هكذا نصبح «عملاء» دون أن نشعر

عربي بوست
تم النشر: 2019/01/24 الساعة 16:31 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/01/24 الساعة 16:31 بتوقيت غرينتش
Hacker holding phone

في دولة اللادولة يتملَّكك الاستغراب والحيرة من مفاهيم تُلقي بثقلها على مسامعك من كل مكان، لا تعلم مصداقيتها لأنها تتعارض مع الواقع الذي تعيشه، ولا شك أننا نعيش في دول عربية تشبه كل شيء إلا الدول، وتسمع كلمة "عملاء- عميل" بلا توقف، ولكن ماذا يقصد بهذه الكلمة وكيف تستخدم وأين ولماذا؟

"العميل" في معجم اللغة العربية هو: مَن يعامل غيره في شأن من الشؤون، ولها معانٍ أخرى بالتأكيد، ولكن في السياق الذي نتحدث به تدلل على المعنى المذكور سابقاً، وجمعها عُملاء، وتوازيها في اللغة بهذا السياق كلمة أخرى وهي "جاسوس"، أي الشخص الذي يعمل لصالح دولة أجنبية متمثلة غالباً في "الاستعمار".

ولكن كيف تنشأ فكرة العمالة؟ وكيف نميّز أفعال العملاء؟ وكيف يستطيعون خيانة أوطانهم والتعاون مع الاستعمار؟ لو نظرنا قليلاً إلى طبيعة الحياة اليومية التي نعيشها سنلحظ أن العملاء لا يتمثلون بالأشخاص المرتبطين بالتعاون مع الاحتلال فحسب، إنما في نظري هم المرتبطون مع أي قوة أو سلطة حاكمة ومسيطرة وبيدها قرار.

فمثلاً نأخذ البيت كعينة مجتمع صغيرة، فيها سلطة حاكمة متمثلة في الأب أو الأم، تجد أن الأكثر حظاً بالاهتمام من بين الأبناء هو الذي يشِي لهذه السلطة الحاكمة بأفعال إخوته وتحركاتهم وقراراتهم المتوارية عن الأنظار، ستجد أن هذا الابن هو الأكثر حُباً لدى السلطة الحاكمة في بيته، على اعتبار أنه يخشى على مصلحة الأسرة ككل.

ثم خُذ بيئة العمل على نطاق مجتمع أوسع قليلاً وأشمل من البيت، بعدد الأشخاص أو طبيعة العلاقة التي تربطهم، مَن هو الأوفر حظاً لدى السلطة الحاكمة في العمل، المتمثلة في الإدارة، هو الموظف الذي ينقل كلَّ أسرار الموظفين وأفعالَهم وأقوالهم وتذمرهم للمدير/ة، وقد يكذب في كثير من الأحيان ضمن مهمة التسلق على جهد الآخر للوصول إلى قلب الإدارة الحاكمة، ولكنه سيكون الشخص الذي يخشى على مصلحة المؤسسة من وجهة نظر الإدارة! لا تستغرب أيها القارئ من هذا الطرح، خذ قسطاً من الراحة قليلاً، وفكِّر "مَن في بيتك أو عملك يعمل عميلاً؟".

وعلى اعتبار أن الفعل يصبح عادة متقبَّلة بعد الممارسة المتكررة له، فإن استسهال زرع فكرة العمالة في نفوس أعضاء المجتمع صَغُرَ أم كبُر، تأتي بمباركة الفعل تحت أي ظرف كان، الأمر الذي سيصبح في نظر العموم أن الشخص الذي سيعمل عميلاً لدى السلطة الحاكمة صاحبة القرار، هو الذي سيكون بمنأى عن أضرارها، وفي ظل حالة الاستعمار والاحتلال فلا أسهل من أن يصبح الشخص عميلاً للقوى المعادية، ما دام يشعر بأنه سيأمن جانبهم، وفي كثير من الأحيان يعمل الاحتلال على قتل عملائه عندما يُكشف أمرهم، أو لا ينفذون الأوامر ولم يعد لهم متسع في حسابات جيش الاحتلال أو حكومة الاستعمار.

لذلك فمن المهم أن نعي كيف نربي أبناءنا، وماذا نزرع في عقول موظفينا، وأن نستنكر الفعل الذي قد يصبح عادة سائدة تضرّ بالمجتمع ككل. ولكن مؤخراً، باتت كلمة "العملاء" تتردد على ألسنة الأنظمة العربية، لا سيّما في فلسطين، الدولة التي تعاني حتى اليوم من آخر احتلال بمعناه الواقعي على الأرض، وهو الاحتلال الإسرائيلي، ولكن هذه الكلمة لا تطلق على المتعاون مع الاحتلال ضد مصلحة الوطن المحتل فلسطين فحسب، خاصة مع اختلاط المفاهيم بعد اتفاقية أوسلو، وحضور السلطة الفلسطينية، وبدء مشوار المفاوضات الذي يستنكره الشعب الفلسطيني إجمالاً ويصفه بنوع من العمالة، ولكنها باتت تتردد على لسان رموز الأنظمة، في توجيه اتهامات ضدَّ أشخاص فاعلين في مجتمعاتهم، بصبغة المعارضين لنظام الحكم الاستبدادي، والمنادين بالحرية والتغيير والتجديد، وذلك لإضعاف صوت هؤلاء المجددين، والحد من اتِّباعهم.

 فمَن العملاء بنظرك؟.

 

 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

رولا حسنين
صحفية فلسطينية
تحميل المزيد