سائق الأتوبيس الذي دمّر بلاده ونهبها.. ماذا يحدث في فنزويلا؟!

عدد القراءات
658
تم النشر: 2019/02/06 الساعة 13:10 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/02/09 الساعة 09:31 بتوقيت غرينتش
الرئيس الفنزولي نيكولاس مادورو

بعد عشرين عاماً من تركه وظيفته الأولى سائقاً للحافلات، يبدو الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو متجهاً إلى الاصطدام بجدار كبير صُلب، قد يُنهي تجربته السياسية للأبد، فبعد انتخاب مادورو للمرة الثانية رئيساً لفنزويلا نهاية 2018، رفضت كثير من القوى العالمية والمحلية المحيطة به الاعتراف بشرعيته، بعد تنصيبه في يناير/كانون الثاني 2019، وهو نفس الشهر الذي شهد في الثالث والعشرين منه -على جانب آخر- إعلان الشاب خوان جايدو (35 عاماً) رئيساً مؤقتاً للبلاد، بعد فوزه بمنصب رئيس برلمان فنزويلا، في الخامس من يناير/كانون الثاني 2019.

هكذا بدت معطيات الأحداث مستعدة للتفاعل الدولي، الذي أعاد إلى الأذهان فكرة المعسكرَيْن: الشرقي الداعم لسلطة مادورو، والغربي الداعم لتثبيت أقدام الشاب جايدو… فكل من روسيا والصين وإيران وتركيا والمكسيك وكوبا وحلفائها أعلنت دعمها للرئيس الحالي نيكولاس مادورو، الذي شغل منصب وزير خارجية فنزويلا بين عامي 2006 و2012، قبل أن يُنتخب رئيساً للبلاد في عام 2013، بعد وفاة الزعيم التاريخي هوغو شافيز.

بينما تقف على الجانب الآخر، حيث المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية كل من فرنسا وألمانيا وكندا والبرازيل والأرجنتين وباراغواي وتشيلي وحلفائها بجانب المهندس الشاب خوان جايدو، الذي لملم شتات المعارضة الفنزويلية، واستغلَّ الغضب الواسع داخلياً وخارجياً ضد مادورو ليُعلن نفسَه رئيساً مؤقتاً للبلاد، بصفته رئيساً منتخباً للبرلمان الحالي.

لكن ما هي دوافع وأسرار الانقسام الدولي الراهن بشأن المشهد في فنزويلا؟!

أولاً: الرئيس نيكولاس مادورو (57 عاماً)

على مدار ست سنوات في حكم البلاد، أثبت مادورو تبنِّي نفس نهج رئيسه الراحل هوغو شافيز، بل زاد عليه بدخول البلاد في أزمات اقتصادية عنيفة، فقد شهد عهد مادورو تضخماً في الأسعار يزيد عن مليون % وحذف أصفاراً كثيرة من العملة الوطنية، واخترع عملة رقمية موازية لتصدير نفط البلاد، الذي انخفض إنتاجه اليومي من 3.5 مليون برميل منذ أكثر من عشر سنوات إلى 1.2 مليون برميل على أفضل تقدير… مرورواً بهروب الشركات العالمية من فنزويلا، مثل كوكاكولا، لنقص السكر، وكذلك زيادات الأجور في عهد مادورو إلى أكثر من 15 مرة لمواطني بلاده، الذين نزح نحو 8%  منهم (نحو 2.3 مليون شخص) إلى الدول المجاورة.

فنزويلا الشهيرة بأعلى احتياطي نفطي في العالم، يقارب 300 مليار برميل، التي تعتمد عائداتها على نحو 98% من صادراتها النفطية، تمتلك أيضاً رصيداً مهماً من الغاز والحديد والذهب والألومنيوم… لكن الفساد المتراكم من قبل مادورو، والمستفحل في فترة حكمه، جعلها تتصدر أغلب المؤشرات الاقتصادية السلبية على النحو التالي:

انخفاض الناتج المحلي الإجمالي إلى 131 مليار دولار، من 432 مليار دولار قبل عشر سنوات.

التضخم الشهري في الأسعار بلغ 144%

معدل البطالة الرسمي بلغ نحو 24%

عدد السكان تحت خط الفقر بلغ 38%

المركز التاسع عالمياً في أكثر الدول فساداً، حسب منظمة الشفافية الدولية.

وحسب بيانات البنك الدولي فقد يلزم فنزويلا (العضو في منظمة أوبك) بعد اجتياز حقبة مادورو، أن يكون سعر برميل النفط نحو 120 دولاراً، مع رفع صادراتها إلى قرب 3 ملايين برميل يومياً، رغم الصعوبات الفنية، ليعود اقتصادها إلى مستواه العادي قبل رحيل شافيز في 2013.

كل هذه الأسباب وأكثر دفعت الغرب للتكتل ضد سياسات مادورو، الذي بالطبع لن يعيش نظامه دون حلفاء دوليين داعمين له، أبرزهم روسيا بوتين، الحليف الاقتصادي المهم لفنزويلا مادورو، حيث شركة "روسنفت" الروسية العملاقة، التي تعد أكبر مستثمر استراتيجي لقطاع النفط في فنزويلا، باستثمارات تفوق  3.5 مليار دولار من أصل 4.2 مليار دولار، حجم استثمارات روسيا الإجمالية في فنزويلا، بجانب القروض الروسية التي حصل عليها نظام مادورو، التي بلغت نحو 6 مليارات دولار منذ عام 2014، بالإضافة إلى إشارة بيانات روسنفت بشأن استحقاقها لنحو 3.1 مليار دولار ديوناً على فنزويلا، في قطاعات أخرى، بخلاف النفط.

التعاون الروسي الفنزويلي لم يقتصر على الجانب الاقتصادي، بل امتد بحكم التاريخ والموقع إلى الجانب العسكري أيضاً، الذي شهد آخر عام 2018 تزويد روسيا للقوات المسلحة الفنزويلية بقذائف استراتيجية، قادرة على حمل رؤوس وأسلحة نووية، تعزز من موقفها حال إقدام الولايات المتحدة الأمريكية على التدخل العسكري في فنزويلا.

ثانياً: الرئيس المؤقت خوان جايدو (35 عاماً)

قبل عشر سنوات، وفي عهد الرئيس الراحل هوغو شافيز، العسكري صاحب المنهج الاشتراكي الصرف، أسَّس مهندس صناعي شاب، يُدعى خوان جايدو، حزبَ "إرادة الشعب" في عام 2009، ليبدأ رحلته السياسية التي توّجها بفوزه الساحق برئاسة برلمان فنزويلا 2019، كأصغر مَن يتولَّى هذا المنصب في البلاد، التي وجد شعبُها في جايدو فرصةً مدنية منفتحة، للتخلص من إرث شافيز ومادورو المدمر اقتصادياً.

سرعان ما راق نموذج جايدو للدول الغربية المناهضة لحكم مادورو، وتجلَّى ذلك في الدعم الأمريكي والبرازيلي المبكر، فور فوز جايدو برئاسة البرلمان، وإعلانه عن مظاهرات حاشدة لأسقاط مادورو المغتصب للسلطة، حسب تعبيره، في 23 يناير/كانون الثاني الماضي، التي آتت بالفعل ثمارَها، حيث نصّب نفسَه رئيساً مؤقتاً للبلاد، وانحاز جانب كبير من الشعب داخلياً له، وكذلك حدث اعتراف فوري من الدول الأمريكية بشرعيته.

يزداد الدعم الخارجي لسلطة خوان جايدو بعد تأكيد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو على عدم اعتراف بلاده بسلطة مادورو، وتأييدها المعلن لجايدو، الذي يواجه صعوبة حقيقية في عدم الانحياز الرسمي من جانب القوات المسلحة في فنزويلا له، وبقائها على دعم مادورو حتى الآن، وهو الأمر الذي يحاول جايدو تداركه، بتعهده بالعفو الشامل عن المسؤولين من الحكومة والجيش المتعاونين مع مادورو، واعتزامه إجراء انتخابات رئاسية نزيهة وشفّافة، بإشراف المجتمع الدولي، وكذلك إعادة النظر في تقديم ضمانات وتطمينات للدول صاحبة الاستثمارات الخارجية في بلاده، خاصة روسيا.

كما أن الموقف الأمريكي -حسب الرئيس ترامب- لا يستبعد تدخلاً عسكرياً في فنزويلا، لحسم الأمور لصالح جايدو، الذي تُصدِّر بلاده نحو 7% من واردات النفط الأمريكية، وهو الأمر الذي دعا ترامب إلى تشديد لهجته، بفرض عقوبات اقتصادية متوقعة على قطاعات النفط والذهب والتصنيع في فنزويلا، كخطوة أولى لأزاحة مادورو، الذي قطع علاقاته رسمياً مع واشنطن.

أخيراً، وبعد كل ما سبق تبقى الأسئلة:

مَن يحسم المشهد في فنزويلا، خاصة قبل اجتماع أوبك القادم، في أبريل/نيسان 2019، الذي قد يشهد خلافاً دولياً واضحاً على ثنائية تمثيل سلطة فنزويلا، عضو أوبك منذ عام 1960؟

ومتى، وبأي كلفة ستعود فنزويلا بثرواتها المهولة إلى ما تستحقه من نمو واستقرار، كرافد مؤثر في الاقتصاد العالمي ككل؟.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
محمد مهدي عبدالنبي
باحث اقتصادي ووسيط مالي بالبورصة المصرية
محمد مهدي عبدالنبي من مواليد 2 مارس 1983. كاتب اقتصادي، وخبير أسواق المال العالمية، ووسيط مالي معتمد بالبورصة المصرية منذ العام 2006.
تحميل المزيد