بعد الجدل الكبير الذي أثاره فوز رامي مالك بين المصريين والذي تابعته وتابعه الكثيرون على مواقع التواصل الاجتماعي، سألت نفسي: هل يحق لنا كمصريين الفرح برامي مالك كأنه واحدٌ منا؟
الفكرة هنا بكل بساطة أن رامي مالك وبناء على حوارات إعلامية كثيرة جداً، يبدو متحدثاً جيداً جداً، ولا يصرح بكلمة إلا ويقصدها، بل فيما يخص خطابات الجوائز بالتحديد، فإن رامي يحفظها قبل إلقائها، ويقوم بتأدية الوقفة بشكل معين أمام الجمهور.
هذا أسلوبه في التمثيل وفي الحوارات الإعلامية أيضاً، وبالتالي فإن الرجل فعلاً معتز بأسرته الصغيرة والكبيرة في الصعيد، وبالإرث الثقافي والفني والموسيقي المصري – ذكر هذا الكلام حرفياً في حوار صحفي سابق وفي المؤتمر الصحفي عقب حصوله على جائزة الأوسكار.
بالتالي فإن الرجل بالتأكيد يحمل أشياء مشتركة مع البشر البائسين الذين كُتب عليهم الانتماء لمصر بأي شكل من الأشكال.
وهنا نأتي لنقطة ثانية وهامة: إننا لا نتحدث عن مصر هنا باعتبارها دولة أو جنسية، لكن باعتبارها إرثاً ثقافياً وحضارياً وإنسانياً.
الفكرة هي في الأسرة والأهل والبشر والشعب، الذين رغم تجويعهم وتخريب عقولهم طوال عهود من سيطرة اليمين بكل أنواعه، فإننا نشعر بالمشاركة والانتماء لهم.
لذلك بكل بساطة، نعم نحن كمصريين من حقنا الفرح كبشر، نشعر أننا موصومون بالهزيمة دائماً، وأن الانكسار أصبح شعوراً يتواجد داخلنا بالفطرة. فمن الطبيعي أن نفرح بأن أحدنا قد امتلك القدرة على الفوز والانتصار في منافسة عالمية.
لأن هذا الانتصار إثبات ودليل لنا أننا نستطيع الفوز والانتصار أيضاً، ويُذكرنا كلما نسينا.
خصوصاً أننا وُلدنا في بلد يتم تذكيرنا فيه دائماً وأبداً أنه لا يحق لنا أن نطلب العيش كالشعوب الأوروبية والأمريكية، لأننا لا نشبههم ولن نكون يوماً مثلهم.
هذا الشعور الفطري بالدونية الذي يتواجد لدى أجيال وأجيال من المصريين يدفعنا للسعادة والاحتفال بفوز رامي مالك، أو أي شخص آخر ينتمي لنا بالجينات المصرية.
ونحن كمتمردين على الأفكار الانهزامية التي نتربى عليها في مجتمعنا، بالتأكيد سنحتفل ونُهنئ أنفسنا بانتصار أحد المتأثرين بإرثنا فكرياً وفنياً.
الأمر شبيه جداً بفرحة الأفارقة عموماً بالملاكم محمد علي كلاي، الذي أثبت بذكائه أن الرجل القادم من إفريقيا إنسان مكتمل العقل والقوة، في زمن حاول فيه علماء النفس العنصريون إقناع البشر أن هناك أجناساً متفوقة عقلياً على أجناس أخرى، وأن هناك بشراً ليس من حقهم المطالبة بالحقوق أو الحرية، ولا حتى مخدر في العمليات الجراحية.
هذا بالنسبة للجدل على رامي مالك كشخص ولد لأبوين مصريين، وبالمناسبة هذا الأمر سيتكرر كثيراً في المستقبل مع أجيال من الشباب المصري المهاجر، غير المنتمي لمصر كبلد ولكن منتمٍ لإرثه الثقافي والفكري مع أسرته وأصدقائه هناك.
أما عن الفيلم ودور فريدي ميركوري فالجدل فيه يخضع للذوق الفني، وأنا كمحب لموسيقى كوين كنت سعيداً جداً بالفيلم، وفي الوقت نفسه أتفهم من يُفضلون أدوار رامي مالك الأخرى كفيجو مورتينسن وويليام ديفو وحتى كريستيان بيل، وفي النهاية بشكل شخصي أتمنى لرامي مالك كممثل موهوب كل التوفيق في المستقبل وأشعر كثيراً بالفرح لأجله كمحب للسينما وكمحب للخاسرين بالوراثة والهاربين من مصر.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.