لأن المجتمع المغربي يسير بأرجل شبابه لا بمخاصر عجائزه!

عربي بوست
تم النشر: 2019/02/06 الساعة 12:39 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/02/06 الساعة 12:39 بتوقيت غرينتش
عجوز مغربي / iStock

 

 

بينما كنت عائداً إلى الديار من رحلة علم بالرباط (عاصمة المغرب)، دار نقاش بين رجلين: يبلغ الأول من العمر بضعاً وسبعين سنة، في حين أن الآخر بعقده الخامس، يحاول كل منهما إقناع الآخر بوجهة نظره حول مستقبل الشباب المغربي. يقول الشيخ السبعيني -كما يحب أن يسمي نفسه- إنه لا يخشى الموت اليوم، بعد أن اطمأن إلى حد كبير على مستقبل الشباب المغربي، خاصة مع القدرات التي أصبح يتمتع بها هؤلاء الشباب مقارنة مع شباب ما بعد الاستقلال. يقول الشيخ إنه بعد جلاء الاستعمار الفرنسي حصل فراغ في الإدارات المغربية، بسبب عدم وجود كفاءات قادرة على شغل المناصب الإدارية التي خلفها الفرنسيون؛ فمستوى تكوين الشباب آنذاك كان ضعيفاً بالمقارنة، وهو ما لا يسمح لهم بشغل تلك المناصب.

لقد حدثت -حسب السبعيني- طفرة نوعية في مستوى تكوين الشباب المغربي، سواء على المستوى العلمي أو الفكري أو الثقافي.. يستند الرجل في قوله هذا إلى أننا أصبحنا نسمع اليوم بإنجازات فريدة من نوعها، يكون فيها السبق للشباب المغاربة دون غيرهم، ويعطي مثالاً على ذلك بالعالمة مريم حفيظي، التي استطاعت الوصول إلى زعامة قسم الفيزياء بمختبر "أرغون" الأمريكي، وهو واحد من أكبر المختبرات الأمريكية، وذلك بعد أن راكمت عدة تجارب وخبرات في البحث بأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، ثم العالم الشاب كمال الودغيري، الذي حقق النجاح في مهامه العلمية والتكنولوجية بصفته مهندساً بارزاً في وكالة الفضاء وإدارة الطيران الأمريكية (ناسا)، حيث أسهم في الجهود التقنية التي أفضت إلى عملية إنزال المسبارين "سبيريت" و"أوبورتيونيتي" على سطح كوكب المريخ، واللائحة تطول..

إنه إذا ما ابتعدنا عن المجال العلمي -يضيف العجوز- نجد الشباب المغربي يحقق تقدماً من نوع آخر، يخص المهارات والقدرات الخاصة بمجال التكنولوجيا، ورغم أن هذا المجال يبقى غير مهيكل، فإنه لافت للاهتمام؛ إذ تكفيك زيارة واحدة لأحد الأحياء الشعبية بالدار البيضاء التي يتم فيها إصلاح جميع الأجهزة الإلكترونية، هاتفاً كانت أو حاسوباً أو لوحة إلكترونية، هذا التصليح يتم بغض النظر عن العطل الذي أصاب الجهاز أو نوعه أو نوع البلد الذي صُنع فيه. ينضاف إلى ركن التصليح هذا، ركن آخر تتم فيه قرصنة الحسابات الإلكترونية بمختلف أنواعها، وكسر أقفال البطاقات البنكية وبطاقات الشراء.. إلا أن المؤسف في الأمر برمته، أن هذا المجال يبقى دون تأطير قانوني يمكن أن يسهم في رفع قيمة الأعمال التي يقوم بها هؤلاء الشباب.

في مقابل هذه النظرة التي يملأها التفاؤل والأمل بغدٍ أفضل للشباب المغربي، هناك نظرة يملأها الخوف من الغد ويكتنفها الغموض الذي لا يمكن أن ينجلي إلا بمعجزة، حسب الرجل الخمسيني، ويؤكد الأخير أنه بالفعل حدثت الطفرة التي تحدث عنها السبعيني، وقد مست جميع مناحي الحياة المغربية وجميع الفئات الاجتماعية التي يعتبر الشباب أحدها، إلا أن الأفق يبقى مسدوداً أمام هؤلاء الشباب رغم التكوينات التي تلقوها والشهادات التي حصلوا عليها، أو حتى المهارات التي يتمتعون بها، ويقصد الخمسيني بالأفق المسدود قلة فرص الشغل، التي تنعكس بدورها سلباً على مناحي الحياة الأخرى.

إن الوقوف عند مؤشر نقص فرص الشغل وتفشي البطالة في صفوف الشباب يؤدي بنا وحده إلى حديث لا متناهٍ، يتداخل فيه السياسي بالاجتماعي والاقتصادي، فمعدل البطالة بالمغرب بلغ في نهاية سنة 2017 نحو 10.2% مقابل 9.9% سنة 2016، وسُجلت هذه النسبة في صفوف الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و25 سنة، حسب المندوبية السامية للتخطيط.

إن ظاهرة البطالة هذه لها مجموعة من الانعكاسات السلبية على الشباب على عدة مستويات؛ نفسية واقتصادية واجتماعية، فبسببها يمكن أن يتعرض الشباب لمظاهر عدم التوافق النفسي والاجتماعي، وظهور الاضطرابات النفسية وما يمكن أن يصاحبها من اضطرابات في الشخصية تظهر في شكل عدم السعادة وعدم الرضا والشعور بالعجز والاعتلال في الصحة لديهم. كما أن الضائقة المالية التي تنتج عن البطالة تُضعف من قيمة الفرد باعتباره مورداً اقتصادياً، وهو ما قد يعيق أي تقدم اقتصادي، باعتبار الفرد المحرك الأساسي للاقتصاد، ومن هنا لا نستغرب أيضاً عندما نسمع أن معدل العنوسة يرتفع، خاصة في صفوف الإناث؛ إذ تبلغ هذه النسبة 60%، حسب دراسة أنجزتها مؤسسة "فاميلي أوبتيموس" المتخصصة في بحوث الأسرة والحياة الزوجية. وهذا الارتفاع في معدل العنوسة يوازيه ارتفاع سن الزواج في المغرب إلى 28 سنة لدى الفتيات و27 سنة لدى الشباب، حسب الدراسة نفسها.

بين النظرة الأولى المليئة بالتفاؤل بمستقبل مزهر لشباب اليوم والنظرة الثانية التي لا ترى إلا السواد في المستقبل نفسه- انصبَّت تدخلاتي بين الفينة والأخرى، لا على مدى كفاءة الشباب، ولا على مدى انفراج الأفق أو انغلاقه أمامهم، وإنما انصبَّت على مدى الجهود المبذولة في سبيل النهوض بهذه الشريحة التي تشكل عصب الحياة عامة والوصول بها إلى شاطئ النجاة، هذه الجهود منتظرة من السياسات العمومية للبلاد في المقام الأول، ثم من فعاليات المجتمع المدني (جمعيات، منظمات، مؤسسات خاصة…)، فتزايد الاعتراف بالحاجة إلى ضمان حق الشباب في التنمية وبناء المجتمع، وتزايد الاهتمام بقضايا الشباب في سياقها الدولي قبل الوطني لا يوازيهما اهتمام كافٍ من طرف التشريعات والاستراتيجيات الوطنية التي تستهدف بلورة مخططات لفائدة الشباب، وتبقى بذلك السياسات عاجزة عن التصدي لأشكال التهميش والإقصاء، وتبقى "تنمية الشباب" مجرد حلم لا يستطيع أحدٌ إنزاله إلى أرض الواقع!

لبُّ القول هو أن السبب الرئيس لاتساع الهوة بين متطلبات الشباب ومدى استجابة السياسات العمومية لها هو نتيجة لذلك الغموض الذي يكتنف هذه العلاقة، بسبب المعالجات الآنية التي لا تستند إلى أي تشخيص حقيقي لواقع الشباب المغربي وما يعترضهم من مشاكل اجتماعية واقتصادية وثقافية، هذه التحديات هي بالكاد تؤدي بهم لا محالة، إلى الغربة في أوطانهم، وتجعلهم دون مقاومة في أحضان الانحراف والتطرف؛ ومن ثم يبقى مستقبلهم رهيناً بمدى تبني السياسات العمومية أجود الأفكار وأنبل القيم وأشرف الرؤى، من أجل إعادة الاعتبار للطاقات الشبابية، وجعلها في صلب مخططات التنمية التي تستهدف إعداد وإذكاء وتحصين الشباب من أي تأثير واستلاب.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
سعيد عرجي
طالب ماجستير بالعلوم الاجتماعية والتنمية
تحميل المزيد