اعترفت بهم كوسوفو وأنكرتهم القاهرة.. ما قصة المصريين الذين هربوا من الهكسوس وتوطنوا في البلقان؟

عدد القراءات
9,351
عربي بوست
تم النشر: 2019/02/12 الساعة 14:42 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/02/13 الساعة 15:13 بتوقيت غرينتش
" أقلية مصرية عددها 100 ألف مصري، يطالبون منذ سنوات باعتراف رسمي من بلادهم بهويتهم المصرية"

هناك موضوع سأتحدث عنه، وأعتقد أن أغلب القراء لم يسمعوا عنه من قبل.

قضية هوية مصريي البلقان، من أحد المواضيع الشائكة والغريبة.

لو كنت تقرأ في أحد الأيام عن الأكراد وقضيتهم التي يبحثون عن اعتراف دولي بشأنها منذ زمن طويل.

أو كنت تشاهد الكلاسيكو ووجدت أن علم كتالونيا مرفوع، أو سمعت عن الأقليات، وحمدت الله أن جنسيتك مصرية؛ لأن بلدك ليست لديه قضايا مثل هذه، أود أن أقول لك: توقف.. خذ نفساً عميقاً ثم اقرأ هذا.

هناك ملف خاص بقضية هويّة عالمية متعلقة بمصر وعالقة منذ عشرات السنين، ولا يوجد مصري واحد يعرفها أو يتحدث عنها، وغالباً تتعمد الأنظمة المصرية المتعاقبة الحديث عنها لأسباب اقتصادية وسياسية بحتة.

في دول البلقان "كوسوفو ومقدونيا وألبانيا وجنوب صربيا" هناك أقلية مصرية عددها 100 ألف مصري، يطالبون منذ سنوات باعتراف رسمي من بلادهم بهويتهم المصرية.

هذه الأقلية معترف بها كأقليات في كوسوفو، لو لاحظت أن علم كوسوفو به 6 نجوم، النجمة السادسة خاصة بالمصريين الذين يعيشون هناك، والذين استطاعوا أن يكونوا جزءاً من كوسوفو قبل عدة سنوات فقط!

 

بداية القصة أنه في عهد رمسيس الثاني، وفي عهد فتوحاته المشهورة، عدد من العائلات ارتحلوا ناحية البحر للبحث عن الذهب وموارد جديدة، واستقروا للعيش في هذه المنطقة.

ويقال إنهم بالأصل مصريون هاجروا من مصر أيام احتلال الهكسوس هروباً من القتل، ويقال إنهم عائلات إسكندرانية هاجروا مع الإسكندر المقدوني بعد ما فتح مصر، وكونوا هناك عائلات وحياة خاصة بهم.

ويقال أيضاً إنهم مرتحلون مصريون هاجروا في القرن السادس الميلادي بعد دخول الإسلام واستقروا هناك، كل هذه نظريات لا يوجد عليها دليل تاريخي، لكن المؤكد أنهم مصريون.

الآثار التي لديهم والعملات وعاداتهم كلها تؤكد أنهم مصريون، ولا يوجد اختلاف على هذا.

أما المثبت تاريخياً عنهم في العصر الحديث، أن دول البلقان قامت بتصنيفهم كغجر جيبسي، أي من يعيشون في الشوارع، لكن هذا التصنيف سبب لهم أزمة، كونهم في الأصل مصريي الهوية ومختلفين عنهم تماماً، وكانوا متمركزين في جاكوفا وبيا في الغرب وبرزران في الجنوب.

لو ذهبت إلى جاكوفا ستجد حي المصريين، الذي يُسمى سيفاس، ستتأكد أن ساكني هذا الحي مصريون من أشكالهم وملامحهم وعاداتهم وآثارهم، بالرغم من اختلاطهم بالألبان وتخليهم عن اللغة العربية، وحتى أسماؤهم باتت ألبانية، لكنهم  لم يتخلوا أبداً عن هويتهم المصرية.

 

المصريون هناك مشاركون وموجودون بقوة في البرلمان، ولديهم نواب ووزراء ومعترف بهم سياسياً، ومن هؤلاء عيسى عثماني وكيل وزارة الإدارة المحلية، وباشكيم كراسنيتشي وكيل وزارة التعليم، وكذلك زعيم المصريين جودت نزيراي الذي شارك في كتابة دستور كوسوفو، ولديهم كذلك حزب سياسي اسمه حزب المبادرة الديمقراطية الجديدة لكوسوفو، وكل مطالبهم أن تعترف مصر بهم كمصريين لا أكثر ولا أقل، وهذا بالتحديد ما ترفضه مصر تماماً.

مطالبهم كلها تتلخص في الاعتراف بهويتهم المصرية فقط، لأن هذه هويتهم الحقيقية فعلاً، والأمر ليس مجرد ادعاءات، في كل الأحوال هم يعيشون هناك بشكل طبيعي وحقوقهم الأساسية مكفولة،  وما يرغبون به في اعتراف رسمي من القاهرة برابطة الدم التي تربطهم بأم الدنيا.

 

مجموعة من مصريي البلقان في مقدونيا
مجموعة من مصريي البلقان في مقدونيا

هناك أقليات كثيرة حول العالم، أغلب دولهم معترفة بأقلياتها إلا مصر، ألبانيا معترفة بأقلياتها، واليونان كذلك، حتى تركيا اعترفت بأقلياتها هناك، وفي حزبهم وضعوا صورة كمال أتاتورك، ويفتخرون كثيراً بهذا الأمر، لماذا لا تعترف بهم مصر؟ قادة الأقلية هناك لا يطالبون بأكثر من اعتراف رسمي بهم، فما الذي يمنع مصر من ذلك؟

في رسالة دكتوراه تم إعدادها في جامعة صوفيا للدكتور زايمون، أكد أنهم مصريون وأنهم قد جاءوا مع الإسكندر، واستشهد بأكثر من دليل تاريخي، لكن من يسمع؟

المطالبات بشكل رسمي من أقلية مصريي البلقان بدأت في العصر الحديث منذ 30 عاماً تقريباً، عندما أصبح للأقلية صوت، وبدأوا يطالبون بالاعتراف بهم من كوسوفو.

متى بدأت المطالبة بالاعتراف بهم؟

تحديداً بين  ١٩٨٦م و١٩٩١م عندما سيطر الرئيس الصربي "سلوبودان ميلوسيفيتش" وقتها على نصف يوغوسلافيا، وحتى تكون له شرعية وداعمون، بدأ يجذب الأقليات ناحيته كالأتراك والصرب والغجر، ومن هذه الأقليات "مصريو البلقان"، حتى باتوا كياناً معترفاً به أخيراً هناك سنة 1991م، لكن في سنة 1999م فشل مشروع الرئيس الصربي ميلوسيفيتش. 

وأجبرته صربيا على أن يسحب قواته من كوسوفو، حتى ظهرت العرقية الألبانية على السطح وبدأت موجات الانتقام ممن ساعدوه على المجازر التي ارتكبها، وطبعاً كان من ضمنهم المصريون الذين بدأوا في الهجرة إلى كرواتيا ومقدونيا كلاجئين.

لكن في نفس السنة، الإدارة الدولية الانتقالية شجعتهم على العودة والمشاركة السياسية في البلاد، حتى بدأ الدور المصري يظهر من جديد، ووقتها تم تأسيس الحزب المصري سنة 2001 بقيادة سليم هوتي وجودت نذيري، وفي عام 2003م اعترفوا بهم كأقلية في الدستور، وفي 2008 تكونت الجمهورية في كوسوفو بشكل نهائي ورفعوا علمهم الخاص، وحصل المصريون على نجمة خاصة بهم، حتى إنهم خصصوا لهم يوماً قومياً وعيداً للمصريين يوم 24 يوليو/تموز، وسموه "اليوم القومي لمصريي البلقان".

علم جمهورية كوسوفو
علم جمهورية كوسوفو

ردود الأفعال الرسمية في مصر:

آخر ما فعلته مصر تجاه كوسوفو في 2013م، أن قامت في يوم عيد المصريين، باعتراف رسمي باستقلال كوسوفو، وأنها دولة ذات سيادة، اعتبرت أقلية "مصريي البلقان" وقتها أن الأمر هو خطوة أولى مبشرة لتحقيق الاعتراف بالأقلية، حتى إن القيادي المصري هناك فيتون بريشا رئيس الحزب الليبرالي المصري نشر بياناً عبر فيه عن تفاؤله بهذه الخطوة الرسمية من القاهرة.

لكن هذا الاعتراف لم يكن به أي تعاون سياسي مشترك، واكتفت مصر للظروف السياسية أن يبقى بهذا الشكل.

 

من 10 سنوات عندما صار للأقلية صوت انتخابي، كان ممثل الأقلية في بلجراد على تواصل دائم مع سفير مصر في يوغوسلافيا هاني خلاف، وكان هدفه أن يعترف بهم حسني مبارك، لكن طبعاً لم تستجب السلطات المصرية للأمر وبقي الوضع على ما هو عليه.

من خمسة شهور تقريباً لكن في العيد القومي لمصريي البلقان، أراد المصريون هناك تنفيذ مبادرة إيجابية تظهر صوتهم أكثر، فأرسلوا لزاهي حواس وزير الآثار المصري آنذاك، ليكون ضمن الوفد المصري الذي سيقابل الرئيس الكوسوفي هاشم ثاتشي، وبالفعل قبل حواس دعوة المصريين هناك، وتمت الزيارة بشكل مثالي، حتى تفاجأ المصريون هناك بأن الصحف المصرية اعتبرت زيارته دعوة رسمية من كوسوفو لتكريمه على دوره في نشر الثقافة الفرعونية، كما جاء في هذا الخبر، وجميعهم تحدثوا عن زيارة زاهي وعن تكريمه وفقط، لم تذكر صحيفة واحدة سبب الزيارة، ولم يكتبوا كلمة واحدة عن مصريي البلقان أصحاب الدعوة لزاهي حواس.

في وزارة الثقافة المصرية كان هناك كاتب اسمه نور الدين تميمي، كان مسؤولاً عن ملف مصريي البلقان، وغالباً كان هو الوحيد الذي تحدث عنهم، كانت هذه خطوة إيجابية جيدة بالرغم من أنها خطوة غير رسمية، لكن ماذا بعد؟

لو فكرت السلطات المصرية بشكل سياسي ذكي لاعترفت بهم لأجل مصالحها، اعترافها بهم يجعل لها سهماً وقوة مؤيدة ومؤثرة داخل أوروبا.

 

مصريو البلقان لن يطالبوا الدولة بالإنفاق عليهم، مطالبهم وقضيتهم الأساسية هي قضية هوية، لا يريدون منها أكثر من اعتراف رسمي بوجودهم وأصلهم فقط، ولو كان رأيك بعد قراءة هذا المقال أن الاعتراف بأصل هذه الأقليات أمر تافه غير هام، فأود أن أذكرك أن هناك دولاً عديدة وبأكملها تبحث عن أصل أقلياتها، بل قامت بحروب وإبادات عرقية لهذا السبب فقط، وما إسرائيل عنا ببعيد.

عموماً، أنا دوري أن أوصل لك معلومة أن هناك مصريين بالخارج لم يتمكنوا منذ سنوات من الحصول على اعتراف رسمي بهويتهم، بكل بساطة كان من الممكن أن تكون واحداً منهم لو كان جدك قد سافر مع الإسكندر.

المصادر:  

1-  المصريون في كوسوفو "يعانون أزمة هوية".

2- "المصريون" يمسكون بخناق الحكومة … في كوسوفو.

3- "مصريو البلقان".. خرجوا مستعمرين في عهد رمسيس الثاني ويحلمون بالاعتراف الحكومي.

4- How Balkan Egyptians Are Asserting Their Identity and Fighting Discrimination in Macedonia

5- تقرير مصور عنهم في البي بي سي

6- مقابلة تليفزيونية معهم

7- فيلم تسجيلي إنتاج الجزيرة

8- كتاب "تاريخ مصريو البلقان"

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
محمد أمير
كاتب مصري
تحميل المزيد