وجه الشبه بين حقوق الملكية الفكرية وماء البطيخ!

عربي بوست
تم النشر: 2019/01/23 الساعة 12:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/01/23 الساعة 12:55 بتوقيت غرينتش
بحق الله، ألا ترى أن حقوق الملكية الفكرية في الوطن العربي أشبه بماء البطيخ؟

منذ عامين تقريباً، وجدتُ إعلاناً في إحدى المجموعات النسائية على أحد مواقع التواصل الاجتماعي عن قناة راديو في كندا، يطلبون في الإعلان مذيعين ومقدمي برامج، وبحكم أن لي تجربة سابقة في التسجيل الصوتي للكتب الصوتية قدمت سيرتي الذاتية وبعض تسجيلاتي بالعربية والإنجليزية.

في أقل من يومين، قبلت، وكانت الفكرة أن أقوم بعمل برنامج عبارة عن حواديت وحكايات للأطفال، ورغم أن العمل تطوعي بنسبة 100% إلا أنها تجربة فريدة تستحق البذل، وكان الاتفاق أن أرسل لهم "برومو" أو تقديماً للبرنامج عن ماهية الحلقات والمحتوى الذي يعرضه وقد كان، واستقبلوا البرومو بالتهليل العريض، ثم تم الاتفاق على أن أرسل لهم 5 حلقات منفصلة مسبقاً وتحسباً لأي ظروف، وستذاع الحلقة يومياً مرتين، مرة في الصباح والأخرى في المساء، والحواديت بالعامية المصرية، وأرسلوا لي بضع ملفات لأسجل ببرامجهم لإنتاج الملفات الصوتية بالطريقة والشكل الذي يعمل بشكل جيد على أجهزتهم.

وبالفعل سجلت حلقتين، وبعدها انقطعت اتصالاتهم، ثم أخبرني القائم على القناة بأن الفكرة "سيئة للغاية"، وهذا بعد "أن كانت الفكرة رائعة وغير مسبوقة ونحتاجها لأطفالنا العرب في الغربة"، واندهشت جداً من غرابة سلوكهم واستنكرت عليهم إضاعة وقتي والعيب في إنتاجي، خصوصاً أنني سرت على كل الخطوات وقد قبلوني منذ البداية أصلاً، فما السر وراء هذا التغيير المفاجئ؟ وما سبب ذاك الرفض بهذا الشكل المهين المخفي وراء كلمات ديباجة مثل "لو عندك فكرة برنامج تانية ابعتيها"؟!

وبالطبع رفضت التعاون معهم مرة أخرى؛ لأن تغيير الرأي المفاجئ والقرارات المفاجئة غير الحكيمة المتضاربة، والرفض الصلف المتعجرف من سمات الإدارة المفككة غير الناجحة، الإدارات الفاشلة التي يرأسها المدير وعبيده وليس موظفيه، لا رؤية، لا منطق، لا ثبات، لا فريق عمل، المدير وما بعده الطوفان.

وحتى أجنّب نفسي الأسى وسوء الحالة النفسية بعد ما حدث، عللت فعلهم بأنه غريب حقاً ولكن ربما تصفحوا صفحتي الشخصية على موقع فيسبوك وربما تعارضت آرائي وأيديولوجياتي وأفكاري مع سياستهم؛ لذا قرروا وقف التعاون معي خوفاً من سرطنة قنواتهم ودرءاً لدسّ السمّ في العسل، وكنت قبلاً من هؤلاء الذين يشاركون آراءهم السياسية تحديداً على السوشيال ميديا رغبة في التواصل مع الآخرين وتقريب وجهات النظر، ولكن لما وجدت أني أخسر أصدقائي وجيراني وأقاربي وأناساً أعرفهم شخصياً ولي معهم ذكريات طيبة، ووجدت أن لا فائدة من إقناعهم، توقفت عن مشاركة الأخبار السياسية والسخرية وكل ما يجلب لي العداء وما أنا في غنى عنه.

وانتهى الحال على أنني لديّ قناتي الخاصة بها ملفاتي الخاصة وسأحقق النجاح المرجو لو ركزت مجهوداتي فيها، وفي صبيحة اليوم التالي وجدت أعداداً غفيرة من المتابعين على قناة ساوند كلاود الخاصة بي، ومعظم المتابعين الجُدد من كندا، وقبل أن أسعد بهذا التغيير وجدت حاسوبي بطيئاً جداً، وجدت نفسي أضغط أزراره عشرات المرات كي تظهر الصفحة ثم ظهرت لي رسالة تحذير أن الحاسوب تم تهكيره وسيتم سرقته، وضماناً لحفظ بياناتي وبريدي وكل ما يهم توجب على شركة الإنترنت أن توقف البث حتى لا تقبع فيروساتي في الشبكة وحتى يتم إصلاح العطب على أن أتواصل مع شركة الإنترنت بنفسي ليتأكدوا من هويتي لإعادة حسابي ولإعادة الإنترنت!

وكل ما أذكره أن هذه أول وآخر مرة أتعاون مع مجهولي الهوية ومحترفي سرقة الأفكار والمجهود، فكانت الحادثة الأولى من نوعها في حياتي ولم يتم تحميل أي ملفات جديدة على حاسوبي إلا الملفات التي شاركها معي القائم على قناة الراديو الكنداوي.

كانت صدمة بالنسبة لي، ولكن تجاوزت الأمر لما علمت أن هذا أمر شائع خصوصاً في الوطن العربي لأنه لا يوجد قوانين جادة لحماية الإنتاج والأفكار.

في العام قبل الماضي سُرقت إحدى الروايات المقدمة في إحدى المسابقات لأحد الكُتاب المصريين الشباب، وطبعت الرواية باسم كاتبة مغربية مع تغيير الغلاف واسم الرواية، وتم طرحها في منافذ البيع باسم الكاتبة القديرة، وغير ذلك كثير وحدث ولا حرج!

المثير للأسى أن سرقة الأفكار تعد أمراً بالغ الخطورة في البلدان الأخرى، سرقة تُجرّم ويحاسب عليها القانون وتنتقد بشدة، فقبل عامين من اليوم وفي خطاب لسيدة أمريكا الأولى ميلانيا ترامب، اقتبست ميلانيا جملة من سطرين من أحد خطابات سيدة أمريكا الأولى السابقة ميشيل أوباما، وقامت الصحافة ولم تقعد لأن هذه جريمة يحاسب عليها القانون في العالم أجمع إلا البلاد العربية بكل أسف!

لا ضمان لحقوق الملكية الفكرية ولا ضمان لحرية الإبداع إلا لو كنت مشهوراً ولديك واسطة جيدة أو أب يفرضك على المجال ويدخلك الباب من أوسع أبوابه، وكأن الموهبة والإبداع حكر على أشخاص معينين وأبنائهم  ورثوها لهم ضمن الميراث!

بحق الله، ألا ترى أن حقوق الملكية الفكرية في الوطن العربي أشبه بماء البطيخ؟ لا أصل لها ولا ماهية.. فقط تحصل عليها لو كان لديك بطيخ من الأساس، لكن لو كنت مبتدئاً فبالطبع هناك من سيسرق بطيختك وينسبها لنفسه.. لن يحاسبه أحد؛ لأن حقوق الملكية الفكرية لمن يملكون البطيخ فقط!

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
شامة عمران
مُترجمة تعيش بأمريكا
تحميل المزيد