من الممكن تعريف كلمة "الثقافة"، وهي التي تحمل العديد من المعاني والدلائل والتعريفات بشكل مجمل على أنها هي الكل المركَّب من حياة الجماعة بجميع ما يشتمل عليه من عادات وتقاليد ولغة ومعتقدات ومعارف عامة شائعة بين أفراد هذا المجتمع، إذا أضفنا للكلمة لفظ مسؤول أو وزير فإنها تعني الشخص المكلَّف من قِبل الحكومات للعمل على ضبط وتحسين الأفكار العامة والاعتقادات والعادات واللغة وما استقر في المجتمع على علاقة بمفهوم الثقافة.
أما في المجتمعات العربية فمن الممكن تعريف مسؤول الثقافة أو الهيئات الثقافية على أنها هيئات وأشخاص تعمل فقط على ضبط عادات المجتمع والأفكار العامة وما يتعلق بالثقافة بمختلف أشكالها، بما يتناسب ويتفق مع الاتجاه السياسي للدولة والسلطة الحاكمة، فمثلاً نجد أن الثقافة السائدة في العهد الناصري كانت تعمل ليلاً نهاراً للنيل من الملكية والملك فاروق، وكذلك إعلاء مبادئ الثورة ورجال مجلس قيادة الثورة، حتى انتهت الحقبة الناصرية وحلَّ العهد الساداتي الذي بدأ من الثورة التصحيحية الثانية التي تخلَّص فيها السادات من رجال عبد الناصر أو ما عرف باسم "مراكز القوة"، شرَّ تخليص، واتجهت الرؤية الثقافية -بإيعاز من السادات نفسه- للحط من رجال العهد الناصري وعبد الناصر نفسه في بعض الأحيان.
وبالطبع لا يخفى على أحد الحاجة الضرورية لمجتمعنا العربي ككل إلى ثورة ثقافية عاجلة لإعادة بناء وتشكيل التصورات والمفاهيم العامة والعادات بكل ما استقر في المجتمع من مفاهيم، بالرغم من المعوقات الكبيرة التي تواجه تفجير تلك الثورة، وطالما أطفأتها مع شرارتها الأولى في العديد من البلدان، ومنها على سبيل الذكر رغبة واتجاه أصحاب المصالح كالرؤساء والملوك في توجيه الحالة الثقافية إلى اتجاه معين بواسطة تيار معين.
ومنها أيضاً حالة اللامبالاة واليأس غير العادية لدى النخبة الثقافية من المفكرين والكُتاب والباحثين نحو إمكانية تغيير المفاهيم، وكذلك النظرة الخاطئة لدى المجتمع بأن ما استقر في تركيبتهم بالضرورة هو الصواب عند خروج كاتب أو باحث بتصوُّر مخالف لمفاهيم المجتمع، وما يقابله من النقد والهمجية يكون في الغالب من المسترزقين من السلطة.
وبالرغم من هذا فإن تلك المعوقات آخذة في التضاؤل بشكل ما وإن كان قليلاً ولكنه مقبول كارتفاع معدلات القراءة بين الشباب بشكل كبير، خصوصاً أنهم وقود الثورة الثقافية، كذلك المبادرات الفكرية الدعوية التي هي في الأغلب قائمة على جهود فردية بحتة.
ولضمان القضاء على تلك المعوقات أو بعضها على الأقل لابد من إبعاد الدور الحكومي عن جانب القيادة الثقافية وما يتعلق بها وليس نتيجة لغياب النخبة القادرة على ذلك من الحكومات فقط، ولكن أيضاً لأن دخول الحكومات في هذا الاتجاه يجعلها تفكر فقط في استغلال الأمر لخدمة سياساتها أو الاهتمام بالجانب الإداري عن المضمون الثقافي، مثلما يحدث في قصور ثقافة مصر إلى جانب سنّ بعض القوانين التي تمثل إعاقة حقيقية للثورة الثقافية كقوانين ازدراء الأديان وإهانة الرموز وجميعها وسائل للتضييق على أصحاب الرأي والمفكرين.
في مصر من الممكن جداً أن اعتبر ثورتها الثقافية وإن كانت تسير بخطوات بطيئة، ولكنها تسير وتحسب للدكتور يوسف زيدان، فالرجل منذ أن بزغ على الساحة الثقافية في مصر أوائل التسعينات عمل على كسر المفاهيم العقيمة والمتجمدة لدى المجتمع، وإعادة البناء للمفاهيم والتصورات إلى جانب إثرائه للمكتبة المصرية بأكثر من مائة كتاب ومؤلف ورواية كانت آخرها رواية فردقان التي أصدرتها دار الشروق وحظيت باهتمام بالغ، خاصة أنها تتناول بعضاً من حياة الشيخ الرئيس ابن سيناء ولا يعرف وظيفة حكومية له سوى عمله لسنوات قليلة مسؤولاً عن قسم المخطوطات في مكتبة الإسكندرية تعرض خلالها لأكثر من أزمة ومضايقة، أبرزها ما تسببت فيه إحدى الصحف التي اتهمته بمعاداة السامية بسبب وضع كتاب البروتوكولات لجوار التوراة في إحدى مناسبات العرض، واكتظت وقتها الصحف والمجلات في إسرائيل بمقالات لمهاجمة زيدان والتحريض عليه وعلى المكتبة.
كذلك فإن المبادرات التي يطلقها الكاتب -إن صحَّ أن نطلق عليها كلمة مبادرات- فهي جميعاً هادفة لثورة ثقافية فعلية كاللقائات الدورية التي يجريها مع الشباب أو الجوائز التي تقدمها جمعية يوسف زيدان في بيروت للتشجيع، والمحاضرات التي يسعى من خلالها لتقديم حلول جذرية للمشكلات الثقافية في وطننا العربي، وهو الموضوع الذي خصص له فصلاً كاملاً في كتاب شجون فكرية ضمن سلسلة الشجون التي أصدرها زيدان بعنوان الثورة الثقافية.
وخلص فيه زيدان إلى حاجة مصر إلى ثورة ثقافية لتجنب عودة عقارب الساعة إلى ستين عاماً ماضية.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.