استحوذت على شركات الألبان والاتصالات والبنية التحتية.. ماذا تفعل الصين فى إسرائيل؟

تم النشر: 2019/01/19 الساعة 13:48 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/01/19 الساعة 13:48 بتوقيت غرينتش
صورة أرشيفية تجمع بين رجل الأعمال الصيني علي بابا وبنيامين نتنياهوGPO

تمخض الجبل فولد رسوماً جمركية معلقة وهدنة تجارية مؤقتة، بعد ثلاث سنوات من قنابل الدخان المتبادلة بين أمريكا ترامب والصين. يبدو أن هذا هو المشهد الثابت الآن على شاشات الاقتصاد العالمى الذي يتهيأ لتباطؤ محتمل، ومن خلفه الأسواق التي تمارس اضطراباً مفتعلاً. والحقيقة أن ما نشاهده حالياً هو رأس الجبل فقط، الذي يشير وبعمق إلى أسفله، حيث ميادين أخرى مفتوحة على مصراعيها في الحرب التجارية التي لم تبدأ بعد، حتى تضع أوزارها الثقيلة جداً.

 

فقبل شهرين، وتحديداً في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، كشفت الصحافة الإسرائيلية زاوية مثيرة من الحرب التجارية، حيث أشار المسؤولون هناك إلى أن الأمريكيين انفجروا في وجوههم، بسبب التوسع الصيني في إسرائيل بل ويمكننا القول أن الصين تحتل اقتصاد إسرائيل، خاصة في مجال البنية التحتية والتكنولوجيا، فقد قالوا لهم صراحة "نمو شراكة تجارية وثيقة بين الصين وإسرائيل أمر غير محتمل أبداً… إما أن تنظّموا موضوع التجارة مع الصين، وإما سننظمه نحن!"

 

جاء ذلك بعد أيام قليلة من عقد رئيس الوزراء الإسرائيلي ونائب الرئيس الصيني 8 اتفاقيات تجارية في مجالات الصحة والزراعة والعلوم التقنية، وكذلك تفعيل "لجنة الابتكارات" الصينية الإسرائيلية من عام 2018 إلى عام 2021. استناداً إلى مسيرة الشراكة الناجحة الممتدة من عام 2013 حيث الصفقة المثيرة التي سمحت فيها إسرائيل لمجموعة "شنغهاي إنترناشيونال بورت SIPG" الصينية، بالعمل على تشغيل ميناء خاص في حيفا، حيث تمركز الأسطول السادس الأمريكي والمجاور لقاعدة الغواصات النووية الإسرائيلية.

 

من هنا يبدو ميناء حيفا هو كلمة السر في الغضب الأمريكي ضد تواجد الصين في إسرائيل، فالميناء يفتح البوابة الشرقية للبحر المتوسط أمام الطموح الصيني العظيم الذي يتهيأ لاستكمال خطته التجارية المهمة، والمعروفة بمبادرة الحزام والطريق، التي تسمح للصين عبر السيطرة المستمرة على حيفا والشواطئ المتاخمة له بارتكاز فعال ومسار مختصر من قلب الشرق الأوسط إلى جنوب أوروبا، ومن ثم إزاحة محتملة للهيمنة الامريكية عسكرياً واقتصادياً على دول البحر المتوسط.

ومن ناحية أخرى يتجلى الحضور الصيني داخل إسرائيل في قيمة الاستثمارات الصينية هناك، التي تجاوزت 25 مليار دولار في مشروعات متنوعة نرصد بعضها كما يلي.

 

قطاع الاتصالات:

حيث استحوذت شركة هواوي الصينية فى آخر عام 2016 على شركة "هكسا تير" الإسرائيلية، لتأمين قواعد البيانات بمقابل 42 مليون دولار بالإضافة للاستحواذ على شركة "توجا نتوركس" لتكنولوجيا المعلومات، وكذلك استبدال تدريجي ومنظم لمعدات الاتصال الأمريكية والأوروبية بمعدات شركتي هواوي وZTE المتهمتين من قبل الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي بالتجسس لصالح الحكومة المركزية في الصين.

 

وكذلك تدشين صندوق "سامسونغ نكست" للاستثمار في إسرائيل وضخ التمويل والدعم الصيني في أغلب المشروعات التقنية، بداية من طلاب الجامعات حتى منتجات المصانع الإسرائيلية، بالإضافة إلى عقد المنتدى السنوي المهم "سيليكون دراجون إسرائيل" في تل أبيب 2018، وكذلك القمة الصينية الإسرائيلية للابتكار في الصين، يوليو/تموز 2018، فيما يعرف بالشراكة الابتكارية بين الجانبين التي تمتد إلى قطاعات الاستثمار القديمة كالزراعة والصناعة منذ عام 1992 حتى 2014، حين استحوذ مستثمرون صينيون على عملاق منتجات الألبان الإسرائيلي شركة "تنوفا" التي تسيطر على أكثر من 85% من سوق الغذاء هناك، عبر شراكات تجارية متشعبة.

 

قطاع البنية التحتية:

حيث مؤخراً تم الحصول على مناقصة بناء ميناء جديد بمنطقة أسدود، وكذلك ضخ الاستثمارات الصينية في قطاع النقل العام والسكك الحديدية وشبكات الطرق بالقرب من ميناء حيفا، التي افتتحتها بتطوير كبير لأنفاق شمال جبال الكرمل، والإشراف على تشغيل الميناء البحري الجديد الذي يكتمل بناؤه في عام 2021. وذلك عن طريق مقاول رئيسي يتمثل في شركة SIPG الصينية التي تدير ميناء شنغهاي التجاري العالمي والخاضع بالكامل لسيطرة حكومة الصين.

 

كل ما سبق تؤكده الأرقام والمؤشرات التي تفصح عما يفوق 11 مليار دولار، قيمة التبادل التجاري بين الصين وإسرائيل، بتفوق أكيد في الميزان التجاري لصالح الصين، حيث 77% واردات مقابل 23% صادرات، بالإضافة لمضاعفة عدد الزوار الصينيين لإسرائيل بنحو 4 أضعاف، من عام 2014 إلى عام2018 حيث 200 ألف زائر، حسب بيانات السفارة الصينية في إسرائيل.

إذن نحن أمام جزء واضح من نمو التعاون الصيني الإسرائيلي الذي بات يتبنى أهدافاً مشتركة ومتبادلة، من جودة النظام والتعليم والتقنية والابتكار، وصولاً إلى فتح الأسواق أمام صادرات الطرفين لتعظيم الاستفادة من استمرار التجربة محل القلق الأمريكي البالغ الذي تمت ترجمته في زيارة مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون لتل أبيب، مطلع يناير/كانون الثاني الجاري، حيث اعتراضه المباشر على نمو نفوذ الاستمارات الصينية داخل إسرائيل، وتحذيره لهم بأن الصين لا تحترم تعاقدتها مع شركائها التجاريين، وتسحق حقوق الملكية الفكرية، وتكسب من هذه العلاقة أكثر كثيراً مما تكسبه إسرائيل، التي تستفيد سنوياً من المساعدات الأمريكية بنحو 3.8 مليار دولار في الوقت الذي يشهد حرباً تجارية بين الولايات المتحدة والصين.

 

هنا نصل إلى تكرار مشاهد الاعتذار الضمني وجبر الخواطر السياسية عما يحدث، بعد تحذير رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي "الشاباك"، عقب زيارة بولتون، من تهديد الاستثمارات الصينية لأمن إسرائيل، ودعوته العامة لوجود تشريعات خاصة توازن بين المصالح التجارية والأمن القومي وطمأنة أمريكا ترامب، سند إسرائيل القوي جداً. وهو تقريباً نفس الموقف الذي اتخذته كل من كندا وألمانيا وفرنسا وإنجلترا ونيوزيلندا وأستراليا، حيال توسع شركة هواوي الصينية تحديداً في أسواق الاتصالات في تلك البلدان، بعد طلب واتهام أمريكي لهواوي بالتجسس واختراق الأمن القومي هناك. فهل تفعلها إسرائيل أيضاً وتقلص تعاونها مع الصين، بالقدر الذي لا يعكر الرضا الأمريكي؟!

 

أخيراً:

تتغير حقائق القوة على الارض حالياً من محاولة الصين للحاق بأمريكا إلى مطاردة أمريكا نفسها للصين في كل ميدان اقتصادي وعسكري. مطاردة جبلية وعرة للغاية، تشبه الخوض في بئر عميقة من دون قاع منظور.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
محمد مهدي عبدالنبي
باحث اقتصادي ووسيط مالي بالبورصة المصرية
محمد مهدي عبدالنبي من مواليد 2 مارس 1983. كاتب اقتصادي، وخبير أسواق المال العالمية، ووسيط مالي معتمد بالبورصة المصرية منذ العام 2006.
تحميل المزيد