جمال الرجل بماله

عربي بوست
تم النشر: 2019/01/28 الساعة 14:34 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/01/28 الساعة 14:34 بتوقيت غرينتش
Elegant rich man in a suit leaning on his parked car while talking on the phone

إن المتأمل في أحوال الناس اليوم سيجد انتشارا غير مسبوق لأمثال شعبية وأقوال موروثة لا توافق التفكير السديد، لكنها رغم ذلك ترسخت في عقول العامة فأفرزت معتقدات فاسدة تحمل أحكاما قاسية بعيدة عن الصواب الأخلاقي، لأن معانيها رديئة وإيحاءاتها خطيرة تدفع بشدة للاتجاه نحو التصرف وفق أنماط سلوكية منحرفة تعكس بدون أدنى شك ثقافة المجتمع الذي يفرزها، والمشكل هنا يكمن في تجسيد هذه الأمثال والأقوال في واقع الناس على أنها حقائق لا تقبل التغيير، ويحصل ذلك بفعل فساد الطباع البشرية وانهيار القيم الإنسانية، الشيء الذي أدى إلى التطبيع مع مثل هذه المغالطات وتقبلها، بحيث أصبحت مترددة بكثرة على ألسنة الكثيرين ومتكررة في تصرفاتهم رغم مخالفتها للفطرة السليمة والقيم الأخلاقية النبيلة، وهذا ما خلف أفعالا مستهجنة على أصعدة مختلفة، وهو الأمر الذي ساهم أيضا في تكوين صورة سيئة مضادة لما هو سوي أخلاقيا.

لا يخفى عن أريب ما للمال من أهمية ودور في تسهيل ونيل مبتغيات كثيرة، إذ له الفضل والأثر الكبير في حياتنا، بل ويصنف من ضمن الضروريات الملحة في هذا العصر، لكن المشكلة تكمن في تقديم المال على ما سواه وجعله المعيار الذي يحدد نوع التعامل الذي يتصرف به مع الآخرين، بعبارة أخرى على أساسه تقبل وترد الأمور بين البشر، فهذا مكمن الإشكالية التي يراد تحليلها استبصاريا ومناقشتها بعمق، إذ سيقتصر معالجتنا لهذا الموضوع على مثل شعبي متداول بشكل كبير بين العامة: "جمال الرجل في ماله إذ لا يعيبه إلا جيبه"، باعتبار هذا المثل من أهم الأمثال الشعبية المغلوطة التي شاع انتشارها وازداد ضررها مع ارتفاع حدة الأزمة القيمية التي عصفت بالهوية الأخلاقية للإنسان المعاصر.

ولهذا يمكن أن تتردد في الأذهان مجموعة من الأسئلة من قبيل: هل صحيح أن المال زينة للرجل؟ بمعنى آخر هل العيب الوحيد للرجل هو جيبه؟ وما مدى مصداقية هذا المثل الشعبي السائد؟ ولماذا صارت النساء تقدمن الجانب المالي للرجل على الجوانب الأخرى؟

أصبحنا نعيش في عالم بالمال وحده يمكن أن تستولي على عقول عديدة وتكسب قلوب خلق كثير، وتحقق به أشياء أشبه بالمستحيلة، وبه يستطاع شراء أمور كثيرة، وهذا ما جعل فئة بشرية لا يستهان منها تمارس نوعا من العبودية لأصحاب المال وتزاول طقوسها النفاقية لنيل رضاهم، فوجود المال يقتضي التوفر على سلطة قوية تمكن من نيل منافع ذاتية ومصالح شخصية.

بالرغم من أن الأخلاق وحدها من ترفع الإنسان إلا أننا نلمس في واقعنا اليومي تفكيرا مشوها في نظرة الأجيال الحالية، الشيء الذي يبرز بوضوح في اعتبارهم أن المال جمال للرجل وزينة له؛ لأن له بريق يضفي على عيوب مالكه طابع الحسن والجمال، وهذا أمر مسلم به في المجتمعات المادية المعاصرة، ولكن النظرة الواعية للإنسان بعيدة عن هذا التصور المادي، ويبقى الكلام بخلاف ذلك مجرد تزيف للحقائق.

بطبيعة الحال يحق للمرأة أن تسأل عن الحالة المادية للرجل قبل أن ترتبط به لاعتبارات كثيرة يفرضها العصر الحالي، لكن لا ينبغي أن يكون ذلك قبل السؤال عن الشخص في حد ذاته بعيدا عن تقديم الماديات عما سواها، فمن حق المرأة أن تطمئن على مستقبلها المادي هذا أمر عادي، لكن أن يكون على حساب الأخلاق، فهذا التصرف يدعو للغرابة ويدفع إلى طرح وجهة نظر مغايرة مبنية على أساس أخلاقي قويم لتصحيح التفكير المعطوب والسلوك المغلوط.

الرجل عيبه في جيبه عند أغلب النساء اليوم لهذا تجدهن يفضلن صاحب المال ظنا منهن على أنهن سيعشن معه الرغد والسعادة اللامنتهية، وقد يرجع ذلك إلى حبهن للمظاهر الذي طغى على سلوكياتهن، لهذا تجد فيهن من يلهثن وراء الأغنياء، وينظرن إليهم نظرات يغلبها الاستعلاء لكونهم في مقام رفيع حسب تصورهن؛ ذلك لأنهن يجعلن أبصارهن تشخص للجانب المادي للرجل فقط، واعتبارهن لمن يملك المال على أنه من صفوة المجتمع وخيرته، لكن حتما سيدركن أن الطمع في أصحاب المال والإعجاب بهم وتفضيلهم على غيرهم لا يساوي ولو ذرة أمام الشعور بالرضا والقناعة، وفي الغالب ما تتغير نظرتهن خصوصا اللواتي ينجذبن نحو الغنى المادي من غير وعي، لأن المال وحده لا يكفي لقيام علاقة زواج قوية بين رجل وامرأة وإنشاء أسرة صالحة ومستقرة.

إن العيب ليس في جيب الرجل، ولكن العيب فيمن يعتبر الجانب المادي للرجال مقياسا حقيقيا لإطلاق أحكام قيمية جاهزة عليهم، والتي لا تخرج عن كونها مجرد افتراضات وقناعات هي أقرب إلى الأوهام البعيدة كل البعد عن الحقيقة، فزينة الرجل كامنة في أخلاقه ونبل قيمه ورقي تصرفاته ولا دخل لوضعيته المالية في ذلك. وبالرغم من أن معظم النساء يصرحن بأنهن لا يفضلن المال إلا أن واقع حالهن يثبت العكس، لغريزتهن التي تطغى عليهن في تفضيل ما هو مادي في الرجل، وقد يقمن بذلك دون أن يشعرن، لهذا نجد تأخر الزواج الذي له ارتباط كبير بغلاء المهور، وللنساء دخل فيه لما يعرف عليهن من تفاخر بينهن بالإضافة لغيرتهن من بعضهن البعض.

ومن المعلوم أن المرأة كيفما كانت فهي في حاجة للارتباط بشريك يلازمها في مشوار حياتها بحيث يكون ممن يتمتع بخصال فاضلة وصفات جميلة لكي يكون مناسبا لها، ولكن المدهش أن تجد أغلب النساء يشتركن في نفس الاختيار المطلوب في الرجل ألا وهو المال، فهن يميلن إلى صاحب المال أكثر من غيره، ومواقف حياتية كثيرة تثبت صحة ذلك، أتذكر هنا القصة المشهورة لرجل قيل له لقد كرهت زوجتك الشيب الذي أصابك فمالت إلى غيرك، فقال: إنما انصرفت عني لقلة مالي، فوالله لو كنت في سن نوح وشيبة إبليس ومعي مال لرأتني أحب إليها من فقير في جمال يوسف وخلق داود وسن عيسى وجود حاتم وحلم أحنف بن قيس. لهذا فعندما يكون المال في رأي النساء هو كل شيء، لا يخرج من دائرة كونه ضرورة أولية لا محيد عنها في اختيار شريك حياتهن، لأن المال يصير عندهن العامل رقم واحد والمعيار الأول ومن بعده تأتي الأشياء الأخرى، فكل النساء يحتجن إلى المال بدون استثناء حتى اللواتي لا يضعنه كأولى أولياتهن، لكن ليست كل النساء متشابهات؛ فهناك من يفضلن المال وهناك من يفضلن غيره كالستر والأخلاق الفاضلة.

لا ينكر أحد وجود هذا النوع من التفكير عند الكثير من النساء، الأمر الذي يجعل الحياة الزوجية أسيرة للآلة الحاسبة التي همها الوحيد قياس السعادة الزوجية بمقدار المال، وهذا منطق خاطئ جدا، فالمال مهما كانت كميته لا يمكن أن يشتري الطمأنينة القلبية وراحة البال؛ وكثيرات هن من يحملن هذا الاعتقاد الفاسد من خلال تقزيمهن للنجاح الأسري في التواجد مع رجل يملك المال الكافي لإشباع رغباتهن وطلباتهن التي لا حصر لها، لكن للأسف اعتقادهن كان خاطئ جدا ودفعن ثمنا غاليا على ذلك الاختيار غير الصائب.

إن المرأة المعاصرة التي تعجب بالرجل لماله وحتى لو كان قبيح الخلقة وسيء السلوك إلا أنه يصير في عينها أجمل الرجال وأحسنهم في تفكيرها خلل كبير، فأوصاف الرجولة لا تكمل بالمال، كما أن معرفة قيمة المرأة وتقديرها لا تشترط من الرجل أن يكون صاحب مال، فالمادة لا تمثل ضرورة أساسية في نجاح العلاقة الزوجية بل هي أمر ثانوي، بالرغم من أن المال له سلطان وهيبة، لهذا كله لا ينبغي أن يكون محل تفضيل يجعله يفوق قيمة الأخلاق الحسنة.

 

 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أمين أمكاح
كاتب وباحث مغربي
تحميل المزيد