كان وراء قرار الحرب على العراق ويدعو الآن لحرب إيران.. ماذا تعرف عن أخطر رجل في البيت الأبيض؟

عربي بوست
تم النشر: 2019/01/18 الساعة 11:12 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/01/18 الساعة 11:12 بتوقيت غرينتش

إذا قللت من شأن جون بولتون، فلتتحمَّل العواقب. 

ألا تتذكرون كيف سخرنا منه حين لم يُعيَّن في منصب وزير الخارجية لأنَّ ترامب، كما قيل لنا، لا يُحب "شاربه الذي يشبه الفرشاة؟". ثم عُيِّن في غضون أقل من 18 شهراً، وبعد ظهوره بانتظام في قناة Fox News، في منصب مستشار الأمن القومي، وحصل على مكتبٍ قريبٍ من مكتب الرئيس الأمريكي داخل البيت الأبيض.

ألا تتذكرون عندما التقاه وزير الدفاع السابق جيمس ماتيس في البنتاغون وقال له مازحاً إنَّه "الشيطان المتجسد؟" لقد رحل ماتيس وبقي بولتون.

ألا تتذكرون عندما دخل جون كيلي، كبير موظفي البيت الأبيض سابقاً، في "تلاسنٍ حاد بذيء" مع بولتون بشأن قضية الهجرة خارج المكتب البيضاوي مباشرة؟ لقد رحل كيلي وبقي بولتون.

ألا تتذكرون حين أعلن ترامب أنَّ جميع الجنود الأمريكيين في سوريا البالغ عددهم 2000 فرد "سينسحبون جميعاً وفوراً"، بعد بضعة أسابيع فقط من تصريح بولتون بأنَّهم سيبقون هناك إلى أن يرحل كل الجنود والوكلاء الإيرانيين عن البلاد؟ قيل لنا آنذاك إنَّ بولتون تعرَّض للتجاهل والتهميش. لكنَّ ذلك ليس صحيحاً؛ ففي وقتٍ سابق من الشهر الجاري، وفي أثناء زيارته لإسرائيل، أكَّد مستشار الأمن القومي عدم وجود جدولٍ زمني لسحب القوات الأمريكية، وأنَّ الأمر برمته يتوقف على عدم مساس الحكومة التركية بسلامة المقاتلين الأكراد المدعومين من الولايات المتحدة. ويمكنكم قراءة تقرير نشرته صحيفة The Financial Times البريطانية بعنوان John Bolton puts brakes on Trump withdrawal from Syria أو "بولتون يكبح انسحاب ترامب من سوريا".

يبدو أنَّ بولتون رجلٌ يصعُب كبح جماحه.

وفي عام 2003، تحقق مُراد بولتون المتمثل في الحرب على العراق. إذ مارس بولتون آنذاك -بصفته عضواً مؤثِّراً بارزاً مُناصراً لاستخدام القوة في إدارة بوش- ضغوطاً على محللي الاستخبارات، وهدد مسؤولين دوليين، وأطلق أكاذيب سافرة حول أسلحة الدمار الشامل. ولم يشعر بالندم قط على دعمه الغزو الكارثي غير القانوني للعراق، الذي أودى بحياة مئات الآلاف من الأشخاص.

والآن، يريد بولتون شنَّ حربٍ مع إيران؛ إذ قال مسؤولون في وزارة الخارجية الأمريكية والبنتاغون، بحسب ما نشرته صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية، إنَّهم "منزعجون" من الطلب الذي قدَّمه إلى البنتاغون "لتزويد البيت الأبيض بالخيارات العسكرية لضرب إيران العام الماضي". وذكرت صحيفة The New York Times الأمريكية كذلك أنَّ "مسؤولين بارزين في البنتاغون أعربوا عن مخاوف عميقة" من أنَّ بولتون "قد يُعجِّل بشنِّ حربٍ على إيران".

هل ينبغي أن نتفاجأ من ذلك؟ في مارس/آذار من عام 2015، كتب بولتون، الذي كان آنذاك مواطناً عادياً لا يشغل أي منصب رسمي، مقالة رأي في صحيفة The New York Times بعنوان To Stop Iran's Bomb, Bomb Iran أو "من أجل إيقاف خطر قنبلة إيران، اقصفوا إيران". وفي يوليو/تموز من عام 2017، أي قبل ثمانية أشهر فقط من انضمامه إلى إدارة ترامب، قال بولتون لمجموعةٍ من أعضاء منظمة مجاهدي خلق الإيرانية المنفيين إنَّ "السياسة المعلنة للولايات المتحدة الأمريكية يجب أن تكون إطاحة نظام الملالي في طهران" وأنَّه "قبل عام 2019، سنحتفل، نحن الموجودين هنا، في طهران".

على الرغم من التسريبات الصحفية التي نُشِرَت في خلال الأيام القليلة الماضية على لسان مسؤولين "منزعجين" في وزارة الخارجية والبنتاغون لكنَّهم لم يكشفوا عن هوياتهم، فإنَّ بولتون ليس الشخص الوحيد المقرب إلى ترامب الذي يضغط لشنِّ حربٍ على إيران، بل لديه الكثير من الحلفاء في الإدارة. ففي تقرير نشره موقع Vox يوم الإثنين 14 يناير/كانون الثاني، ذُكِر أنَّ "بولتون ملأ مجلس الأمن القومي بأشخاصٍ يشاركونه وجهات نظره. وفي الأسبوع الماضي، عيَّن ريتشارد غولدبيرغ، وهو مناصر مشهور للحرب على إيران، لإدارة حملة الضغط التي تهدف إلى إقناع الإدارة الأمريكية بشنِّ حربٍ على البلاد".

وخارج مجلس الأمن القومي الذي يهيمن عليه بولتون، هناك أيضاً وزير الخارجية مايك بومبيو المناصر لشنِّ حربٍ على إيران، الذي اقترح ذات مرة إطلاق "2000 غارةٍ لتدمير المنشآت النووية الإيرانية". وكما أشرت الأسبوع الماضي، استخدم بومبيو في خطابه الأخير الذي ألقاه في العاصمة المصرية القاهرة حول السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط كلمتي "خبيثة" و "قمعية" أكثر من 20 مرةً في الإشارة إلى إيران واستنكر "التوسع الإيراني" و "التدمير الإقليمي" الذي تنتهجه، بينما أكال المديح على السعودية. وقال: "تفهم الدول بصورةٍ متزايدة أننا يجب أن نواجه نظام آيات الله، لا أن نعاملهم برفق"، ثم أعلن لشبكة Fox News قبل مغادرته القاهرة أنَّ الولايات المتحدة ستنظِّم قمة دولية حول إيران في بولندا الشهر المقبل.

إذاً، كيف يعتزم هؤلاء المؤيدون لشنِّ حربٍ على طهران تحقيق مبتغاهم؟ يبدو بولتون، على وجه الخصوص، متحمساً لنهجين هجوميين: الأول يتعلق بالقضية النووية، إذ قال مستشار الأمن القومي لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو -الذي يكره إيران أيضاً- في القدس في وقتٍ سابق من الشهر الجاري: "ليس لدينا شكٌّ في أن قيادة إيران ما زالت مُصرةً استراتيجياً على امتلاك أسلحة نووية قابلة للإطلاق". لكن لا يوجد دليل على ادِّعاء بولتون، وفي الواقع، كذَّب مجتمع الاستخبارات الأمريكية هذا الادِّعاء قطعاً ومراراً؛ إذ قال دان كوتس مدير الاستخبارات الوطنية في تقريره حول "تقييم التهديد العالمي الصادر عن مجتمع الاستخبارات الأمريكي" في عام 2017: "لا نعرف ما إذا كانت إيران ستُقرِّر في نهاية المطاف تصنيع أسلحةٍ نووية".

أمَّا النهج الثاني، فيتعلق بأنشطة الجماعات المدعومة من طهران في العراق وسوريا ولبنان؛ إذ ذكرت صحيفة The New York Times أنَّ طلب بولتون تقديم خيارات عسكرية ضد إيران "جاء بعد أن أطلق مسلحون مدعومون إيرانياً ثلاث قذائف هاون أو صواريخ على قطعة أرض فارغة بالقرب من سفارة الولايات المتحدة في بغداد في سبتمبر/أيلول". وللتوضيح: لم يشهد الهجوم وقوع أي قتلى أو إصابات.

وثمة سؤالٌ آخر: إلى أي مدى يمتد هذا المنطق الانتقامي؟  إذ أنَّ الولايات المتحدة مُتَّهمةٌ بدعم جماعات متطرفة مناهضة للحكومة في إيران، والغارات الإسرائيلية على المواقع الإيرانية في سوريا. فهل هذا يعني أنَّ الإيرانيين لديهم الحق في شن غارات جوية انتقامية على أراضي الولايات المتحدة؟ وهل يملك الكوبيون الحق في قصف مدينة ميامي، حيث يمكث عددٌ من الجماعات المناهضة لكاسترو المدعومة أمريكياً ويعمل هناك؟

لكنَّ بولتون لم يُحسِن التفكير بالمنطق قط، فهو مؤدَلج، وقد قال سابقاً: "خطأٌ كبير أن نمنح القانون الدولي أي صلاحيةٍ حتى عندما يبدو ذلك في مصلحتنا على المدى القصير؛ لأنَّ هدف أولئك الذين يؤمنون بصلاحية القانون الدولي -على المدى البعيد- هو نفسه هدف أولئك الذين يريدون تقييد الولايات المتحدة".

إذاً، فبولتون المولع بالقتال سيضرب بالقانون الدولي والمحكمة الجنائية الدولية وحياة المدنيين عرض الحائط، وسيقضي معظم فترات العام الحالي في تقديم مبرراتٍ للحرب على إيران سراً وعلانية، وهي حربٌ من شأنها أن تجعل غزو العراق يبدو مجرَّد نزهةٍ مقارنةً بها. وهذا يجعل بولتون ذا الشارب الكبير الذي يقع مكتبه بجوار مكتب ترامب هو أخطر عضوٍ في هذه الإدارة المتهورة.

يبدو أنَّه أخبث من مجرَّد "شيطان متجسِّد"!   

– هذا الموضوع مترجم عن موقع The Intercept الأمريكي.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
مهدي حسن
صحفي بريطاني
تحميل المزيد