مع ذكرى الثورة وعقب مرور ثمانية أعوام مُنصعة بكافة ألحان الشوق والاشتياق إلى الثورة، ها هو صاحب التسعين يُطل علينا، ها هو بتجاعيد وجهه وبكاريزمته المعتادة آت بعدما أصابه الكبر، ها هو يطل علينا شاهداً على ثورة خلعته من ثلاثين عاماً من "اللا سياسة".
حدثنا يا مبارك، حدثنا بكل لذاتك في الانتقام، عن مجموعة من الشباب رموا بك أنت وعائلتك إلى مهزلة التاريخ، حدثنا عن فساد وجهل ثلاثين عاماً، حدثنا عن انتخابات مزورة وقتل وتعذيب تحت إطار القانون حدثنا عن أكثر من 250 شهيداً قتلتهم أجهزتك القمعية!
عاقل من توقع مجيء مبارك في أحد الأيام شاهداً على الثورة!
يستدعيه القاضي فيُستقبل كالنبلاء وبكل فصاحة يحكي لنا تفاصيل المؤامرة الأمريكية الإسرائيلية الإيرانية التركية التي أطاحت به!
ستمضي الأيام والسنون وستظل مذكوراً بالرئيس المخلوع علي أيدي الشباب، مهما طال الزمن وساءت الأحوال ستظل ديكتاتوراً فاشياً دمر الحياة المصرية سياسياً واقتصادياً بـ"رأسمالية المحاسيب".
مراجعات ثورية
تعريف الثورة سياسياً هي وسيلة لغاية وهدف محدد سواء كان حرية أو كرامة أو تحسينات اقتصادية، ولكننا في الواقع رأينا الثورة غاية وليست وسيلة!
في 11 فبراير 2011 أسقطنا نظام مبارك رسمياً، حينها شعرت وكأننا نسأل أنفسنا "مبارك سقط! ماذا يجب أن نفعل! ما التالي الآن؟ "وأهملنا ملايين وراءنا ينتظرون نتائج وتحقيق وعود الثورة وبالأخص تحسين الظروف الاقتصادية!
مواطن بسيط أقصى طموحاته معاش ووظيفة مناسبة لابنه العاطل، فلا يفهم معنى ديمقراطية أو صراعات رأسمالية اشتراكية، ولا يبحث عن سياسات أيديولوجية معقدة!
فاعتقدنا أن 80 مليون مصري هدفهم الوحيد مثلنا نحن الشباب الحرية وتطبيق نظام ديمقراطي حقيقي قائم على الحرية والكرامة وتكتلات معارضة حرة
أدخلونا في صراعات جانبية ليس منها أي جدوى، أحدهم يطلق الأذان في مجلس الشعب والآخر يستنكر عدم اعتراف أحد التيارات المصرية بـ"الهولوكوست"!
نحن يا صديقي لا نتقبل بعضنا البعض، صديقي في الثورة ولكن لا أريدك في الحكم حتى لو حصدت الأغلبية، فالأول يفوز بالأغلبية ولكن الثاني يختلف معه أيديولوجياً ويرفض الجلوس معه، فالثاني يرفض إشراكه في الحكم، فسرعان ما يستنجد الأول بالجيش لإطاحة الأول من الحكم!
والسؤال هنا، هل لدى التيارات والحركات المصرية القدرة على تقديم مراجعات؟ هل لدينا الشجاعة الكافية لهذا؟ أم سنستمر في التكابر على بعضنا البعض ونستمتع بإلقاء التهم على بعضنا البعض، هذا خان الثورة وهذا عميل صاحب أجندات!
– دكتور عمرو الحمزاوي "سياسي مصري شارك في مظاهرات 30/6 والتي أسقطت حكم الإخوان" في قناة العربي 2016:
"الدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة عام 2013 في دولة كمصر غير مستقرة سياسياً ولا دستورياً كانت أشبه بهدم المعبد على رؤوس الجميع، وبالفعل مهدت الطريق لانقلاب عسكري في 7/3 ونعم أكرر وصف "انقلاب عسكري" على مكتسبات الثورة وليس الإخوان، أعترف أني قدرت المشهد حينها خطأً ولا أجد أي عيب في تقديم مراجعات..
الدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة إجراء ديمقراطي وشرعي، لكن في ظل الظروف حينها وفي ظل تربص أطراف داخلية وخارجية للثورة كان أمراً غير مقبول، الإخوان ومرسي فشلوا إدارياً وسياسياً واقتصادياً، الكثير من النخب الليبرالية والعلمانية تواطأت مع المكون العسكري الأمني واكتفت بالصمت إزاء مجزرة (رابعة) حتى استفاقوا بعدها بشهور في صورة واضحة من (ازدواجية المعايير)"
إلى من أصبحت ذكرى
على ألحان "يا الميدان" أكتب بكل حزن وقهر عن ثورة عظيمة سميناها يناير فاسمحلي يا شوالي بتلك الكلمات:
"معشر السامعين! حضرات المشاهدين! في زمن النكران وعصر الزهايمر، يناير اللي انقلبت عليها الملايين، ها دي الملايين اللي أعطتهم الحرية، أضافت لمصر نصاعة وبريقاً وكلفتها بين جريح وشهيد..
يناير اللي أطلقنا عليها "ربيع" طعنها أحباؤها قبل خصومها ونكرها الاقرباء قبل البعاد، يناير من علمتكم معنى الكرامة، الآن صارت مجرد ذكرى ونكبة، الآن أصبحت يناير معندها في السوق ميذوق..
لا لم تُنسَ يا سادة، لم تنته صلاحية يناير لتباع في المزاد .
من شاب شارك في الثورة وبكل الفعاليات والأحدث من 2011 حتى الآن إلى صديقي الشهيد، أرسل إليك رسالة مفعمة بكل مشاعر الحزن مفادها "فشلنا!"
"فشلنا في تجسيد الثورة من الميدان إلى الحكم، فشلنا في التوحد وقسمونا إلى فرق وتيارات، أقنعونا بصراعات جانبية لا جدوى منها، ولكن اطمئن فلم يصبنا اليأس بعد، وسيأتي يوم نحاكم فيه كل من خان وقتل وأهان تاريخ هذا البلد"
إلى تلك الجميلة
ثماني سنوات مرت يا جميلة..
يكاد لا يمضي يوم إلا وأشاهد علمك وهو يرفرف بألوانه الجميلة من فوق قمة المدرسة المجاورة لمنزلي، فبرغم كل ما رأيته فيك من ظلم ويأس، لكني لا أمل من عشقك، مازلت متمسكاً بآخر ذرة أمل في جعلك دولة حرة تسودها مبادئ الديمقراطية والحرية والكرامة.
بكل أسف وألم أقدم لكِ اعتذاري عن كل خائن وفاسد وديكتاتورية 60 سنة أهانت تاريخك وشعبك أيتها الجميلة..
– منذ أشهر قليلة أتممت عامي الثاني والعشرين، فاسمحيلي ببعض السطور..
"مازال عقلي ثائراً لا تفارقه معاني الثورة والحرية، مازالت يناير بكل ذكرياتها الجميلة تلاحق ذهني، مازال قلبي يبكي علي كل معتقل، مازالت السياسة تقتلني ببطء، كارهٌ لها ولكني عاجز عن تركها، مازلت عاشقاً لك أيتها الجميلة، أقف قبل الغروب في شرفتي لأشاهد علمك وهو يرفرف من أعلى قمة المدرسة المجاورة لمنزلي، عقلي متمرد رافض لكل أشكال الديكتاتورية، أتذكر أحلامي في 2011 بتطهيرك من كل فاسد، أفكر في السفر بعيداً عنك ولكن أعود وأشتاق فلا أقوى على مفارقتك، فهل تحبينني كما أحبك؟".
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.