كيف نقتنع بالأحداث الخيالية في الأفلام السينمائية؟

عربي بوست
تم النشر: 2019/01/23 الساعة 16:36 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/01/23 الساعة 16:36 بتوقيت غرينتش
فيلم The Lord Of The Rings

أكثر ما يغيظني في الكثير من المتحذلقين الذين يعتقدون في أنفسهم أنهم  من المهتمين بالروايات والسينما حين يبدأون في عمليات النقد المبالغ فيها خلال مشاهدتهم أحد أفلام الخيال العلمي.

كنت أشاهد أحد أجزاء سلسلة فيلم سيد الخواتم "The Lord Of The Rings" عندما قال لي صديقي في امتعاض: "أقزام وعالم من جن ما هذا السخف؟!".

فيلم The Lord Of The Rings
فيلم The Lord Of The Rings

تمالكت نفسي وأخبرته وأنا أضغط على أسناني بأن مَن يرغب في مشاهدة فيلم خيالي عليه أن يقبل قواعد اللعبة وإلا عليه أن يخرج ويبحث عن فيلم واقعي أو حتى وثائقي يتناسب مع واقعيته وتفكيره.

وفي الحقيقة حتى لا نذهب بعيداً ويعتقد البعض أنني أدعو إلى المشاهدة دون أي نقد، فإن القبول بقواعد اللعبة أيضاً تربطه قوانين صارمة عند المشاهد المتابع -لا المتحذلق بالطبع- تُعرف لدى الكُتاب والمؤلفين بالإيهام وعليهم ألا يخرجوا منها وإلا وقعوا في فخ الاستخفاف.

يقول أستاذ الإخراج مدكور ثابت إن الإيهام عنصر مُهم للفيلم، لكن مهما بلغ الإيهام من إتقان فله حدود، حيث يرى ثابت أنه من الاستحالة أن يدخل المشاهد للسينما كناقد ولا يندمج في الأحداث، فهناك دائماً درجة إجبارية من الإيهام وأخرى من اللاإيهام.

فمثلاً رغم كل الخيال الموجود في سلسلة "سيد الخواتم" فإن هناك قواعد ومواثيق -غير ملموسة- يجب احترامها بين المشاهد والمؤلف، حتى مع وجود كل هذه الشخصيات والوحوش الغريبة في الفيلم، إلا أنني مثلاً لن أرضى بأن يرى الأشرار "فرودو" بوضوح رغم ارتدائه الخاتم!

أيضاً تبتسم في سعادة أثناء مشاهدتك لـ"سوبر مان" يطير في السماء، لكنك تشتاط غضباً وتتهم المخرج والكاتب بالسخف إذا ما تعرض سوبرمان لمادة الكربتونايت -وهي المادة الوحيدة التي تقتله بحسب القصص- دون أن يموت أو يحدث له مكروه!

الكاتب المصري الراحل أحمد خالد توفيق تناول هذا الموضوع بشكل جميل في كتابه "اللغز وراء السطور"؛ حيث قال إن الإيهام عملية فنية في ذاته، فعند مشاهدة أحد الأفلام قد تبتلع بعض الأشياء التي لا يمكن ابتلاعها لكن في الوقت ذاته لدى الإيهام قوانينه التي لا يجب أن يتجاوزها، فالقارئ يصدق بعض الأشياء لأنه يريد أن يصدقها ولأنه يريد أن ينخدع، وهو ما عرفه في كتابه بـ"دعني أخدعك.. دعني أنخدع".

قد أكون قد بالغت في استخدامي لوصف "متحذلقين"، إلا أنني أقصد به بالطبع من يعتقد نفسه مختصاً ومتابعاً جيداً لأفلام وروايات الخيال العلمي، وليس عامة الناس غير المهتمين بالأعمال السينمائية، فإذا كان يعتقد فعلاً أنه مهتم ومتابع ولا يفقه في نظريات الإيهام وكذلك ما يعرف بـ"التعطيل الإرادي لعدم التصديق" -رغم الجدل حول هذا المصطلح- فهذا يعني أنه فعلاً متحذلق.

التعطيل الإرادي لعدم التصديق عبارة ابتكرها الناقد الأدبي والمسرحي كولردغ عام 1817، رغم أنها قاعدة اعتبرها الكثيرون غير جيدة لأنها تجبر القارئ -والمشاهد الآن- على تصديق أمور سخيفة في بعض الأحيان، وهو أمر وقع فيه الكثير من المخرجين، فبالغوا فيه بشكل أصبح فيه استخفاف بالمشاهدين!

عملية الإيهام واللاإيهام عملية معقدة وصعبة تحتاج إلى حساسية كبيرة من الكاتب حتى لا تنفلت الأمور من بين يديه فينتقده المتحذلق ويفقد ثقة المشاهد المتابع.

القارئ يقبل أن يخدعه المؤلف بمزاجه الخاص ولأنه يريد ذلك وتعتمد أيضاً على مدى دقة اختيارات المؤلف وحذره الشديد في استخدام عملية الإيهام واللاإيهام. لكن هناك لحظة ينقلب فيها المتابع عليه ويقتنع بأن كل ما يقرؤه أو يشاهده مجرد احتيال وسخف رخيص.. وهذه أسوأ مرحلة يمكن أن يصل إليها أي كاتب ومؤلف.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
عماد المدولي
صحفي ليبي
تحميل المزيد