في الوقت الذي تمتلئ فيه مدرجات ملاعب كرة القدم في سوريا بالجماهير، رغم ما تعانيه الدولة السورية من ويلات الحروب وسيطرة المسلحين على أجزاء كبيرة من الدولة، إلا أن ذلك لم يمنع الجمهور من حضور المباريات ومساندة فرقهم من مدرجات الملاعب.
هذا الوضع ربما يشير إلى أن غياب الجماهير عن المدرجات المصرية لا يعد مشكلة أمنية بالدرجة الأولى، بل إن التوابع السياسية في مصر ألقت بظلالها على الرياضة، وإمكانية حضور الجماهير، كذلك هناك تخوفات من حضور أي تجمعات قد تستغل المنصة للهتاف السياسي، وما يؤزم المعضلة تواجد روابط الألتراس وعلاقتها الوثيقة بثورة يناير، كذلك أزمتا بورسعيد، والدفاع الجوي، والتخوف من تكرر أحداث مشابهة.
واقعة بورسعيد
في 1 فبراير/شباط من العام 2012، ثلاث حافلات من رابطة "أولتراس أهلاوي" التابعة لجماهير الأهلي، قررت الذهاب لبورسعيد، لتشجيع الفريق الأحمر في مباراته أمام المصري البورسعيدي، في حين ذهب آخرون في رحلات منظمة بالقطار، ظهرت حالات احتقان بين الجماهير سبقتها تهديدات ووعود على مواقع التواصل الاجتماعي.
في مباراة سبقت أحداث بورسعيد، بين المحلة والأهلي، التي أقيمت على ملعب المحلة، تسربت جماهير المستضيف لأرضية الملعب، وحاولت جماهير المحلة "أولتراس بلو ولز" الاحتكاك بجماهير الأهلي، بعدما احتسب الحكم الدولي، ياسر عبد الرؤوف هدفًا للأهلي، نفذ من شبكة المرمى التي كانت ممزقة.
وأوحى لاعبو المحلة لجماهيرهم أن الكرة لم تدخل الشباك من الأساس، ما استفز الجمهور للنزول لأرضية الملعب، لكن كردوناً من رجال الأمن قسّم الملعب نصفين، كان كفيلاً بإنهاء المشكلة والحفاظ على الأرواح.
بعد ذلك بأيام قليلة، أعدت مجموعة أولتراس أهلاوي الرحال للذهاب أقصى الشمال الشرقي، حيث مدينة بورسعيد، وصلت المجموعة قبل المباراة بساعة، استطاعت حافلتان الدخول للمدرجات، بينما بقي من في الحافلة الأخيرة يشاهدون المباراة من الخارج.
وفي مباراة مثيرة استطاع المصري الفوز بثلاثة أهداف لهدف، بعدها شاهدنا من خلال الكاميرات نزول جماهير المصري لأرضية الملعب، وانطفاء للأنوار، لكن اللافت للأنظار عدم تحرك رجال الأمن، مثلما حدث في مباراة المحلة التي سبقتها، تسبب هذا الحادث في مقتل 72 مشجعاً من جماهير النادي الأهلي والعديد الإصابات، ومنذ ذلك الحين لم تعد كرة القدم في مصر لما كانت عليه قبل الحادث.
الدفاع الجوي
جرت محاولات حثيثة لعودة الكرة أولاً، قبل إعادة الجماهير للمدرجات، عاد الدوري المصري مقسوماً مجموعتين لسبب وحيد، ألا يلتقي الأهلي والمصري في مباراة مجدداً، بعدها بدأت نغمة عودة الجماهير تلوح في البرامج الرياضية، استحسن الاتحاد المصري الفكرة، فقرر عودة الجماهير بدايةً من الدور الثاني للدوري موسم 2014- 15، لكن مع أول مباراة بين الزمالك وإنبي اندلعت واقعة الدفاع الجوي، التي راح ضحيتها 20 مشجعاً للقلعة البيضاء.
في أثناء دخول جماهير الفريق الأبيض للملعب، وضع الأمن حواجز وممراً ضيقاً للمرور والتفتيش قبل الدخول، ما أدى إلى تكدس الجماهير ووفاة 20 مشجعاً، وتوقف الدوري في إثرها أكثر من 50 يوماً. ثم عاد الدوري مرة أخرى، إلا أن فكرة عودة الجماهير لم تعد مطروحة.
في يونيو/حزيران 2015، أصدرت محكمة جنايات بورسعيد، حكمها بإعدام 11 متهماً في أحداث ستاد بورسعيد، وعاقبت 10 متهمين بالسجن المؤبد، كما أصدرت بحق 10 متهمين آخرين حكماً بالسجن المشدد، وآخر بالسجن لمدة 5 سنوات على 12 متهماً، بينهم مدير أمن بورسعيد السابق ورجال شرطة، فيما برّأت 20 متهماً آخرين.
تقدم دفاع المتهمين، والنيابة العامة بطعن أمام محكمة النقض، التي تداولت القضية وحجزتها للحكم بجلسة 20 فبراير/شباط 2017، وأوصت نيابة النقض في رأيها الاستشاري غير الملزم للمحكمة، بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء عقوبات الإعدام والسجن، ومحاكمة المتهمين من جديد أمامها.
بينما قضت محكمة النقض في 20 فبراير/شباط 2017، برفض الطعن المقدم من هيئة الدفاع عن المتهمين، وأيدت عقوبات السجن والإعدام الصادرة ضدهم من محكمة الجنايات.
البداية
شهد عام 2007 الظهور الأول لمجموعات الألتراس في مصر، حيث تواجدت رابطة ألتراس أهلاوي لأول مرة في الملاعب، في مباراة الأهلي وإنبي، يوم 13 أبريل/نيسان 2007، ومنذ ذلك التاريخ تغير مفهوم التشجيع في البلاد. وفي مارس/آذار 2010 تعرض أعضاء الرابطة لأول تضيق من وزارة الداخلية، وذلك بمحافظة أسيوط عندما وجدوا تعنتاً كبيراً من جانب الأمن هناك خلال إحدى رحلاتهم لمؤازرة الأهلي، حيث تم احتجاز 11 فرداً من الجماهير لعدة أيام قبل أن يتم الإفراج عنهم وكانت تلك الرحلة هى بداية الأزمة بين الألتراس ووزارة الداخلية المصرية.
وقبل مباراة الديربي المرتقبة خلال موسم 2008-2009 بين الأهلي والزمالك، احتجز الأمن قيادات الألتراس فى أقسام الشرطة ليلة المباراة، ووقّع البعض منهم على إقرارات بعدم الذهاب إلى الاستاد من أجل الخروج من الحجز.
وفي خضم أحداث ثورة يناير/كانون الثاني، وقف شباب الألتراس يحرسون مداخل ميدان التحرير، بجانب دورهم الأبرز في حماية المتظاهرين في موقعة الجمل، والمشاركة فى حماية أسر الضحايا أثناء محاكمة الرئيس السابق حسنى مبارك، كما لعب الألتراس دوراً كبيراً فى المظاهرات التى تجددت فى ميدان التحرير، ابتداءً من يوم 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2011، واحتلوا الصفوف الأمامية فى مواجهة قوات الشرطة والأمن المركزى، وفى أحداث شارع "محمد محمود" التي وقعت في نوفمبر/تشرين الثاني 2011.
تحولت روابط الألتراس إلى واحدة من القوى السياسية المؤثرة في الأحداث، في الفترة ما بين يناير/كانون الثاني 2011 إلى نهاية عام 2013، كانت أغاني الألتراس تتردد كهتفات في الميدان، كما أطلقت روابط ألتراس أهلاوي وألتراس وايت نايتس ألبومات غنائية حملت شعارات سياسية، كانت أبرزها أغنية "شمس الحرية" لألتراس وايت نايتس الداعمة لنادي الزمالك وأغنية "حرية" لألتراس أهلاوي.
كانت سلطة الحكم في مصر ما بعد يونيو/حزيران، تعي دور الألتراس الكبير في الأحداث السياسية، حيث عملت على القضاء على تلك الظاهرة بداية من التضييق الشديد على الروابط وصولاً إلى حبس القيادات، ففي مارس/آذار 2015 تم القبض على أحد قيادات ألتراس وايت نايتس "سيد مشاغب" من المنزل عقب مقتل 20 مشجعاً لنادي الزمالك في استاد الدفاع الجوي، ووجهت له المحكمة مع 15 آخرين، اتهامات بالقتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، والشروع في القتل، وحيازة مفرقعات تتمثل في الألعاب النارية، دون تصريح من الجهة المختصة بذلك.
وفي 16 مايو/أيار 2018، أعلنت رابطة ألتراس أهلاوي على صفحتها على موقع فيسبوك حل الرابطة وإحراق البنر الخاص بهم، معلنة نهاية الرابطة، معللة ذلك بالحفاظ على مستقبل الجميع على حد قولها.
وفي نصف نهائي دوري أبطال إفريقيا للعام الحالي 2018، مُنعت جماهير الأهلي من مساندة فريقها في مباراة الأهلى أمام وفاق سطيف الجزائري من قبل الأمن المصري، بعد هتافات ضد رئيس هيئة الرياضة السعودية تركي آل شيخ في مباراة ربع النهائي التي سبقتها، وبالرغم من عدم حضور الجماهير للمباراة فقد تم القبض على 6 أفراد كانوا على مقهى بشارع العشرين بفيصل، عقب المباراة ووجهت لهم تهم الانضمام لجماعة مخالفة للقانون "ألتراس أهلاوي" وتعطيل حركة السير والتجمهر.
في حين وصل عدد الموقوفين من الألتراس خلال عام 2018 فقط إلى 96 فرداً، ففي مباراة دور الـ32 بين الأهلي ومونانا ألقي القبض على 8 عناصر من ألتراس أهلاوي وذلك لاتهماهم بإثارة الشغب، بينما تم القبض على 40 من أعضاء الرابطة في مارس/آذار الماضي، من أمام بوابة مدرج التتش في النادي الأهلي بالجزيرة، حيث كانت الرابطة تنوي حضور تدريبات الفريق قبل مباراة الزمالك بالدوري. وعقب مباراة الأهلي وحوريا الغيني في إياب ربع نهائي دوري أبطال إفريقيا تم توقيف 7 من المشجعين مع إحضار 8 آخرين للتحقيق معهم، بعد هتافات ضد رئيس هيئة الرياضة السعودية تركي آل شيخ، وعقب مباراة وفاق سطيف في نصف النهائي ألقي القبض على 6 أفراد كانوا على مقهى بشارع العشرين بفيصل. وفي أبريل/نيسان الماضي، أوقف 21 عضواً من رابطة "وايت نايتس" من أمام نادي الزمالك للتجمهر، كما تم إيقاف 6 من أعضاء الرابطة لحيازتهم مفرقعات، مع تجديد حبسهم في مايو/أيار الماضي، ولا يزال 4 من قيادات ألتراس "وايت نايتس" داخل المحاكم العسكرية، لاتهامهم بقضية تأسيس رابطة وايت نايتس، التي تحمل رقم 94 لعام 2017، ومع السماح بحضور عدد محدود من الجماهير لا يتجاوز الـ500 فرد. في مباريات الدوري لا تزال الجماهير المصرية تعاني من أجل مؤازرة فرقها من مدرجات الملاعب.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.