يشغل عقلي منذ زمن تساؤلات كثيرة حول الزواج، وما يقال عنه، سمعت الكثير من آراء المتزوجين، الأغلبية تبغضه، والبعض وهم الأقلية يرحب به ويقول إنه نعمة من الله له، ولولا فلان الزوج أو فلانة الزوجة لما كان للحياة معنى، وأن عمره قبله لم يكن عمراً.
ورغم ذلك فنهاية الحديث مع كلٍّ منهما – المحب والكاره – يدعو لك بالزواج فتقف عند الثاني وتتعجب منه كيف يدعو لك وهو يكره الزواج لهذا الحد! وكيف إن كان الزواج كريهاً إلى هذه الدرجة أن يتمنى لك الألم والوجع في حياتك؟! قضيت وقتاً طويلاً أفكر فيما إن كان حديث الأول صحيحاً حتى كدت أكره الزواج فقررت أن رأيي في الزواج الذي توصلت إليه.
كنتُ أقرأ القرآن فمرّت عليّ آية توقفت عندها، وهي قوله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا).
وجالت الأسئلة الواحد تلو الآخر في عقلي، أحقاً لنسكن إليها فلِمَ ينفُر وينفّر البعض منه؟! ألم يكن الزواج مكان سكن لهم؟! ألم يستطيعوا أن يجدوا النصف الآخر لروحهم فارتضوا بالقليل؟! ولِم لَم يستطيعوا؟! ألم يخلقنا الله من جنسين مختلفين ليجد كل منا من يتفق معه؟ من يكمل الطريق معه كان يكمله إلى الجحيم أو إلى الجنة المهم أنهم معاً متفقان، ماذا لو كنا ممن لم يجدوا أنصافهم ويكملوا الطريق وحيدين؟! وما أبغض إليّ في شيء إلا أن أكمل وحدي برفيقٍ أشبه بالرفيق وقلبه لا يلامس قلبي وروحه لا تحلق مع روحي وأن يكون كلٌّ منا مع الآخر وليس معه.
ولأن للزواج عظمته وهيبته ولأني أملك عقلاً لا يكفّ عن التفكير في أصغر الأشياء وأبسطها فوهبت الزواج عقلي لعامين لأصل إلى رأيي في الزواج بشكل صحيح، وأخذت أبحث عن أدقّ التفاصيل في كل العلاقات الزوجيّة من حولي وحقاً تعجبت، الكثيرون ممن يدعون بُغض الزواج ومشقته يعيشون حياة زوجية هانئة، وأما الحديث البغيض فحتى تتوارى عنهم الأعين ويحفظهم الله! وليس من المهم أبداً الجيل القادم ولا نظرياتهم عن الزواج.
أدركت أيضاً أن كل العلاقات بها الكثير من المشاكل والألم وليس هناك واحدة تعيش بهناء وصفاء، الجميع يكدر حياته الوجع، لكن ما يجعلهم متمسكين بعلاقاتهم بعض الحب وبعض الود، فما تقام علاقة إلا بالود والحب معاً ودوماً ما يسبق الود الحب فإن أتى الأول جاء الآخر كما الاحترام، فلا يجب أن تخلو العلاقة من الاحترام سواء كان احتراماً للشخص نفسه أو لأحلامه وأمانيه، وتلك العلاقات السليمة التي لا ينغّص عليها أي وجع أو ألم وإنما تأتي المشكلات لتزيد من قوة ارتباطهما.
وأخيراً.. ما كان الزواج يوماً إلا سكناً ومسكناً ومودة ورحمة وتفاهم واحترام وحفظ العشرة، فإن تحقق كل ذاك أتى الحب وتوثقت كل العهود بينهما، وما كان لهما إلا العيش في سلام وراحة لينشئوا جيلاً معافى نفسياً، أما الاختيار بناءً على مشاعر تتغير مع الزمن فذاك أكبر خطأ يرتكبه المرء بحق نفسه وبحق الآخر، كما الارتضاء بأقل القليل كي لا يمر الوقت وتصير عانساً كما يلقب المجتمع من تأخر زواجه.
اختاروا من ترون فيه الكتف والسند وتشعرون بقربه بالأمان يكن لكم من أنفسكم قدر ما لكم من أنفسكم، ولا تلومن إلا أنفسكم إن أسأتم الاختيار وتذكروا (لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا).
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.