرديئة مثل الطرق غير المطابقة للمواصفات العالمية وسد مروي أثبت فشله بدليل استيراد الكهرباء من الجارة إثيوبيا.

انتفض الشباب السوداني وليس الشيوعيين وحدهم كما تزعم يا الطيب مصطفى؛ لأنهم يريدون أن يقودهم رئيس جديد مؤهل يستطيع الجلوس إلى نظرائه في أوروبا وأمريكا وليست عليه قيود سفر دولية وليس متهماً بالتورط في جرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية، تجعله مقيد الحركة وغائباً عن الفعاليات العالمية المهمة مثل الجمعية العامة للأمم المتحدة والمؤتمرات المهمة.

لكل هذه الأسباب وغيرها ثار السودانيون وليس الشيوعيين يا الطيب مصطفى، فالشيوعي حزب صفوي يتمثل وجوده في طبقات محددة من المثقفين والعمال، فمن أين للشيوعيين بهذه الأعداد الكبيرة من الجماهير التي خرج كثيرٌ منها من المساجد عقب صلاة الجمعة، الأمر الذي يدحض حديثكم الساذج عن أن المتظاهرين مناهضون للدين الإسلامي، مثلما ضحد الشباب المتظاهر كلام ابن أختك البشير الذي كان يصفهم بـ"المخربين"، فالمظاهرات التي تنطلق وسط الأسواق وأكبر المحال التجارية ومؤسسات الدولة وتبث على الهواء مباشرة لم تشهد حالة تخريب واحدة في العاصمة والمدن الكبرى، بل إن الميليشيات تقابل هؤلاء العزل بالقمع العنيف وبالرصاص الحي واعتقال وإهانة النساء.

الوقفة الثالثة مع مقال خال البشير في فقرته التي جاء فيها:

"يعلم الناس كيف ألقت بعض دول الخليج بكل ثِقلها خلف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وكيف ساندته قبل أن يقدم على تعويم الجنيه المصري، بعشرات المليارات من الدولارات مكنته من رصد مبلغ ضخم من الاحتياطي، الأمر الذي ثبت سعر العملة الحرة في مقابل الجنيه المصري. لا أجد مبرراً قوياً لموقف السودان إزاء الخلاف بين معسكرَي قطر والإمارات، فقد دفع السودان وما زال ثمن ذلك الحياد بعد أن عاقبه الطرفان بمقاطعة مؤلمة، وبالرغم من تعاطفي مع قطر التي ظلت على الدوام نصيراً للسودان، إلا أن الانحياز لأي من الطرفين مبرر تماماً في ظل التداعيات الكارثية التي يمكن أن تنجم عن الأزمة الاقتصادية، خاصة بعد اشتعال الاحتجاجات الأخيرة، ولا مقارنة بين الخسارة الناجمة عن الانحياز لأي من المعسكرين وسقوط السودان في مستنقع الفتنة وانهيار الدولة السودانية، ففي الفقه الإسلامي سعة تجيز أكل الميتة عند الضرورة".

هنا يؤكد الطيب مصطفى ميكافيليته وأنه كما ابن أخته ليس لديه مبادئ ولا أخلاق، فقط يعمل بمبدأ الغاية تبرر الوسيلة، فالرجل قبل أشهر قليلة كتب مقالاً ردّ فيه بشدة على السفير السعودي لدى السودان علي بن حسن جعفر، عندما طالب الأخير حكومة البشير بموقف حازم من أزمة بلاده مع قطر، ودافع الطيب مصطفى عن قطر  أشد الدفاع في مقالاتٍ عديدةٍ وفي تصريحات بالبرلمان وغيره، معتبراً أن الواجب يحتم على حكومة البشير الوقوف الصريح إلى جانب قطر كنوع من رد الجميل لمواقفها المشرفة تجاه السودان، ولكن ها هو اليوم ينقلب عليها بكل بساطة ويتخذ من السيسي قدوة ودليلاً على الحنكة السياسية رغم هجومه الدائم عليه ودفاعه عما يتعرّض إليه الإخوان المسلمون في مصر.

يقول في تبريره: "لا مقارنة بين الخسارة الناجمة عن الانحياز لأي من المعسكرين وسقوط السودان في مستنقع الفتنة وانهيار الدولة السودانية، ففي الفقه الإسلامي سعة تجيز أكل الميتة عند الضرورة"، إذاً يُشبّه الطيب مصطفى دولة قطر بـ "الميتة" ضمناً في مقاله ويبيح التضحية بها تجنباً لسقوط الدولة وانهيارها كما يزعم، ولكن نقول للطيب بصريح العبارة: "هل الدولة فعلاً مهددة بالانهيار؟ أم البشير والنظام الحاكم؟!".

في تقديرنا، لا يخفى على أحدٍ مطلقاً أنه لا تهديد يواجه السودان كدولة من متظاهرين سلميين، والحل سهل جداً ومعروف وبسيط هو تنحي البشير فوراً وإفساح المجال لحكومة انتقالية مدنية من التكنوقراط تقوم بتهيئة المجال لصياغة دستور جديد ولقيام انتخابات حرة ونزيهة تنهي هذه الحقبة المظلمة من تاريخ السودان.

أخيراً نقول للطيب مصطفى: ألا تشعر بالخجل وأنت تدعو في مقالك إلى تسوُّل مساعدات الغير أياً كانوا بعد 30 عاماً من حكم البشير لبلدٍ كان يوصف بـ "سلة غذاء العالم"، لديه موارد طبيعية هائلة كفيلة بجعله دولة عظمى.. انظر كيف تتقدم دول الجوار الإفريقي من حولنا وهي لا تملك 10% من مواردنا هل تجد فيها من يستجدي الدول الصديقة للحصول على القمح والوقود؟!

 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
محمد جامع
صحفي متخصص بالشأن الأفريقي
محمد مصطفى جامع، كاتب وصحفي سوداني، حاصل على بكالوريوس الإعلام من جامعة وادي النيل، أعمل حالياً على ماجستير في الإذاعات الرقمية، أجد نفسي في الكتابة عن دول شرق إفريقيا، ونُشرت لي عنها أكثر من 300 مقالة وتقرير في عدة صحف عربية، أعشق القهوة وأحب الحوار الهادئ المتعمق.
تحميل المزيد