صديقي ثائر يناير.. «معلش»

عدد القراءات
1,059
عربي بوست
تم النشر: 2019/01/25 الساعة 15:56 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/01/25 الساعة 15:56 بتوقيت غرينتش
تعرضت آثار مصر لمحاولة نهب بالتزامن مع ثورة يناير/

عيبي إني طيب أوي.. صحيح أننا أسأنا استخدام العبارة تلك فأصبحت أشبه بنكتة سمجة، لكننا سنعرف أنها كانت العيب بعينه.

والعيب أننا أوتينا من الشجاعة والمروءة والأمل والنبل أكثر مما أوتينا من المنطق والحكمة، فكانت ثورة قُدر لها ألا تكتمل.

كنا نعلم أننا لا نجيد لعبة السياسة ولا نفهم دهاليزها، وأنه لم يكن لدينا من براح الضمير ما منحنا فرص التفاوض على ما لا نملك مثلهم، ومع هذا أقحمنا أنفسنا في اللعبة.. كنا نظن أننا قادرون على قلب المعادلة، وسرت نشوة السلطان فينا.

لم نعرف ساعتها أننا سنصبح منزوعين من كل شيء إلا من الحنين، نعرفه ويعرفنا جيداً، وسيحدث أن يلازمنا ثماني عجاف نشتاق فيها إلى حيث كنّا وكانوا، إلى التحرير.

سيحدث أيضاً أننا سنتذوق مرارة الهزائم كلها مجتمعة في كل موطن، وسنندم على بصيص الأمل الذي توهج فجأة والتحم بين صدورنا ليرسم لوحة النصر الكبرى، سنجلد أنفسنا أننا امتطينا الحلم، وهذا مربط الألم.

عزيزي الثائر، صحيح أنك مقتول بالهوى والأمنيات ربما توقفت بك بعد الأيام الثمانية عشر.

لكن، ما ذنبك أنت في المرثية؟!

كل ما في الأمر أنهم أيقنوا وعرفوا أن الثورة انتصارك الأكبر والوحيد، عرفوا أنك وجدت ذاتك فيها فأرادوا كسر تلك الذات وقطف أزهار حلمك المنتظر.

ما ذنبك في أنهم حصّنوا مواقعهم بدهس ذكرياتك؟ وأن كل الأبطال كانوا من ورق، وأن الرموز تساقطت وأنك لم تبلغ النهاية!

سجلت بغيابك القهري خواءً لقلب ميدان كان ينبض يوماً بهتافك الأنقى، لقد ثرت وقتما أتيحت لك فرصة الخلاص.

لم تهدأ، ولم تهرب، ولم تُخرسك أزيز الطائرات ولا قنبلات الغاز ولا القناصة.

فتحت صدرك للنيران عن طيب خاطر في لحظة لم تكن تحتمل بطولة زائفة.

ما ذنبك وأنت الثائر في وجه الظلام الممتد عقوداً لتخلّف بخروجك سيلاً بشرياً تحرك في وجه الحاكم لأول مرة بعدما كان قد قُدّر له ألا يثور.

أنت من بسطت جناحيك في الشوارع أعزل وحميت الطرقات حين خنع أصحاب السلطة والسلاح، وكتبت "الحتة الحلوة" في التاريخ يا صديقي.

حاولت، وكسبت شرف المحاولة وانتشلت جيلاً قادماً من صب لعنات الانتكاس عليك، مثلما فعلت أنت مع أبناء النكسة.

عشت خيبات متتالية، لكنك عرفت مواطن النبل والإلهام فلم تخضع ولم ترفع الراية البيضاء بعد كل محاولات الإسكات والتنكيل.

فكان عادلاً بمقياس عدلهم الأعوج أن تتلقى رد فعل الكرامة في ثورتك وحاضرك ومستقبلك لتسكت أبد الآبدين، ويسكت من آمنوا معك.

لا ترثِ الحكاية فأنت ذكراها ولا تستسلم لانهزاميتهم التي تنعت أحلامك وتُحملها وقع ما جرى.

سيحدث أن ينفض الجمع من حولك وستبقى وحدك بما يطعن في ثوابتك، لا ضير لأنك الحقيقة، والحقيقة لا يُلقاها إلا الثائرون.

 

 

 

 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تسنيم النخيلي
صحفية مصرية
تحميل المزيد