في الليلة الموافقة لليلة "جمعة الغضب" تلك الليلة التي اندلعت فيها نيران الغضب المقدسة، والتي أحرقت كل الحواجز التي وضعها العسكر أمام حرية بني وطني منذ انقلاب يونيو 1952، أذاعت الجزيرة فيلماً تحت عنوان: "في سبع سنين" استعرض فيه صُناع الفيلم نماذج من الشباب المصري، الذي تغير تغيرات حادة ومفصلية، لدرجة أن من كان يعرف هؤلاء الشباب قد لا يستطيع التعرف عليهم لو سمع كلامهم بعد التغير الدراماتيكي الذي حدث في شخصية كل واحد منهم.
ونستطيع أن نقسم الشباب الذين وردوا في هذا الفيلم إلى فئتين:
أولاً: الفئة التي اتخذت موقفاً معادياً أو متحفظاً من الدين
وقد انحصرت الأوصاف التي أطلقها الشباب على أنفسهم بين ألا أدري والملحد أو الكافر، كما ذهبت إحدى الشابات التي استضيفت في الفيلم، وقد قام كل منهم بحكاية موقف أو مجموعة من المواقف أدت إلى هذا الموقف المتحفظ أو المُعادي للدين، وتفاوتت هذه المواقف بين الشديدة الخصوصية، كتجربة زوجية فاشلة، أو الوقوع كضحية لجريمة تحرّش، إلى أحداث عامة مرّت بها البلد ككل كأحداث محمد محمود أو فض اعتصام رابعة العدوية، أو تجربة جمعت في صدمتها وألمها بين الشخصي والعام، كتجربة الشاب "حسن البنا" الذي فقد مجموعة من أصدقائه في الأحداث التي تلت الانقلاب في مصر، إلى أن توّجت مصائبه بفقد شقيقه الذي كان يعده بمثابة الأب الروحي.
والرابط بين كل هذه الشخصيات هو الخلفية الإسلامية التي تمت تربيتهم عليها، فمنهم من نشأ في أسرة إخوانية، ومنهم من تربى في المحاضن السلفية، ومنهم من كان يرى في عمرو خالد قدوته.
ثانياً: الفئة التي اتجهت للعمل المسلح
استضاف الفيلم مجموعة من الشباب الذين اتجهوا للعمل المسلح، وقد فهمت أنهم انضموا لصفوف داعش في سوريا، ومع الأسئلة التي وجهها المحاور لهم تبين أنهم كانوا شباباً يحيون بصورة طبيعية جداً في مصر، وانحصرت الأسباب التي أدت إلى هذا التغيير الكبير الذي لحق بفكرهم وأسلوب حياتهم بين الأحداث الدامية التي تعرضت لها البلاد بعد الانقلاب، وعلى رأسها فضّ اعتصام رابعة العدوية، وبين الاعتقال والخضوع للتعذيب.
ومن الغريب أن هؤلاء الشباب من خلفيات فكرية مختلفة جداً، فأحدهم على سبيل المثال كان يصيّف في الساحل الشمالي أثناء فضّ اعتصام رابعة، وقال إنه لم يكن متابعاً لما يحدث في الشأن العام، إلا أنه صُدم من الفيديوهات والصور التي جسّدت الحادث.
والآخر قال إنه لم يكن يحب مرسي أصلاً، أما الثالث فمن الواضح من لهجته أنه غير مثقف بالشكل الكافي، خصوصاً فيما يتعلق بالثقافة الإسلامية، أو هذا ما شعرت به على الأقل.
تعليقي على الفيلم
لقد شعرت بالحزن والشفقة على كل الشباب الذين ظهروا بالفيلم، فقد تصورتهم جميعاً كضحايا للمعركة الرهيبة التي شهدتها وما زالت تشهدها بلدي، بل وكل البلاد التي ثارت على طواغيتها إلى وقت كتابة هذة السطور، هؤلاء الشباب بل إن كل جيلنا قد تعرض لهزة رهيبة، وضغوط فظيعة، فمن الطبيعي -وأنا أسف جداً أن أقول من الطبيعي- أن يسقط منا مثل هؤلاء الشباب.
إن كنت قد حزنت على الشباب الذي أعلن إلحاده قيراطاً واحداً، فأنا حزين لدرجة لا أستطيع وصفها على الشباب الذي تورّط وانخرط في صفوف داعش، فالفئة الأولى مشكلتها قد تحل بصورة لحظية بمجرد أن تهدأ نفوسهم أو يصلوا إلى الحقيقة التي يبحثوا عنها، وقد يستطيعون ممارسة حيواتهم بصورة طبيعية حتى لو استمروا في فكرهم.
أما الفئة الثانية التي أصر على استخدام مصطلح أنهم تورّطوا، فهم لا يملكون رفاهية العودة عن الطريق الذي ساروا فيه بمجرد إرادتهم لهذا، أو بمجرد اكتشافهم لخطأ هذا المسار، كما قال أحدهم، فهذا الأمر قد يكلفهم حيواتهم.
وقد أثر فيّ المحاور وهو يسترجع تفاصيل حياة كل واحد فيهم، تلك التفاصيل الإنسانية البسيطة الساذجة، وكأنه يرد كل واحد فيهم إلى شخصيته وينبهه أنه في المكان الخطأ.
أخيراً
هذه رسالة إلى كل مَن سيسبّ الشباب الذي يعاني من مشاكل اعتقادية، أرجوك لا تستهزئ بالكارثة التي يمر بها هؤلاء الشباب، أرجوك أن تنظر إليهم على أنهم ضحايا حرب، وإن كنت ترى في إيمانك قوة فأرجو أن تحمد الله وتطلب منه العافية وتذكّر دائماً أن الفتنة لا تؤمن على حي.
والسلام
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.