لا أحد يعرف تلك الماكينات المغربية التي انتهت إلى أعلى معدلات الصناعة وأصبحت تُنتج "نجوم التفاهة" على قدم وساق وبعناية مركزة حتى يتصدروا الصحف والمجلات ومن ثم المواقع والصفحات والبروفيلات، وبفضل هذه الصناعة "المثيرة" أصبحت عندنا القصص التافهة على مدار الساعة واليوم فلا تنتهي قصة تافهة حتى تبدأ الأخرى.
مرت سنوات عجفاء على البلاد لكنها حملت معها "المضحك المبكي" فانتعشت صناعة الجهل.. وإعادة إنتاج السَّخَف على نحوٍ غير مسبوق وطردت العملة الرديئة العملة الجيدة، حيث انهار المجلس الأعلى للثقافة أمام المجلس الأعلى للتفاهة!
في هذه البلاد جرى وضع إطار ذهبي للتافهين وجعلوا لهم من الفرص الكثيرة والمديدة حتى يتسلقون الهرم، وصلوا إلى الصحافة والمجتمع المدني، كانوا تافهين وأصبحوا فاعلين، عاشوا في التفاهة وانتقلوا إلى الاثارة، وهناك من الجمهور العاشق لـ "أيديولوجية التفاهة" حتى أن هناك من أطلق عليهم الـ "المؤثرين".
في هذه البلاد يمكنك أن تجد صحفياِ دون مقالة صحفية، وكاتباً دون كتاب، ومفكراً دون فكر، و فنانين دون فن، وباحثاً دون بحث، وعلى أثر كل ذلك، أصبحت الأوسمة والألقاب تُوزع على هذه العينة، وهناك من ابتهج بهذه الصناعة، لأن أهلها ودودون جداً، والأهم من ذلك أنهم ليسوا عدميين، وفي هذه البلاد يحق لك أن تكون ما تريد، إلا أن تقرر أن تكون عدمياً، وصاحب فكر، إياك أن تفعل، فلا يحق لك أن تصبح عدمياً بعد الأن وبعد ما وقع للعدميين المنتشرين على سجون المعمورة. كن تافهاً ودوداً
انتشرت مؤخراً لوحات تحذيرية في الولايات المتحدة وأوروبا.. تحاول مواجهة التفاهة المتصاعدة في العالم وتحمل اللوحات التحذيرية التى باتت منتشرة هناك هذه العبارة: "Stop making stupid people famous" ومعناها "توقّف عن جعل الناس الأغبياء.. مشهورين"
يُخيلُ اليومَ، أن أصاحب الماكينات الناشئة لهذه "الجِينيرغاسيون" وضعوا قواعد "ضبط" للنجاح، فهم من يطلقون شعارات "المواطن الصالح" والتي يقصدُونَ بها، أن تكون صالحاً لهم إلى يوم إنتهاء مدة صلاحيتك، ومعناها أن تكون معدماً فقيراً، وفي مقابل هذا عليك، أن تكون مبتهجاً ومطيعاً، أن تضع يدك في جيبك فلا تجد إلا فاتورة الماء والكهرباء، ولائحة بأسماء الدائنين الذين يطلبونك حياً أو ميتاً.. يُريدون منك أن تعمل ليلاً نهاراً وتنال رضاهم، ولا يهم إن تتقاضى المقابل أو لا، يطلبون منك ما سرد زميل عندما اقترب من عش "صناع التفاهة" يطلبونك أن تكون مظلوماً وعاقلاً في الوقت نفسه، حتى لا تضيف إلى لائحة اتهاماتك جنحة الرجولة. يطلبون منك أن تتوجع لكن بصمت. يطلبون منك أن تكون حزيناً بملامح مسرورة للغاية، وأن تكون مفجوعاً بشكل حضاري، حتى إذا صرخت من شدة الألم أشعلت الأمل والحبور في نفوس المفجوعين من أمثالك.
آلمني ذلك الرجل الذي صاح في قريته الصغيرة: "يا صناع (الخوف) دعونا نغرس بذرة، نوقد شمعة" وها نحن اليوم نتجه لتكرار ذات الصرخة ونستبدل فيها "الخوف" بـ"التفاهة" عسانا نفتح نافذة يشع منها ضوء، ويتسلل منها هواء.. أو نكتب قصيدة ننشدها، ولحناً يسعد الآخرين ويطربهم.. دعونا نرسم ضحكة وابتسامة.. دعونا نتنفس شهيقاً وزفيرًا..أبسط ما يكون نابع من أعماقنا.. وليس من "تفاهاتنا".
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.