مرت ثمانية أعوام منذ أن خرجنا إلى الشوارع في الاحتجاجات التي أدت إلى الإطاحة الرئيس المصري حسني مبارك صاحب أطول مدة في المنصب، والمعروف أيضاً بـ "الفرعون"، وذلك بعد 30 عاماً من حكمه. ومنذ ذلك الحين، تحولنا من مصوتين يخوضون تجربة التصويت لأول مرة إلى مصوتين متمرسين، فقد توجهنا إلى صناديق الاقتراع تسع مرات من أجل الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية أو التصويت على الدستور. اُنتخب رئيسنا الحالي عبد الفتاح السيسي لمدة أخرى في أبريل/نيسان الماضي ليمكث في منصبه لأربع سنوات أخرى: وهي مدته الرئاسية الثانية، والأخيرة بموجب دستور 2014. أو هكذا اعتقدنا.
في وقت سابق من هذا الشهر، سارع البرلمان بتقديم مجموعة من التعديلات على الدستور وناقشها وأقر بموافقته على مبدأ تعديلها. سوف يتسع نطاق سلطات الرئيس -من خلال سلطة أكبر للإشراف على الأجهزة الرئيسية التي تشكل أعمدة الدولة، بما في ذلك سلطة تعيين رؤساء الهيئات القضائية- وسوف تمتد مدة بقائه في المنصب. سوف يستمر العمل ببند المدتين الرئاسيتين، ولكن كل مدة ستكون ست سنوات. وبموجب استثناء خاص، سوف يُسمح للسيسي بالترشح مرة ثالثة ورابعة وفقاً للبنود الجديدة. ومن ثم سيكون قادراً على البقاء في المنصب حتى عام 2034.
تذكرنا التعديلات المقترحة بالتعديلات التي أجرتها تركيا على دستور 2017، التي تناولها بعض من أبرز مذيعي البرامج الحوارية في مصر وأدانوها إدانة شديدة في هذا الوقت. وينتشر على مواقع التواصل الاجتماعي في هذه الأيام فيديو يسخر من الموقف الحالي في مصر من خلال مجموعة من اللقطات التي تتحدث عن ديكتاتورية التعديلات ولكن سيتضح في نهاية الفيديو أنها تتحدث عن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وليس السيسي. وتنوعت هذه التعليقات بين: "(صار) ديكتاتوراً رسمياً"، و "فصَّل دستور"، و "مختصر التعديلات، إنه الحاكم لا شريك له"، و "قال … السنوات (الماضية) من الحكم لا تُحتسب".
تناولت صفحة "الموقف المصري" على موقع فيسبوك ما يحدث في مصر تناولاً حازماً، ونشرت فيديوهات لمواطنين عاديين وبعض الشخصيات المعروفة (مثل أستاذة العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية رباب المهدي) وهم يحذرون من أن العبث بالدستور قد يعني صناعة فرعون آخر. وانتشرت لقطات لأعضاء برلمانيين يقفون أمام جميع أعضاء المجلس معبرين عن رفضهم الشديد للتعديلات. في الرابع عشر من فبراير/شباط، صوت 16 نائباً (بعض الإحصائيات تقول 17) ضد التعديلات المقترحة، مقارنة بـ 485 صوتاً مؤيدين للتعديلات. قال أحد النواب الرافضين لهذه التعديلات، وهو النائب أحمد طنطاوي، إن التغييرات كانت "عودة بنظام الحكم إلى أسوأ مما كان قبل 25 يناير". فحتى في ظل حكم الرئيس مبارك، لم يكن الجيش متجذراً بهذه الطريقة في الشؤون اليومية للحكومة. ولم تتعرض المعارضة لهذا القدر من القمع الشديد.
لا تزال التعديلات تنتظر استعراضها والنقاش حولها والموافقة عليها عن طريق لجنة خاصة ثم إعادتها إلى البرلمان والاستفتاء عليها. يمكن أن ينتهي كل هذا تقريباً في منتصف أبريل/نيسان. ولا يقتصر السؤال على ما سيحدث في الاستفتاء، بل يمتد أيضاً إلى ما سيحدث حتى هذا الموعد، وهو ما قد يكون أهم من الاستفتاء نفسه.
استهان كثير من المعلقين بالاستفتاء باعتباره مجرد تحصيل حاصل، أو حدث منظم ستسود فيه كلمة "نعم" بالتزوير. أما السؤال الذي يبرز على ما يبدو بين دوائر النخب -من أطباء، وأساتذة جامعيين، ونواب سابقين تحدثت إليهم في القاهرة- فيتعلق بما إذا كان المصريون يدركون مغبة التعديلات التي يُطلب منهم التصويت عليها، أوما إذا كانوا، مثلما هو الحال مع البريطانيين عند التصويت على الخروج من الاتحاد البريطاني (البريكست)، لا يُقدِّرون التداعيات الكاملة. يبدو ذلك السؤال في الواقع غير ذي صلة. فما يدركه المصريون أن السيسي قد يحكم لـ 15 سنة أخرى. وما يعرفونه أنهم بالكاد قادرون على تحمل تكاليف المعيشة في ظل حكمه.
عندما تتحدث إلى المصريين في شوارع القاهرة، وفي ضواحي المدينة، وفي العشوائيات الفقيرة، وعندما تسافر إلى محافظة الإسكندرية أو المنيا أو أبعد من ذلك جنوباً، سيتضح أن صعوبة الحياة اليومية هي التي تُملي على الجمهور طريقة تفكير حول تعديل الدستور. يعرف الشعب أنه منذ انتخاب الرئيس ارتفعت الأسعار وهبطت قيمة الجنيه المصري. كان سعر تذكرة المترو جنيهاً واحداً في 2014، وصارت الآن 7 جنيهات. كانت أنبوبة الغاز تباع بـ 8 جنيهات، وصارت بـ 50 جنيهاً. يعرف الشعب أن تدابير التقشف التي طبقتها الحكومة مقابل الحصول على قرض كبير مستحق إلى صندوق النقد الدولي، قد أضرَّتهم. ويعرفون أنهم يريدون التغيير.
انتقد معارضو الحكومة، أو معارضو التعديلات الدستورية، التغييرات المُقتَرَحة، لكن حتى الآن ما من جدلٍ قانوني رسمي ولا حملة رافضة في الساحة. ومع ذلك، يُقدِّم الوضع الراهن فرصةً جديدةً، خاصةً بالنسبة للمعارضة، لتوجيه المسار السياسي للبلاد.
جاءت نقطة التحوُّل لثورة 2011 في 1 فبراير من ذلك العام، بعد أيامٍ من فرار الأمن المركزي من مراكزه، ثم دعا المتظاهرون إلى مليونية. حينها سمعت أصدقاءً وأفراداً من العائلة، من أولئك الذين كانوا حتى تلك النقطة خائفين من التظاهر، يريدون هم أيضاً النزول إلى الشارع. أرادوا أن يكونوا جزءاً من تلك المليونية. كانت تلك هي اللحظة التي أدَّت في نهاية المطاف إلى الإطاحة بمبارك. وبالمثل، يمثِّل الاستفتاء القادم لحظةً للحشد حول هذا السخط الواسع.
إنها فرصةٌ لليسار والليبراليين وأولئك من ذوي النفوذ السياسي أو الاقتصادي لإطلاق حملة للتصويت بـ"لا"، ولحماية الناس من البلطجة أو الترهيب في مراكز الاقتراع، اعتماداً على روح الثورة في التنظيم. إنها فرصةٌ لاستعادة لبعض القوة السياسية التي فقدناها.
إنها أيضاً فرصةٌ للسيسي. بينما اعترض البرلماني طلعت خليل على التعديلات، فقد تساءل مؤخراً: "هل قام أي شخصٍ بالتشاور مع ناخبيه أو حتى مع الرئيس نفسه؟ هل نعرف أنه يريد البقاء؟". وطَرَحَ أن التعديلات قد صيغت بخدمةٍ ذاتيةٍ من مجموعةٍ مختارةٍ من النواب البرلمانيين المتحالفين مع الرئيس. ومع أن التعديلات المقترحة قد أُعِدَّت، يمكن للسيسي أن يرفضها الآن، أو حتى بمجرد الانتهاء من صياغتها، على خلفية أنها تنتهك عقده مع شعب مصر.
في العام 2017، في مقابلةٍ كثيراً ما يُقتَبَس منها مع شبكة CNBC، تعهَّدَ السيسي بالالتزام بالمبادئ الموضوعة في الدستور، لاسيما حدود فترات الرئاسة. وما إذا كان يتعيَّن احترام تلك المبادئ أم لا، فذلك قرارٌ يمكن أن يوضع أمام الشعب في الأشهر المقبلة. لكن ربما يتمسَّك الرئيس نفسه به، وهذا سيكون أهم بالنسبة للبلد بأسره.
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The New York Times الأمريكية.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.