حكاية دستور السيسي والطريق إلى الهاوية

عربي بوست
تم النشر: 2019/02/20 الساعة 12:17 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/02/20 الساعة 12:17 بتوقيت غرينتش
الدستور في البلاد التي تُحكم بالاستبداد لا يعني الكثير

الدستور في البلاد التي تُحكم بالاستبداد لا يعني الكثير، وليس له قيمة كبيرة إذا وقف ضد طموحات المُستبد الذي يريد أن يتحكّم بالسلطة المطلقة، ويبقى فيها لأطول فترة ممكنة، ويقوم بتسخير كل مقدرات الدولة لتحقيق طموحاته، ومن ثمّ يكون تغيير الدستور، أو تعديل بعض مواده، مسألة شكلية يستكمل بها المستبد مشواره الذي بدأه، ويحاول أن يخدع الجماهير بأن ذلك من أجل المصلحة العامة، وحرصاً على الأمن القومي للبلاد، وكأن المصلحة العامة والأمن القومي لا يحققهما إلا فرد واحد!

حكاية دستور السيسي والطريق إلى الهاوية

والمشكلة الأساسية في نموذج الجنرال السيسي أنه جاء بانقلاب عسكري على أول تجربة ديمقراطية في البلاد، ويدَّعي أنه حامي حمى الدولة، والمدافع عنها ضدَّ أعدائها، والحارس للديمقراطية!

وعلى الرغم من أنه هو الذي شكَّل اللجنة التي وضعت دستور 2014 فإنه في مؤتمر لشباب الجامعات المصرية، في سبتمبر/أيلول 2015، ألمح إلى عدم رضاه عنه، قائلاً: "الدستور المصري كُتب بنوايا حسنة، والدول لا تُبنى بالنوايا الحسنة فقط".

وعلى ذلك بدأ التمهيد منذ شهور بتهيئة الرأي العام لقبول فكرة التمديد للسيسي، بحجج واهية، ومنطق ممجوج، وتعالت الأصوات والمطالب تلو الأخرى في البرامج الفضائية، وكتيبة المرتزقة من الكُتاب، وعلى رأسهم ياسر رزق، رئيس مجلس إدارة أخبار اليوم، الذي كتب مقالاً بتاريخ (29 ديسمبر/كانون الأول 2018)، دعا فيه إلى ما سمَّاه بالإصلاحات السياسية، وعنْونَهُ: "عام الإصلاح السياسي الذي تأخَّر"، وكان الهدف الأساس من طرح هذه الأفكار هو التمديد للسيسي، فقال: "لكن مع تقديري لسلامة نوايا لجنة كتابة الدستور فإن النص على تحديد مدة الرئاسة بأربع سنوات فقط لم يراعِ أننا مازلنا في مرحلة انتقال، لها ضروراتها واعتباراتها، ولم نبرحها بعدُ إلى مرحلة استقرار سياسي، كذلك لم يتوقع المشرعون الدستوريون أن يتولى الرئاسة شخص كان عازفاً عنها، واضطر لقبولها تحت ضغط شعبي، هو الرئيس عبدالفتاح السيسي، ولم تكن في مخيلتهم أن يحمل هذا البطل الشعبي على كتفيه مسؤولية نهضة مصر، ويقطع خطوات واسعة على طريق لا تبدو نهايته في عام 2022".

هذا نموذج من الأقلام التي يُملى عليها ما تكتب، وهي كثيرة لا يمكن حصرها في هذا السياق، ونماذجها منثورة في الفضائيات والصحف، ناهيكم عن أعضاء مجلس الشعب، التابع لأجهزة المخابرات، الذي جاء خصيصاً لتحقيق كل مطالب المستبد، ولم يراعِ لمرة واحدة مصالحَ الشعب الذي من المفترض أنه يمثله!

ومن المفارقات العجيبة أن دعاة تعديل الدستور يستندون إلى المادة 226 من دستور 2014، التي تسمح لرئيس الجمهورية، أو لخمسة أعضاء من مجلس النواب بطلب تعديل مادة أو أكثر من مواد الدستور، ولكنها المادة ذاتها التي تنص على أنه: "لا يجوز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية، أو بمبادئ الحرية، أو المساواة، ما لم يكن التعديل متعلقاً بالمزيد من الضمانات". فأي ضمانات يمكن للسيسي أن يقدِّمها إلى الشعب المصري إذا كان ينوي خرقَ الدستور، الذي أقسم مرتين، وليس مرة واحدة، على الالتزام بنصوصه؟!


وفي الحقيقة هذه التعديلات ليست فقط لتمديد فترة الرئاسة للسيسي حتى عام 2034، بل الأمر متعلق بمسألة شديدة الخطورة، وهي سيطرة الجيش بشكل مُقنَّن ومُدَسْتَر، وممارسته سلطة رقابية على الأداء السياسي في البلاد، بحيث يتحول الواقع والممارسة إلى مادة دستورية تتحكم في رقاب الناس، وهذا ما عبَّرت عنه التعديلات المقترحة، بأن للقوات المسلحة "حماية وصيانة الدستور ومبادئ الديمقراطية والحفاظ على مدنية الدولة". وهذه النقطة بالذات تحلَّلت منها تركيا بعد سنوات من وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم، ولكن في مصر السيسي يرجعنا مرة أخرى إلى عهود الظلام، وتحكُّم العسكر في كل شيء.

خطورة استمرار السيسي في حكم مصر

بالنظر إلى رصيد السيسي منذ أن انقلب على الرئيس المنتخب محمد مرسي، والذي يريد أن يستمر في الحكم نتيجة لهذه التعديلات حتى عام 2034، نجد أن الحصاد لكل مؤسسات الدولة يشير بما لا يدع مجالاً للشك إلى أن هذا الشخص لا يجب أن يستمر على رأس الدولة ليوم واحد، وهذا الكلام تؤيده كل المؤشرات والإحصاءات المحلية والدولية:

فقد ارتفع الدين الخارجي بنحو 13.6 مليار دولار خلال عام مالي واحد فقط، ليصل إلى 92.6 مليار دولار نهاية يونيو/حزيران 2018، كما ارتفعت نسبة الدين الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي لتصل إلى 37.2% في نهاية 2017-2018 في مقابل نحو 36.8% خلال مارس/آذار 2018، وتوقع بنك الاستثمار بلتون في تقريره السنوي أن يصل الدين الخارجي إلى 107 مليارات دولار بنهاية العام المالي الحالي، المنتهي منتصف 2019.

وتشهد مصر موجة من ارتفاعات الأسعار غير المسبوقة، مع رفع الدعم عن المحروقات والكهرباء والمياه والغاز للمنازل، كما اتجهت الحكومة لرفع أسعار الكهرباء المنزلية بنسب متفاوتة وفق شرائح الاستهلاك.

كما اتَّخذت حكومة السيسي قراراً برفع أسعار الغاز الطبيعي المستخدم في المنازل والنشاط التجاري المعادل للاستخدام المنزلي، وهذه الزيادات في الأسعار التي فرضتها الحكومة طالت وسائل النقل، حيث بدأت برفع أسعار ركوب قطارات مترو الأنفاق، وتعد هذه الزيادة الثانية خلال أقل من عام.

كل ذلك زاد من أعباء ومعاناة، ليس الرجل البسيط والأسر الفقيرة فحسب، بل تأثرت كل شرائح المجتمع، وأدى في كثير من الأحيان إلى مشاكل اجتماعية، وزيادة معدل الجريمة والسرقات، ناهيكم عن ارتفاع نسبة الفساد في كل مؤسسات الدولة، فلا يكاد أي إنسان أن يقضي مصالِحه إلا بالرشوة والمحسوبية، وأصبح لها تسعيرة يعرفها الجميع!

أقول: الأمر لم يتوقف عند انهيار الوضع الاقتصادي، بل سيطال كل مؤسسات الدولة، فليس من مصلحة القوات المسلحة ذاتها أن تُرَكز السلطة في يد رجل واحد كل هذه الفترة، ولعل سوابقها تشهد بفشلها، فمصلحتها وامتيازاتها، حتى في ظل الحكم العسكري الكامل ستتأثر بلا شك، وسيجعلها ذلك في مهب الريح، حيث إن المصريين لن يتوقفوا عن مقاومة هذا الوضع بكافة الطرق والأدوات، فإذا نجحوا، ولو بعد حين، فسيقومون بهدم المعبد على من فيه.

وجهاز الشرطة لن يكون في مأمن، حتى في ظل حكم الدولة البوليسية، بكل تجاوزاتها وانتهاكاتها للقانون وللحقوق والحريات وتحولها إلى أداة قمع للمواطنين وللمعارضين السياسيين، إلا أنها أكثر من أي مؤسسة ستتحمل مخاطر هذا الوضع، وتكون الضحية في مواجهة الشعب، وستفقد كل امتيازاتها ونفوذها وهيبتها، وتعيش في ظل تهديدات ومخاطر أمنية طوال الوقت، وتتورَّط في مواجهات مستمرة مع كافة أشكال المعارضة المصرية السلمي منها والعنيف، التي ستسعى بكل السبل والطرق إلى إسقاط هذا الحكم الفردي المستبد.

وبعد أن أفسد السيسي مرفق العدالة المتمثل في القضاء، ونزع منه الاستقلال، وقلَّل من ثقة عموم الناس في نزاهته فسيتحول بالمشاركة في تمرير هذه التعديلات المطروحة إلى إساءة بالغة لا يغفرها له التاريخ، وستكون وصمة عار في جبين القضاء المصري، وسيفقد هيبته على المستويين الداخلي والخارجي. فما حاجة مؤسسة القضاء أن يقترن بسمعتها وتاريخها تزوير جديد في الصناديق يتم تحت إشرافها ورقابتها؛ لتمكين شخص يعصف بالدستور والقانون؟!

ويمكن إجمال كوارث السيسي، بالإضافة لِمَا ذكرته سابقاً، التي أثّرت في مجمل الشعب المصري، وفي موارده ومستقبله، في النقاط التالية:

– التفريط في جزيرتي تيران وصنافير لصالح السعودية، التي دعمته في انقلابه على الديمقراطية.

– التفريط في غاز شرق المتوسط لصالح اليونان وقبرص، نكاية في تركيا.

– انهيار السياحة بشكل كبير، وتراجع معدلات الأمن والأمان في الشارع المصري.

– اغتيال مئات المصريين بدم بارد، واستشهاد العشرات بالسجون نتيجة الإهمال الطبي.

– سجن أكثر من 60 ألف مواطن، وإعدام العشرات بمحاكمات هزلية، معظمهم من الشباب.

– ارتفاع سعر الدولار إلى حدود 18 جنيهاً، وقفز الديون لمعدل قياسي غير مسبوق.

– تعريض الأمن المائي للمصريين للخطر، وسرقة الآثار وتهريبها للخارج، وتقزم دور القاهرة العربي والإقليمي.

– انتشار الفساد بين المسؤولين، وسيطرة الجيش على كل مفاصل الدولة، واتساع دائرة العنف والإرهاب.

– ازدياد معاناة أهل سيناء، وإقامة علاقات غير مسبوقة مع إسرائيل، وتآمره على القضية الفلسطينية.

– الغلاء الفاحش، وانتشار الإحباط بين المصريين، وازدياد حالات الانتحار.

ومن ثمَّ لا تتحمل مصر استمرار هذا الفرعون على سدة الحكم لفترات أخرى، لتأثير ذلك بالسلب على الأمن القومي المصري والعربي، وكل من يساهم أو يساعد في تمرير هذه التعديلات من الداخل أو الخارج، فهو مشارك لا محالة في تدمير مؤسسات الدولة المصرية، ويهدم بمعوله بقصد أو من دون قصد ما تبقَّى منها، وإنهاء آمال وطموحات الشعب المصري بلا رجعة!   

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
جمال نصار
كاتب وأكاديمي مصري
أستاذ الفلسفة والأخلاق والفكر المعاصر
تحميل المزيد