كلمة السر.. محاولة لفهم مصطلح «الكوز» داخل الحركات الإسلامية في السودان

عربي بوست
تم النشر: 2019/02/06 الساعة 10:48 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/02/06 الساعة 10:48 بتوقيت غرينتش
الترابي تم اعتقاله في عهد البشير/

ما الكوز- مقدمة:

"الدين بحر ونحن كيزانه"!

وإن كانت العبارة تُنسب لحسن الترابي، الأب الروحي للجبهة الإسلامية في السودان، أو لغيره، إلا أن لفظ "كوز" لوصف المنتمي للتيار الإسلامي في السودان استُخدم أكثر من القوى المناوئة والمعارضة للجبهة الإسلامية والحركة الإسلامية وتمظهراتها السياسية؛ المؤتمر الوطني الحاكم، والمؤتمر الشعبي المشارك في الحكومة الآن، امتداداً لبقية أحزاب الإسلام السياسي ذات التاريخ المشترك مع حركة الإخوان المسلمين بمسمّياتها المختلفة، كجبهة الدستور الإسلامي في الستينات، وجبهة الميثاق إبان عهد مايو، وإن كانت تلك الأجسام لا تمثل كتلة واحدة، لكن  لفظ "كوز" يشملها بالنسبة لمعارضيهم اليوم في الخرطوم.

 أستخدم هذا اللفظ "term" في مقالي، هذا الوصف مصطلح "concept" يشغل الثوار اليوم في معارضة النظام الحاكم في الخرطوم، وهم يرون التغطية الكبيرة للفساد والتفشّي المحزن له، بالإضافة للعنف غير المبرَّر في التعاطي مع الاحتجاجات التي تحدث الآن في السودان، تساؤلات تملأ عقول الجميع إلى درجة جعلتهم مندهشين، وما الدافع وراء التعنت الشديد والعنف الكبير من كوادر القوات الأمنية والأفراد التابعين للتنظيم، وما الدافع للتستر على السارقين والقاتلين من بقية إخوانهم. هذا المقال يتتبع الآلية التي يصنع بها الإسلامي نفسه، وداخل الجماعة السياسية والاجتماعية، محاولة فهم لا أكثر.

لكن مقالنا هذا يفصل الفرق بشكل واضح بين الكوز والمنتمي للكيزان، الكوز وهو الذي ينتمي أيديولوجيا وفكرياً بصورة تامة لفكرة الإسلام السياسي، وتربَّى عليها، أما المنتمي فهم ركب المنتفعين، وأصحاب المصالح المشتركة مع الكيزان وبعض الأحزاب والجماعات المشاركة مع الحكومة في الأهداف والعوائد، وهي مجموعات سهلة علي أي دارس، لوضع فارق بينهم وبين الذين نعنيهم في هذا المقال، وهم موضوع حديثنا.

 

 النبذ المجتمعي من قبل الآخرين

الكوز بطبعه دائم الاصطدام بالمجتمع، لا يجد نفسه فيه، ولا يكون له دور طبيعي، فهو لم يصعد لهرمه الاجتماعي بسبب قبول ما أو تشجيع من الآخرين، بل يستغلّ انتماءه للجماعة لاصطناع مجتمع جديد، يجد نفسه ودوره فيه، بدلاً من مجتمعه الذي لم يستطع أن يسطع فيه نجمه، وتصبح له قوى ضبط اجتماعي جديدة، وتقاليد مختلفة قليلاً من مجتمعه التقليدي، ولكسب احترام المجتمع التقليدي يلجأ للعنف، الذي قد يتجسَّد في إخافة الآخرين من زملاء العمل أو سكان الحي، احترام ظاهري يرضي به سوءات النبذ السابقة، مستغلاً في ذلك علاقته المباشرة بالسلطة، ويكون الانضمام للجماعة لمحاولة الخروج من هامش المجتمع لخلق مجتمع جديد يكون هو مركزه، أما تلبسه باللباس المحافظ الإسلامي فهو محاولة إيهام أخرى للنفس، وتلاعب شخصي بالنفس، فالمجتمع بطبعه يتعامل بظاهر اللغة والتصرف والملبس، أي بالظاهر من الشخص، أما الدين فهو باطن، لذلك يحاول أن يظهره الكوز بأي طريقة، ويحولّه لشيء ظاهر، يُرى بشكل واضح للآخرين، كالملبس والمظهر واللحية، والإكثار من الكلمات الدينية في الكلام، ومن هنا تبدأ العلاقة الوطيدة بين الإسلام السياسي والفساد والمحسوبية، فذلك يبدأ من مستوى فردي وشخصي للغاية، ثم يمتد ليشمل شكل الجماعة وطريقة تعاطيها مع الأحداث العامة، أي أن الرياء يبدأ مبكراً في حياتهم الشخصية.

يجتهد (الإسلاموي) في إظهار نفسه مسلماً ملتزماً؛ لأنها الحجة التي استخدمها لهزيمة أعداء مختلفين في صراعات ماضية، لذلك يجتهد في الشكليات والقشريات، ويسكت عن ادعاء الآخرين المنتفعين والمنضمين لتياره إن توافقت شكلياتهم فقط، لا أعمالهم وقدراتهم، ويستميت في إظهار أفعال تُظهر قوة تديّنه وخُلقه، محاولاً صنع "دينوميتر" اجتماعي، يقيس به أخلاق الآخرين حال دخولهم للمجالات العامة، الفساد الأخلاقي والسياسي مرتبط بهذا الادعاء، بهذا المقياس، ولا أعتقد أنه سينفصل منه في كل التجارب التي قد تصعد مستقبلاً من الإسلام السياسي.

 

الجماعة

تبدأ مرحلة تكوين الجماعة باستغلال الانعزالية التي يعاني منها الفرد، وهي اغترابه عن محيطه الاجتماعي، فتقوم باستبدال ذلك الفراغ في حياة أفرادها، بأهداف أكبر وأسمى تُزرع بطرق تدريب وتربية تتكرر لفترات طويلة، تساعد في صناعة الجندي الفكري الممتاز عن طريق قوالب معدة مسبقاً بعناية، ويتم في هذه المرحلة الملاءَمة بين حاجة الفرد وحاجة الجماعة في تحقيق أهدافها  السياسية، فلا يوجد عنصر منفرد في الجماعة، لكن تستغل التباينات في حاجات الأفراد لصناعة مزيج أكبر، وإن كانت أغلبية حاجات الأفراد كالغضب أو الانتقام تتحول لحاجة الجماعة لإرهاب أو تدمير، وكما ذكرنا تتم زراعة الأخلاقيات والتقاليد في مجتمع الجماعة، في دورات طويلة من التربية الدينية والعسكرية والتنظيمية، وإن كان مصطلح "تربية" يعبر عن ريبة، فالكادر الذي يبلغ أكثر من 18 يحتاج لتربية نفسية دينية واجتماعية جديدة، أي إعادة صنع، أو إعادة إنتاج جديدة لفكر ديني وتقاليد اجتماعية، وعملية غسل طفيفة للماضي، وصبغ ألوان جديدة على أعضاء التنظيم الجدد، وهم بالغون عاقلون.

 

اللجوء للعنف

يكون اللجوء للعنف مرتبطاً بالإسلامي بشكل كبير، خصوصاً في المجتمعات المحافظة، لأنه مرتبط بالطريقة التي يتعامل بها الإسلامي مع الآخرين، الذين لا يتفقون معه في الفكرة، فهي طريقة قائمة على اصطناع العدو، وتحويله لعدو بدلاً من مجرد مختلِف، أو غير مختلف، ومن هناك يبدأ نزاع الفرد الإسلامي الداخلي، فهو يحارب في مجتمعه، وهو يعلم تماماً حجم وجود الدين فيه، وأن الإسلام لم يأت معه، ولن يختفي باختفائه، وانحسار نشاطه السياسي، لكنه يصطنع الحجج ليبرر عن امتعاضه من الآخرين، ويكون العنف تكذيباً لعقله أو علاجاً بالكي لجروح الروح، ويساعده بطريقة ما على تجاوز تأنيب الضمير، فهو يحاول أن يصور لنفسه أنه يحارب كفاراً ومرتزقة يحاولون محو الدين من على الوجود، ويصطنع نفس الإحساس، حتى وإن كان يحارب إسلاميين مثله اختلفوا في الفرعيات لا أصول الأفكار، وكانوا معه في سابق الأيام، العنف عند الإسلامي مختلف بشكل كبير عن بقية السياسيين، فإن كان الاثنان يبرران لأفعال العنف بأهداف كبرى، لكن الإسلامي لا يصيبه الندم من الخطيئة، بسبب الفكرة الدينية التي أُوهِم في مرحلة الإعداد أنها مؤسِّسة لفكرة الحزب أو الجماعة.

 

الحديث عن سيكولوجية الإسلامي "الكوز" لا تنفصل تماماً عن أفكار ومبادئ المجتمع التي تأثر بها الإسلامي نفسه، فكما نعيب هذا الفكر فنحن أيضاً نعيب الآليات الاجتماعية التي تؤثر على كافة فئات المجتمع، سياسيين كانوا أو لا، إسلاميين أو لا، متدينين أو غير ذلك من كافة فئات المجتمع، فالكوز "الإسلامي" شخصية صنعت بمساعدة كبيرة من المجتمع نفسه، الذي يخرج ضده اليوم، ويتساءل كالطيب صالح: "من أين جاء هؤلاء"؟.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
خالد سراج الدين
مدون سوداني
تحميل المزيد