فلسطينيو الـVIP وإسرائيلي يعمل يوم السبت!

عربي بوست
تم النشر: 2019/02/06 الساعة 11:29 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/02/06 الساعة 11:29 بتوقيت غرينتش
جنود إسرائيليون / iStock

السيارة المجهزة بكل وسائل الراحة، والرجال المهذبون الذين يحملون الحقائب، والرجال الأكثر تهذيباً الذين يتولون جوازات السفر والأوراق المختنقة بالأختام، والمترجم من العربية إلى العبرية صاحب الهندام الدبلوماسي، ومقدمو المياه المختومة والعصائر والقهوة السادة، وغيرهم من "مسهّلي" طريق السفر "القصير" إلى الأردن، لم لا يمنعون مسؤول التفتيش "الإسرائيلي" من إخضاعنا للإجراءات الأمنية نفسها التي يمر بها الآخرون ممن لا يسافرون بميزات الـVIP "المرفهة"؟

ورغم أن فضولي لمعرفة ما يحدث قادني هذه المرة إلى عدم اتباع عادتي في السفر من "الشعبطة" بباصات الجسر، وجدت نفسي مرة أخرى وجهاً لوجه مع الفلسطينيين الذين سابقتهم بسيارة "الشخصية المهمة جداً"، نقف جميعاً أمام الضابط الصهيوني، نتوجه معاً إلى باب الفحص الإلكتروني نفسه، نخلع "البوت" معاً قبل التفتيش، ونمشي حفاةً معاً إلى جوازات سفرنا المحجوزة في يده، على نغمة صوتية ثقيلة واحدة وبإشارة إصبع واحدة للجميع: "يلا كلو يوقف ورا الخط هاد"!

السؤال الذي سوف "يزنقك" فيه موقف كهذا: كيف لك أن تكون "شخصية مهمة جداً" في حين تعيش تحت حكم الاحتلال؟!

التمتع بخدمة الشخصية المهمة، وغيرها من الميزات المشتراة بالكاش أو الفيزا كارد، يميز الفلسطيني عن غيره من الفلسطينيين، لكنه لا يميزه أمام الضابط الصهيوني، فإيجاد خدمات الرفاهية يعطي الفلسطيني حق الاستمتاع، لكن في الحدود التي يرسمها له المحتل، وهي ذاتها الحدود التي يشاركه فيها بقية الفلسطينيين! وعن المال الزائد الذي يتم دفعه لقاء التنقل المريح، فهو لا يخدم فعلياً إلا المدفوع له في بابين: بيعك رفاهية الوهم مقابل مبلغ كبير (150 دولاراً لكل مسافر مقابل نقلك مسافةً مدتها الفعلية أقل من نصف ساعة بسيارة جيدة!)، وتوجيه نظر المسافرين الآخرين ممن لا يتمتعون بهذه الخدمة إليك: انظروا، إنه فلسطيني، أرضُه محتلة مثلكم، لكنه مرفَّه ويتجاوز الواقع بالتعامل المريح والبسيط معه.. انظروا! (مسافرو الـVIP يمرون بمسارات خاصة، باستثناء عند باب الفحص الإلكتروني "الإسرائيلي" فإنهم يمرون من الباب نفسه مع المسافرين "العاديين"، ويَسمح لهم المراقب الصهيوني بتجاوز "الصف" ليسبقوا الآخرين، ولكن أيضاً "خلف الخط"، وهو الشيء الوحيد المسموح لهم به: أن يتجاوز الفلسطيني الفلسطينيين في الطابور على مرأى ومسمع منهم، فقط لأنه يدفع أكثر!).

الأصوات المؤيدة لهذه الخدمة كانت تسوغها بأنها تخفف الأزمة الخانقة على "جسر الكرامة"، وهذا غير حقيقي، لأن الأزمات في أوقات الذروة والعطلات والمواسم تظل كما هي، إذ إن غير القادرين على دفع تكاليف التنقل "المرفَّه" ظلوا غير قادرين، والإجراءات الأمنية الثقلية التي يفرضها الاحتلال على الجميع ظلت كما هي، والقادرون على الدفع يقفون بقدرتهم كذلك منتظرين عند الحاجة لذلك، فمن المستفيد فعلياً من هذه الخدمة سوى من اخترعوها؟!

السفرة الخاطفة منحتني فرصة أن أذهب في يوم عطلتي الجمعة وأعود في صباح عطلتهم السبت، فأقابل الوجوه نفسها، ولدى رؤيتي "المساعد" الصهيوني الذي كان ينتظرنا بعد إجراءات تفتيش الإياب، ببدلته التي تشبه بدلة حفلات الأوسكار ووجهه "بريء التعابير"، تساءلتُ في نفسي لدى عرضه زجاجة ماء عليَّ كي أشرب: ما الذي يجعل "يهودياً" يُحرَّم عليه العمل في يوم السبت أن يعمل اليوم بكل هذه البشاشة؟ هل هذا جزء من إجراءات حماية "دولته اليهودية" التي يُفترض أن يحرَّم فيها عمل السبت أم رغبة خاصة منه في عدم ضياع "الأوفر تايم" عليه من فلسطينيي الـVIP  لا أكثر.. فالتقينا "هناك"؟!

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
هند دويكات
كاتبة ومحررة فلسطينية
تحميل المزيد