بيسان وجواني.. تفاصيل الانحطاط في سوريا

عدد القراءات
999
عربي بوست
تم النشر: 2019/02/01 الساعة 17:10 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/08/17 الساعة 10:43 بتوقيت غرينتش

يقول الفيلسوف الإيطالي أومبرتو إكو المتوفى عام 2016: "أدوات مثل تويتر وفيسبوك تمنح حق الكلام لفيالق من الحمقى، ممن كانوا يتكلمون في البارات فقط بعد تناول كأس من النبيذ، دون أن يتسببوا في أي ضرر للمجتمع، وكان يتم إسكاتهم فوراً. أما الآن، فلهم الحق في الكلام مثلهم مثل من يحمل جائزة نوبل. إنه غزو البلهاء!".

في مقهى متواضع بمدينة غازي عنتاب التركية كان لقائي الأول والأخير مع الشاب "محمد جواني".

حيث كان يعمل على تقديم الأرجيلة في ذلك المكان، وكما قال الأولون: "الشغل مو عيب" قالوا أيضاً: "عطي الخباز خبزه، لو أكل نصه".

مرت الشهور أو ربما سنة وامتطى هذا الشاب السوري صغير السن، الذي ترك بلاده عنوة حال الملايين من السوريين، عباب المتوسط قاصداً أوروبا، وتحديداً "جنة اللجوء" حينها، ألمانيا.

هناك وفي ظروف لا علم لنا بتفاصيلها، امتلك جواني أدوات تخوّل له دخول عالم التواصل الاجتماعي ومنصات الفيديو، ووجد كغيره ممن قدّموا محتوى هادفاً أو تافهاً، سبيل الربح والعيش "الكريم" من إنتاج المحتوى.

في البداية ومن حيث المبدأ، يُحسب له وشريكته "الطفلة" بيسان إسماعيل وغيرهما تمكُّنهم من  كسر حواجز الخوف ومواجهة الجمهور، وهذا ما يتلقى فيه السياسيون والفنانون دورات خاصة، ويتطلب منهم جهداً كبيراً.

وعند استعراض إيجابيات تجربة اليوتيوب السورية، نقف عند هذا القدر وتبدأ تتوالى صدماتنا بما وصلت إليه شريحة من المراهقين السوريين في بلدان اللجوء.

بعد سنوات وبجهد كان له قيمة أو لم تكن، بدأ عدد متابعي المحتوى الذي تنتجه هذه التجارب السورية يصل إلى الملايين.

ويتراوح إنتاج قناتي محمد جواني وبيسان إسماعيل وقنوات أخرى أقل منها متابعة، بين "مقلب الحب بجواني" (قناة بيسان)، و"مقلب كيف كسرت مكياج بيسان براس السنة" (قناة جواني).

ويلقى المحتوى من هذا القبيل رواجاً وتعليقات مرحِّبة، وكذلك وجهات نظر ثانية تستهجن ذلك.

من المقالب انتقل جواني إلى غناء الراب، وعلى عادة مغني الراب في العالم، نشبت حرب بينه وبين مغني راب معروف إلى حد ما في الساحة السورية هو "مودي العربي" صاحب توقيع "دمشق العاصمة".

وصدرت في هذه المعركة مجموعة من أغاني الراب الغريبة مثل "مين بجينا نحن" (مودي العربي)، و "مضغوط جبنا المليون" (بيسان وجواني)، وعند هذا الحد تتلخص تجربة جواني بما يقارب مليوني متابع على يوتيوب.

بيسان، وهي طفلة سورية من مواليد عام 2003 بحسب حساباتها في مواقع التواصل الاجتماعي، وبعد أن "ضغطت" الجميع رفقة جواني وتجاوزا معاً مليون متابع.

تابعت تجربتها واتجهت إلى عالم الغناء، وصاحت بكل ثقة في فيديو بث مباشر على منصة "يو ناو" رفقة يوتيوبر آخر هو محمود بيطار، قائلة "أنا مطربة، أناااا مطربة، نجوى كرم بتطلع مسارح، رويدا عطية بتطلع مسارح، ليش أنا ما أطلع مسارح".

الطفلة السورية طرحت منذ بداية العام الجاري 2019 أغنيتين: واحدة من نوع الراب مع شريكها جواني ورابر آخر يُعتقد أنه مشهور، لأنه يتفاخر بعودته إلى الغناء ويسمى "مرسال".

أما الأغنية الثانية فهي باللهجة العراقية وبعنوان "كلمة هواية".

لبيسان اليوم شركة إنتاج، وقد وعدت جمهورها على إنستغرام بتعاون يجمعها مع من وصفته بـ "الملحن الكبير والشاعر طلال الداعور "، وما أدراكم من هو طلال الداعور!

تجاوزت هذه اليافعة اليوم مليوني متابع على يوتيوب، وتعتقد أنها لا تقل عن قامات فنية كبيرة في العالم العربي.

ولِم لا وهي تقترب من رقم الهضبة عمرو دياب، وتتفوق على نجوى كرم التي تمتلك ما يقارب 300 ألف متابع فقط! كما تتجاوز أسماء لامعة عديدة، منها وائل كفوري وجورج وسوف؛ وأصالة نصري وعبير نعمة ولينا شماميان.

وحتى القنوات الرسمية للسيدة أم كلثوم والراحل عبد الحليم حافظ وموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب والتي انطلقت من قبل "مجموعة مزيكا" قبل سنوات.

https://www.youtube.com/watch?time_continue=2&v=ZhMdTALoSJQ

عشرات في سوريا يتمكنون من حصد الشهرة السريعة على مواقع التواصل ومنصات الفيديو اليوم دون تقديم أي محتوى يُذكر.

ومتابعتنا كميةَ المحتوى المنتَج من قِبلهم، بما يتطلب من جهد ووقت، تؤكد لنا أنهم لا يعملون على تطوير قدراتهم أو متابعة تعليمهم، على الرغم من وجود معظمهم في أوروبا، التي تسهل فيها متابعة الدراسة والتعلم والتطور.

وبالنظر إلى هذه النماذج التي لها انعكاس سلبي كبير على متابعيها من أطفال ومراهقين في سوريا والعالم العربي عموماً، لا يمكن التغاضي عن مستقبلها وما يمكن أن تنتجه للمجتمعات المقيمة بها أو مجتمعاتها الأصلية، بعد تلاشي الشهرة بطبيعة الحال، كما حصل مع مبدعين حقيقيين، منهم من اعتزل، ومنهم من اجترَّ ماضيه حتى مات، ومنهم من انتحر أو حاول الانتحار.

وعلى هذا المنوال، ينشأ جيل كامل في سوريا والمجتمعات السورية اللاجئة منهم كهؤلاء وآخرين أسوأ حالاً، قد يجرهم الجهل والفقر إلى عالم الجريمة أو الإدمان.

ومع الأسف تغيب هذه الشريحة عن أذهان أي معنيٍّ من أطراف الصراع في البلاد أو الدول التابعة لها، بل تواجه أقذر صور الأدلجة والاستقطاب، والتجنيد في بعض المناطق، ليخدموا أجندات من ينهش في الكعكة السورية.

كما تغيب هذه الشريحة عن أذهان المنظمات المعنيَّة بحقوق الانسان والطفل والتي من واجبها العمل على نتائج دوامة العنف التي واجهها الشعب السوري، لدى الأطفال والمراهقين وبقية الفئات العمرية.

في النهاية، لا يمكن إهمال تجارب سورية ذات قيمة كـ "ديستوبيا عربي" للأخوين نجار، على سبيل المثال لا الحصر وغيرها، وهي طبعاً لم تحصد ربع ما حصدته فيديوهات المقالب وأغاني الراب، والتحديات التي تصور لنا الانحطاط السوري بأدق تفاصيله.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

نورس يكن
صحفي سوري مقيم في فرنسا
تحميل المزيد