حادث قطار في محطة رمسيس أعاد للأذهان تاريخاً دامياً لحوادث القطارات في مصر، حوادث القطارات هي نوع من الكوارث. وعادة ما تحدث بسبب فقدان الاتصال، أو حينما يتحرك قطار فيصطدم بقطار آخر يسير على نفس المسار، أو عند خروج إحدى عجلات القطار عن القضبان، لكن لم نسمع عن حادث يترك فيها السائق عربة القطار ليتشاجر مع سائق آخر.
هذا ما صرحت به وسائل الإعلام وهذا ما قاله السائق نفسه ليتحمل المسؤولية كاملة قبل التحقيقات أو تكليف لجان فنية لبحث أسباب الحادث، فهل حقاً السائق هو المتسبب الوحيد أم هذه بروباجندا لصرف أعين الناس عن السائق الحقيقي والمتسبب الرئيسي في جميع الفوضى والحوادث التي تحدث في مصر؟
في مصر.. تركب القطر هتموت.. تروح المدرسة هتموت.. تسافر بالأتوبيس هتموت… تروح الاستاد تشجع هتموت.. تروح تجيب حقك أو حق أخوك هتموت.. ما تتفاجئش لو ابنك نزل في يوم ما رجعش لأنه مصري..
كانت هذه الكلمات اليائسة التي كتبها شباب الوايت نايتس WWk07 في غرافيتي على الجدران لتصف تنوع أسباب الموت في مصر.
في مصر دائماً المشهد يكون جلياً والكارثة دائماً ما تكون مأساوية، فحادث قطار محطة مصر أحرق كل شيء؛ الأجساد والقلوب بل أحرق أيضاً الإنسانية في قلوب بعض البشر.
فبالرغم من بشاعة الحادثة وجلالة الموت وقدسيته التي لا تجوز معها المُزايدة والحماقة وتصفية الحسابات السياسية، لكن دائماً ما تجد مع كل مصاب على أرض مصر دماء الكادحين تروي الأرض.. وتجار الدين والوطنية يتصارعون لتصفية حساباتهم.
تتعدد أسباب كوارث القطارات والنتيجة دائماً واحدة: موت مئات المواطنين على القضبان أو إصابتهم، رغم تكرار الحوادث نفسها بصورة مستمرة، وسط غياب تام للاهتمام بملف إصلاح السكك الحديدية من قِبل المسؤولين عن قطاع النقل، فلا تجد مسؤولاً يحاسب على الإهمال الذي يتسبب في مثل هذه الكوارث.
في مصر كل شيء معقَّد؛ الإجراءات إلا الكوارث والمصائب.. في بلادي مصر المواطن هو مَن يدفع الثمن، هو فقط مَن يدفع ثمن الإهمال أو حتى الإصلاح والتطوير.
نعم لم يكن الرئيس عبد الفتاح السيسي هو مَن يقود القطار بالفعل.. لكنه أنفق موارد البلاد على إنشاءات ومشاريع لم تلامس المشاكل الحقيقية للمواطن ، مهملاً تطوير مرافق السكك الحديدية، نظراً لـ"ارتفاع قيمة تطويرها".
فــ80 ألف جنيه تصرف كتعويض بالتأكيد هي أقل تكلفة فخامة الرئيس من الإصلاحات أو التطوير.. 80 ألف جنيه هي قيمة الموتى في واحدة من أبشع الحوادث التي احترقت بسببها قلوب المصريين قبل أجسادهم.
فالتعويضات يبدو أنها هي الحل الأسهل للتعامل مع الكوارث المتلاحقة علينا في مصر، فتصرف التعويضات لأهالي المتوفين والمصابين ويحاسَب "المقصّرون" الذين لن يخرجوا عن عمال وموظفين صغار هم أيضاً ضحايا أوقعهم شظف العيش والإهمال وقلة الحيلة، في التقصير والخطأ فتناسوا أنهم مسؤولون عن أرواح بعض البشر.
فالموت بين نيران وحديد القطار وإن كان أكثر بشاعة.. ولكني أخشى أن هذه الكارثة صورة ليست ببعيدة عما يحدث في مصر الدولة، نخشى أن تبقى هذه السياسة الرعناء خارجة عن مسارها الصحيح لننتظر الموت أيضاً على الأسفلت وتحت خرسانات العمارات المتهالكة وبين مكونات الأكل المسرطن والشراب والهواء الفاسدين.. حتى تصل بنا إلى الهاوية.
سيادة الرئيس.. أوجه لك كلمات وجَّهها من قبل الشيخ أسامة الأزهري للرئيس مرسي في مقال له نشر بجريدة الوطن إبان حادثة مشابهة لأحد القطارات قائلاً: (هؤلاء جميعاً أمانة في يدك، وأنت مسؤول عنهم أمام الله تعالى، وقد بلغ الإهمال من المسؤولين عن شعبك أن الكوارث تحصده حصداً كما ترى، فلا تتهاون في محاسبة المسؤول مهما كان حجمه ومركزه، وإلا فدماؤهم في رقبتك، وها نحن نقول: واسيساه، فهل من مجيب؟).
أحقاً معنى الأحرف التي نراها مكتوبة على القطارات "س. ح. م" سكك حديد مصر أم هي سكك حديد موت؟
"لكِ يا مصر السلامة وسلاماً يا بلادي".
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.