لماذا يضغط ترامب لجعل أسعار النفط أقل من 70 دولاراً للبرميل؟

عدد القراءات
812
تم النشر: 2019/03/01 الساعة 13:14 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/03/01 الساعة 13:14 بتوقيت غرينتش
الرئيس الأميركي دونالد ترامب

أولاً: في 19 أبريل/نيسان 2018 لامس خام برنت لأول مرة خلال العام الماضي مستوى 74.75 دولار للبرميل، حينها بدأ ترامب في إطلاق تغريداته الاعتراضية على منظمة أوبك بأن أسعار النفط المرتفعة والمصطنعة غير مقبولة؛ ليأتي تدخُّل ترامب بنتيجة سعرية عكسية استمرت أكثر من شهر تحلّق فيها أسعار خام برنت حتى حدود مستوى 80.49 دولار للبرميل.

 

ثانياً: في 30 يونيو/حزيران 2018 سجَّل خام برنت فيها مستوى 79.70 دولار للبرميل في إغلاق اليوم السابق، حينها أعلن ترامب أن المملكة العربية السعودية وافقت على طلبه بزيادة إنتاجها النفطي لتعويض الفاقد من ليبيا وفنزويلا، وللحد من ارتفاع الأسعار، هنا تلاقت على شاشات النفط الساخن رؤيتا الحليفين أمريكا والسعودية، واستجابت الأسعار للرغبة الأمريكية وبدأت في استراحة سعرية حتى مستوى 72 دولاراً للبرميل.

 

ثالثاً: لم تجرؤ أسعار النفط على اللعب بفاعلية فوق مستوى 80 دولاراً للبرميل من آخر يونيو/حزيران حتى 21 سبتمبر/أيلول 2018، حينها خرج ترامب للمرة الثالثة ولكن أكثر غضباً واندفاعاً في توزيع اتهاماته على الجميع للحد من انطلاق الذهب الأسود فوق 80 دولاراً، وزاد ترامب من وتيرة اتهاماته لأوبك بالاحتكار والتلاعب بالأسعار ضد المصلحة الأمريكية، وذكر دولاً في الشرق الأوسط بأنها لا تدفع سوى ثلث الثمن المطلوب للحماية الأمريكية التي تتمتع بها، بل وطفا على السطح مجدداً الحديث عن قانون نوبيك الأمريكي الذي يسعى لتصنيف أوبك كمنظمة احتكارية، كما يرفع الحصانة السيادية عن أعضاء أوبك لمقاضاتهم أمام المحاكم الأمريكية.

 

رابعاً: اشتعلت المعركة السعرية لمدة تسع جلسات تداول فقط انتفض فيها خام برنت إلى أعلى مستوى له خلال 2018 حتى مستوى 86.74 دولار للبرميل، الذي سجله في يوم 3 أكتوبر/تشرين الأول  2018، وهو نفس اليوم الذي شهد القمة التاريخية لمؤشر Dow Jones الأمريكي عند مستوى 26951 نقطة، وفي فترة قصيرة تدل على نجاح التأثير السياسي لترامب على النفط، حدث منذ الثالث من أكتوبر/تشرين الأول حتى إجراء الانتخابات النصفية الأمريكية في 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2018 تراجع جديد لخام برنت؛ ليفقد نحو 14.94% ويستقر حول 72 دولاراً للبرميل مع دخول العقوبات الأمريكية على إيران حيز التنفيذ.

 

خامساً: تسلسل تلك المشاهد يؤكد على تحقيق رغبة ترامب في نفط منخفض السعر لعدة أسباب، أبرزها ارتفاع الاستهلاك الأمريكي من النفط إلى ما يتجاوز العشرين مليون برميل يومياً، يتم استيراد نصفها من الخارج، خاصة من دول منظمة أوبك، وذلك لتغطية الاستهلاك اليومي ولتقليص عجز الاحتياطي الأمريكي من النفط، وحسب تقديرات بلومبيرغ، فإن كل دولار زيادة فوق مستوى 65 دولاراً للبرميل يكلف الخزانة الأمريكية 10 ملايين دولار يومياً، وكثيراً ما اتهم خبراء الاقتصاد في الحزب الديمقراطي الرئيس ترامب بالتهاون في أمر أسعار الطاقة للمواطن الأمريكي، فمنذ تنصيبه في يناير/كانون الثاني 2017 ارتفعت أسعار البنزين بنحو 25%، كما أن استمرار أسعار النفط فوق 70 دولاراً يهدد بتآكل عوائد الإصلاح الضريبي الذي يزعمه ترامب، خاصة التخفيضات الضريبية.

 

سادساً: مستوى 80 دولاراً لبرميل النفط مؤلم ومُعيق للسياسات الأمريكية الخارجية، خاصة المتعلقة بالعقوبات على إيران التي تمثل الإيرادات النفطية ربع مصادر ميزانيتها العامة، بتمويل يصل إلى 27.4 مليار دولار سنوياً، وهو ما يتحقق حده الأدنى بتوافر تصدير مليون برميل يومياً من النفط فوق مستوى 70 دولاراً للبرميل، وبالتالي أي فروقات سعرية ونقدية لأعلى تُدر عوائد مالية أكبر للنظام الإيراني؛ مما يفسد منطق العقوبات الأمريكية عليه.

 

سابعاً: طفت على السطح اتهامات انتخابية بضعف جدوى الجولة الثانية من العقوبات ضد إيران، وزادت حدة المطالبات الأمريكية بتصفير صادرات النفط الإيراني إلى العالم، ولكن ترامب الذي يخشى صدمة سعرية في أسواق الطاقة ترتفع فيها الأسعار فيتأزم موقفه داخلياً وخارجياً، سلك مسارين جيدين لطمأنة الأسواق؛ أولهما السماح بإعفاء أمريكي مؤقت من حظر استيراد النفط الإيراني لثماني دول ينتهي في أول مايو/أيار 2019 يسمح من خلاله لإيران بتصدير 1.2 مليون برميل يومياً فقط، على أن يتم تصفير صادرات طهران النفطية بحلول النصف الثاني من 2019، بالإضافة إلى المسار الثاني بتشجيعه لاتفاق أوبك بلس الأخير بتخفيض الإنتاج النفطي بنحو 1.2 مليون برميل يومياً، وهو ما أتى بآثار إيجابية في استقرار ودعم أسواق الطاقة منذ مطلع 2019 بعد عاصفة ضغوط سياسية مسحت نحو 35% من أسعار النفط خلال الربع الأخير من 2018.

 

ثامناً: في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني  2018 جرى تسريب دراسة أكاديمية انتشرت بشكل واسع عن احتمال تخارج السعودية من منظمة أوبك، وهو ما يؤشر على تفكك المنظمة وخروج الأسواق عن السيطرة في المستقبل، وعلى جانب آخر متزامناً مع التسريب خرج الرئيس ترامب ليشكر المملكة على تعاونها ودورها المهم في خفض الأسعار التي استقرت حينها عند مستوى 54 دولاراً للبرميل، مع العلم بأن نفط السعودية البعيد يغطي نحو 11% فقط من الاحتياجات الأمريكية مقابل نحو 44% لنفط كندا الملاصق للحدود الأمريكية، مما يؤكد مجدداً الأولوية السياسية في حركة النفط على حساب أي منطق اقتصادي.

تاسعاً: في يناير/كانون الثاني 2019 قامت المملكة العربية السعودية بالتقليص من إنتاجها النفطي بأكثر من 400 ألف برميل يومياً، من 10.643 برميل يومياً في ديسمبر/كانون الأول 2018 وصولاً لنحو 10.24 برميل يومياً في يناير/كانون الثاني 2019، وهو أكثر من معدل الخفض المطلوب منها بنحو 70 ألف برميل يومياً، حسب اتفاق أوبك بلس الذي أشار إلى تخفيض إنتاج المملكة للنفط عند مستوى 10.311 مليون برميل يومياً فقط، وإظهار التزام السعودية زعيمة أوبك باتفاق الخفض تصدر المملكة نحو 7.1 مليون برميل يومياً فقط في فبراير/شباط 2019 بعد أن قامت بتصدير 7.2 مليون برميل يومياً في يناير/كانون الثاني الماضي، هذا على الرغم من استمرار المستويات القياسية للخام الأمريكي الذي تجاوز 12 مليون برميل يومياً، لتكون الولايات المتحدة المنتج الأول للنفط في العالم متفوقة على المنتجين الكبار "السعودية وروسيا".

عاشراً: بعد ست مرات صريحة خلال عام 2018 وفي 25 فبراير/شباط 2019 يعود الرئيس ترامب للتدخل مرة أخرى في أسعار النفط للمرة الأولى خلال العام الجاري بعد ارتفاع النفط بنحو 20.76% منذ بداية العام إلى حدود 68 دولاراً للبرميل، وذلك عبر دعوته منتجي أوبك للاسترخاء؛ لأن الأسعار ارتفعت أكثر مما يجب، وهي في الحقيقة اقتربت من مستوى السبعين دولاراً الذي يؤرقه كثيراً! ويستجيب النفط الوفي لرغبة ترامب مرة أخرى، وسط معطيات معقدة من تباطؤ نمو الصين والعقوبات الاقتصادية على فنزويلا وإيران ومستجدات جيوسياسية قيد التحضير ربما تجبر النفط على احترام أساسيات السوق المزعومة، والتمرد على حسابات ترامب يوماً ما.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
محمد مهدي عبدالنبي
باحث اقتصادي ووسيط مالي بالبورصة المصرية
محمد مهدي عبدالنبي من مواليد 2 مارس 1983. كاتب اقتصادي، وخبير أسواق المال العالمية، ووسيط مالي معتمد بالبورصة المصرية منذ العام 2006.
تحميل المزيد